هل يجوز صرف الزكاة في مشاريع خيرية كبناء مدرسة قرآنية؟
فتوى يعدها الشيخ محمد مكركب أبران
قالت السائلة: تعمل في جمعية خيرية ومن أهداف تلك الجمعية بناء مدارس تعليم القرآن، ومحسنون يعطون الجمعية نصيبا من مال الزكاة ليبلغوه للفقراء والمساكين، تقول السائلة: فهل يجول الصرف من مال الزكاة لمشروع بناء مدرسة قرآنية؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: بناء المدارس القرآنية عمل في سبيل الله، إذا لم يكن الباني لا يبتغى منه مصلحة خاصة أبدا، لا مدحا، ولا دينارا ربحا. إذا كان بناء المدرسة القرآنية مائة بالمائة لله عز وجل فهو من باب في سبيل الله، وإذا كان طلبة العلم لا يجدون مدرسة ولا مكانا يتعلمون فيه كتاب الله تعالى.
قال الله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة:195] والإنفاق هنا عام الصدقات المفروضة والصدقات التطوعية للجهاد، والجهاد بالقرآن جهاد، والجهاد ببناء الاقتصاد جهاد، والجهد بكل ما يقوي البلاد وينفع العباد فهو جهاد. ويبقى لابد من النية والإخلاص. ففي الحديث:[إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ] (البخاري، كتاب بدء الوحي:1) فمن كان ينوي بناء مدرسة قرآنية لتعليم القرآن لوجه الله تعالى، يجوز له، ومن كان يبغي بناء مدرسة لتعود عليه بالدخل المادي لا يجوز له. والمسألة اجتهادية فيه تفصيل. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: لقد حددت الشريعة أبواب صرف الزكاة في آية قرآنية محكمة مفصلة ولا يجوز مخالفة المحكم المفصل. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:60] هي ثمانية أبواب تصرف فيها الزكاة. ومن هذه الأبواب باب {في سبيل الله} وسبيل الله كل الأعمال التي تعود بالنفع على المسلمين، فالجهاد عمل في سبيل الله، تصرف إليه الزكاة، وهدف الجهاد الدفاع عن الإسلام والمسلمين، في سبيل الدعوة الإسلامية، وبناء القلاع وتحصين الحدود عمل في سبيل الله، والبحوث العلمية لتطوير الصناعات الحربية للدفاع عن الوطن عمل في سبيل الله، وتعليم القرآن عمل في سبيل الله، ومن ثم فصرف الزكاة في خدمة القرآن كبناء المدارس القرآنية فهو في سبيل الله. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: بيان الأولويات في صرف أموال الصدقات: يوكل أمر توزيع الصدقات إلى ولي أمر المسلمين الذي يولي الفقهاء المجتهدين المخلصين الأمناء على خزينة مؤسسة جمع الزكاة. والعاملون عليها هم بما لديهم من إحصاء وخبرة وفقه يعلمون من هو الصنف المستحق قبل غيره. أما إذا كان الغني هو الذي يخرج زكاته ويعطيها لمن يستحقها، فهو المسؤول أمام الله تعالى، فإذا لم يجد فقيرا محتاجا ولا مسكينا يستحق المساعدة، وأنفقها في بناء مدرسة قرآنية لوجه الله تعالى جاز له، والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.