كلما لاحت خيوط الأمل بقرب الانتصار على جائحة الوباء، وكسب الرهان ضد الداء، تعتم الأفق من جديد، وانهزمنا، بالرغم من حشد الكثير من الإمكانيات، وتجنيد الكم الهائل من الطاقات.
كنا نظن أن فصل الحصاد، سيضع حدا لكل أنواع الكساد، بفضل ما لدينا من زاد، وعتاد، وما نتوفر عليه من وعي، وإعداد واستعداد، ولكن أبطلت الأيام أحلامنا، وحطمت الكورونا آمالنا، وضاعفت جروحنا وآلامنا.
أمن ضعف في العدّة والعتاد يحدث كل هذا؟ أم من قلة الوعي، وفساد السعي، وشيوع اللامبالاة والبغي؟
يشهد الله أن الجيش الأبيض، قد أبلى بلاء حسنا في التعبئة والكفاح، وملأ الدنيا إسعافا، وعلاجا، في كل البطاح، هازئا بالرعود، والبرد القارس، وعصف الرياح.
ويشهد شعبنا، والتاريخ، أن جمعية العلماء، على سبيل المثال، قد قدمت، بفضل الخيرين من أبناء شعبنا، كل أنواع المساعدات، للمستشفيات والمصحات، والضحايا من جميع الفئات.
سيسجل التاريخ، للعلماء، في جميع الولايات، الهبة الشعبية الواعية، التي تميزوا بها، وأعانهم على ذلك المثقفون الجزائريون المغتربون خارج الوطن، الذين دعموا جمعية العلماء، بعتاد طبي متطور جدا، بلغت كلفته أربعة وأربعين مليار سنتيم.
ولا نمن –على الجزائر- بما قدمنا لها من أنواع الكساد، والدواء، والغذاء، والغطاء، فكل جزائري، وكل جزائرية مدينون للوطن بأداء الواجب في زمن الشدة والرخاء، ولكن، كيف انهزمنا أمام الوباء، وهاهي الإصابات تزداد كل يوم، بالرغم من كل العطاء والسخاء؟
لقد بعث الشعب الجزائري بأعراض من الداء الفكري، والعقلي، هي بمثابة الكفر بنعمة الله، وإعلان التمرد ضد إرادة الله.
أليس من محادة الله، إعلان العصيان ضد الله، بالمطالبة بحذف البسملة من تراثنا؟ أليس من العقوق لعلمائنا، وشهدائنا، محاولة إفراغ دستورنا من مقومات عقيدته، وتدينه، وإسلاميته؟ والأنكى أن يقع هذا من مثقفين، يحتكم إليهم، في تقرير المصير، وتحديد خط المسير، تالله إن هذه للشعرة التي قصمت ظهر البعير، وجبرت المواطن، في كل مكان، في تيزي وزو، وفي بجاية، وفي اليشير.
ومن الأعراض القاتلة الأخرى، ما لوح به بعض المواطنين، من إنكارهم لوجود الجائحة، واستهزائهم بالتعاليم الوقائية الراجحة، ودوسهم على الإجراءات الطبية الناجحة.
فإذا كان المؤمنون قد ضحوا، بالصلوات المسجدية، وهي أغلى ما يملكون، وإذا كان العقلاء، قد أعرضوا عن الولائم والجنائز، وهي التي بها يتضامنون، فكيف سولت للبعض نفسه، أن يجني على نفسه، وعلى الآخرين، بعدم احترام سبل الوقاية، وعدم إتيان أبسط قوانين النظافة والنقاية؟
إن هذه الأعراض وما شابهها، هي التي مكنت للفيروس، من عودته للانتشار، وعرّضت الكثير من مواطنينا، للإصابة والانكسار، والاندحار. وها هي إحصائيات المصابين بالكورونا، يزداد كل يوم ارتفاعا، في ذهشة، وتعجب، وانبهار.
إن شر العباد، هذا الذي ذكرنا بعضه، والذي لم نذكره، هو الذي أودى ويؤدي كل يوم، بالأبرياء الضحايا، إلى الزج بهم، في أقسام الإنعاش والحجر الصحي، وحتى إلى المصير المختوم.
يشهد الله، أننا دفعنا الثمن غاليا بسبب “كوفيد 19″، فقد أغلقت مدارسنا، وسجنت في البيوت طاقاتنا، وكفاءاتنا، وحيل بيننا وبين التجمعات العائلية، والمناسبات الدينية والاجتماعية، والمؤسف أن الحصاد المر، هو كان خاتمة إجراءاتنا وحرماتنا؟
كيف العمل إذن؟ وما السبيل إلى إعادة التعبئة والتجنيد، والعمل على محاصرة هذا “الكوفيد”، وبث الوعي في جمهورنا التليد، الشيخ منه والوليد.
هل نستسلم للوباء؟ هل نقع ضحية الإحباط، وعندنا الأمل والرجاء؟ معاذ الله، فقد سبقتنا أمم في الشرق والغرب، كانت ضحاياها أضعاف ما عندنا، فانتصرت على الوباء، بفضل التعاون، والتضامن والإخاء، وها هي اليوم تعبر باب الشفاء، وتستعد لاستئناف الحياة الزاهرة بكل إيمان وإباء.
أنهلك، ونحن الأمة الشاهدة، التي تعتبر في مجال النظافة، والوقاية، والرعاية، من الأمم الرائدة؟
ثم ألا يجب التذكير بأننا، وقد منّ الله علينا، بالأمن، والسلم، وجل الإمكانيات التي تمكننا من مواجهة الفيروس، ماذا نقول مقارنة بما يحدث لشعوب شقيقة مجاورة لنا، مثل ليبيا، والسودان، واليمن، وسوريا، وغيرها؟
وكيف يكون حال الآلاف من السجناء، الذين يعانون غياهب السجون المظلمة الظالمة، في دولة الاحتلال الصهيوني، وفي دول أخرى، لا تحترم أدنى حقوق الإنسان في مثل هذه الجائحة.
نحن –في الجزائر- مدعوون –إذن- إلى أن نعيد النظر في كل منظوماتنا، التربوية، والاجتماعية، والأخلاقية، والصحية، وحتى السياسية، كي نعيد استنباط الأسلحة الوقائية، والوسائل العلاجية، والإجراءات الاحتياطية، والتعاليم التوعوية، إذا أردنا –حقا- أن نهزم الوباء، ونجدد البناء، ونعيد لحمة الإخاء، والصفاء، والدواء.
إن خلف شرور بعد العباد، هناك الخير الكثير في البلاد، وإن وراء الحصاد المر، في جميع المجالات، يكمن الجني العذب، على مستوى كل الطاقات، والانتاجات، فلنعمل على التعلم من أخطائنا، والدوس على جهلنا، وحمقنا، كي نصنع المستقبل الزاهر لنا ولأجيالنا.
إننا –بالرغم- من كل ما أصابنا، ولا يزال يصيبنا، نملك المفتاح الواقي، ونستطيع أن نحمي، بفعالية، الباقي، ذلك أن الوطن أمانة في أعناق كل الخيرين، ولا سيما العلماء، والعقلاء، والصلحاء، والحكماء، فهم المؤتمنون على مصير الوطن، للنأي به عن كل أنواع المصائب، والجائحات، والفتن، والمحن.
واذكروا، أن التاريخ لنا بالمرصاد، وأن الأيام صحائف، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾[سورة الرعد، الآية 17].