مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

جمعية العلماء: أداء ووفاء وعطاء

أ.د. عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

 

تبارك الله الذي أنعم على الجزائر بجمعية العلماء، هذه الجمعية التي بنيت على تقوى من الأساس، فكانت خير جمعية أخرجت للناس، صانت المرجعية والأصول، وسكنت القلوب والعقول، وتوزعت بين المروج والواحات والحقول.
وأكرِم بعلماء، خرجوا من صلب الجزائر، فحملوا إليها البشائر، وشنوا -فيها- حربا على الصغائر والكبائر، فتبوأت لها مكانة في القرى، والمدن، والمداشر.

وتوالى أداء جمعية العلماء، منذ استهلت صارخة، مبشرة بالثوابت، ومجددة للنوابت، تقارع الأعداء، وتنشر قيم الإخاء، وتربّي الأجيال على سمو العطاء، ونبل الأداء، وشمائل الإخاء.
احتضن الجمعية، في ظلمة الاستعمار الحالك، علماء رسموا للأمة المضيء من المسالك، في ضوء الكتاب والسنة الواقيَين من المهالك، والاقتداء بخيرة المذاهب، بدءا بمذهب الإمام مالك.
ما قارعت جمعية العلماء، خوارج في الدين أو السياسة، إلا قضت عليهم، بالعلم والحجة، والبيان والحكمة والكياسة.
وشهد لجمعية العلماء بالصدارة، القاصي والداني، في العلم والإدارة، وفي البناء والعمارة، بفضل رجاحة عقول علمائها الراسخين في الدعوة وحسن الإنارة، بعيدا عن الغوغائية، والعصبية والإثارة.
وتأتي ذكرى ميلاد الجمعية الواحد والتسعين الذي يصادف هذه السنة الألفين والثاني والعشرين، فترفع لها أكف الدعاء، تبريكا وتجلة، وتعلق الأوسمة على جبينها كما ترصع السماء بالأهلة.
ويمكن –بكل تواضع- أن نقول بأن شهر مايو، قد كان شهر العلم والعلماء، ورمز الطاهرين والشهداء.
فمنذ السادس عشر من أفريل الذي يصادف ذكرى إحياء يوم العلم، الذي يخلد موعد وفاة رائد العلم والعلماء في الجزائر عبد الحميد بن باديس، منذ ذلك اليوم –على الخصوص- والجزائر بمختلف فئاتها ومناطقها، تتنافس في العناية بالعلم والعلماء، وتتسابق إلى التعريف بفكر جمعية العلماء لمختلف الأجيال.
فعلى صعيد التنظيم، كان انعقاد المجلس الوطني للجمعية، بمثابة العقد الثمين الذي انتظمت لآلؤه تحت قباب مدينة الألف قبة بوادي سوف، فكان الصّفاء، والإخاء، وتجديد البناء، وعقد العزم على مضاعفة الأداء.
ويشهد الله أن أبناء الجمعية، يواصلون وبلا هوادة، شق طرف البلاء، يضربون أكباد السيارات، ويؤمون النوادي ومختلف القاعات، ويبلغون كلمة الله في المساجد والمصليات.
فأكرم بثلة مؤمنة نذرت نفسها، بصدق وإخلاص، للوفاء لمبادئ ابن باديس من أمثال محمد الهادي الحسني، ومحمد الدراجي، ونور الدين رزيق، وفاروق الصايم، وحسن خليفة، دون أن ننسى المتطوعين المسبلين من أمثال الدكتور إسماعيل عطاء الله، والحاج محمد خرور… وغيرهم كثير فهؤلاء جميعا طافوا خلال أسبوعين نصف الجزائر تقريبا، بدءا بالعاصمة، وذهابا إلى قسنطينة، وأم البواقي، وسكيكدة، وقالمة، وعنابة، وسطيف، وبرج بوعريريج، والأغواط، وسبدو، وتلمسان، وبوقاعة، وفي قائمة الانتظار أولاد جلال، وبسكرة، وبشار، وعين ولمان، وغيرها.
إن هذه النماذج الحية من العلماء، ومن الشعب الجمعوية، إن هي إلا نماذج لما يقدم عليه أبناء وبنات هذه الجمعية من جهود، وتضحيات، ومواجهة للتحديات، وهو خير جواب نقدمه للجميع، على أن الجمعية، والحمد لله، رغم بلوغها التسعين، لم تزدها الأيام والسنون إلا رسوخا في الجغرافيا والتاريخ.
وما نهمس به في أذان جنود جمعية العلماء، هو المزيد من الصمود والثبات، والتطلع بعزم وحزم لما هو آت، رائدنا في هذا قول الشاعر القديم:
وإن الذي بيني وبين بني أبي    وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي حفظت لحومهم   وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم   وليس عظيم القوم من يحمل الحقدا
فيا بني وطني !.. ويا بني قومي!
صونوا حمى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن الإسفاف، وارتفعوا بأنفسكم إلى مستوى الطهر والعفاف، فلا يسجل التاريخ عليكم، أنكم تخلفتم عن المسيرة، وركنتم إلى الضغائن مسكونين بسوء الطوية، وسواد السريرة.
إن التاريخ فاتح صفحاته، وإن الزمن ناصب سجلاته، فحذار أن يسجل التاريخ تخلفا عن القافلة، أو رمي الحجارة لسير الحافلة، ذلك لأن عجلة التاريخ منطلقة حاملة طيب الأعمال، وخيرة النساء والرجال، ومحاسن الأقوال، والآثار والخصال.
ونحب أن نطمئن العاملين المخلصين في المدن والبلديات، الذين يبذلون النفس والنفيس خدمة وتثبيتا لجمعية العلماء نطمئنهم بأن أعمالهم خير شاهد على صحة الجسم والروح، وأن المستقبل الذي يكتبونه بحبرهم، وعرقهم، هو المداد من ذهب الذي سيأتي شاهدا لهم يوم تقوم الأشهاد.
وإنه –والله- ليحز في قلوبنا، أن يوجد في الجمعية اليوم، ولو واحد أو اثنين، يحاول أن يعكر صفو الماء الرقراق، أو أن يعمل على شق صفوف الأخوة والرفاق، وليدرك الجميع، أن الغثاء سيطير في الهواء مع الغثائية، وأن العمل الصادق والصالح، هو وحده الباقي.
ونعدُّ إخواننا وأخواتنا من أبناء وبنات الجمعية، بأننا مقبلون على تحد أكبر، ستمتحن فيه العزائم والإرادات، وذلك فتح الاكتتاب لبناء المقر الوطني المتميز لجمعية العلماء، وعندها سيتبين من بكى ممن تباكى.
فأعدوا، واستعدوا، وجندوا المحسنين وما أكثرهم في شعبنا، لنبل العطاء، وكرم السخاء، ونقول للجميع ما قال شاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة، ونحن اليوم مدعوون لجمع الملايير:
ألا فاجمعوها اليوم جمع سلامة   وصدوا عن التكسير من قام بجمع
ونقول للجميع ما قال الله سبحانه:
﴿هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾[سورة محمد، الآية 38].

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى