مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
نشاطات الجمعية

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تحيي ذكرى بن نبي في المكتبة الوطنية بالحامة -متابعة: حسن خليفة

نظمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ندوة علمية هامة ، في ذكرى وفاة المفكر مالك بن نبي الـ 43 ، بالمكتبة الوطنية الحامة (العاصمة).شارك فيها عدد من الأساتذة الأفاضل، ودارت في محاور متعددة لها صلة بفكر مالك بن نبيّ وهمومه الحضارية التي عبّر عنها في كتبه ومحاضراته ومساهماته المختلفة، بحثا عن طريق للمسلمين ليخرجوا من المتاهات التي وجدوا أنفسهم فيها.
كانت صبيحة الندوة غنية ورائعة شارك فيها كل من الأستاذ محمد الهادي الحسَني بمحاضرة عنوانها: “مالك بن نبي وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ” تناول فيها بعضا من مواقف مالك بن نبي تجاه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كموقفه من المؤتمر الإسلامي 1936.وقد بدأ الأستاذ الحسني الحديث عن مالك بن نبي بقوله إن معرفته به تعود إلى سنة 1966 بالكويت؛ عندما كان الشيخ الحسني طالباً هناك.كما أشار إلى أن بن نبي ظُلم في حياته وبعد مماته، وأنّ العالم الإسلامي لم يفهم نداءات ابن نبي التي دعته إلى الحياة الحقيقية، باعتبار أن مالك بن نبي يملك عقلاً نقدياً شديد الملاحظة وقوياً في الاستخلاص والفهم، جعل مهمته إيقاظ العالم الإسلامي من سباته ونومته. وكان اشتغال مالك بن نبي -كما يرى الأستاذ الحسني – على القضايا الحضارية الكبرى، التخلف، الانقسام، الجهل، التبعية، الحرية، صناعة التقدم، والازدهار. وكانت خلاصة عمله بعد الاشتغال الدقيق على تلك المشكلات هو ما أهداه للعالم الإسلامي كله في كتبه ومساهماته التي ما زالت في حاجة إلى مزيد فهم ومزيد استخلاص. وقد بيّن الأستاذ الحسني أن ما عرضه في المحاضرة من مواطن نقد هو للتأكيد على أن مالك بن نبي بشر يخطئ ويصيب، وقد أصاب كثيرا في تحليلاته المعمقة، ولكن لديه أيضا بعض الأخطاء التي تجب معرفتها حتى لا يكون تقييمنا له ولفكره بشكل مبالغ فيه.
المحاضرة الثانية -في الجلسة الصباحية – كانت للدكتور طالبي نائب رئيس الجمعية وكان عنوانها: “مالك بن نبي ووضعية العالم الإسلامي اليوم”.وقد أكد بدوره على أهمية الاهتمام بفكر بن نبي الذي حوصر من أطراف عدة، وصار من الواجب أن تهتم به الجزائر باعتباره مفكرا من أفذاذ المفكرين في العالم، وأشار المحاضر إلى أن مالك بن نبي “كان يبكي عندما يرى مظاهر الازدهار والتقدم والقوة في شوارع باريس..ويقارن ذلك بما عليه مجموع العالم الإسلامي من تخلف وتأخر في شتى الميادين”. كما نبه إلى الأهمية التي يكتسيها فكر مالك بن نبي في مجال تجاوز الإشكالات التي تمزق المسلمين وتجعلهم مذاهب، وشيعا، وطوائف وأعراقا يأكل بعضهم بعضا، والأصل أن يكونوا أمة واحدة متماسكة متعاونة. وأشار إلى أن بن نبي درَس بموضوعية أسباب الانشقاق والتشرذم وقدم له الحلول المطلوبة، وقد نظر إلى الإسلام على أنه دين الإنسانية كلها. وأكد في النهاية على الوصية التي كتبها ابن نبي وأهمية أن تُنشر وتعرف.
الأستاذ عبد القادر سماري عضو الهيئة الاستشارية لجمعية العلماء قدم بدروه محاضرة قيّمة عن الدور الاقتصادي للعالم الإسلامي في القرن الـ 21. وقال إن مالك بن نبي “تناول بالدراسة والاهتمام كل العوامل والحالات ذات الصلة بالتقدم والتنمية وتحقيق الرفاهية “(المسلم في عالم الاقتصاد). وكان يؤكد دائما على دور البرامج الاقتصادية في مجال التنمية. وقال إنّ مثقفينا في الجزائر والعالم الإسلامي وقفوا منبهرين بين آدم سميث وكارل ماركس وأهملوا إنجازات فكرية رائدة؛ هي تلك التي أنتجها وسجلها الأستاذ مالك بن نبي وهي القادرة على الإقلاع الحقيقي اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً لو تم الاهتمام بها وتطبيقها وتنفيذها، وقبل ذلك دراستها.كما أشار إلى جملة من الأفكار المركزية في فكر مالك بن نبي الاقتصادي ومنها: “القابلية للاستعمار” “التقليد”، “الاستهلاك” وقال: إن الإيجابية كما يراها مالك بن نبي ـ في كل مجال، وبالأخص مجال الاقتصاد هي التي تجعل المسلم “صاحب إنجاز” متحررا قادرا على أن يصنع غده بنفسه. ولم يفت المحاضر أن يشير إلى أن نظرة بن نبي كانت شاملة وواسعة وعميقة، فقد جعل العالم الإسلامي كله هو حقل الاشتغال لديه، بما يمثله من ثقل بشري، اقتصادي، علمي، حضاري، ومن ثم كان بن نبي يرى أن العالم الإسلامي لو وجد طريقه إلى التقدم بفعل عوامل مختلفة..سيصبح القوة العالمية الأولى وستكون كلمته هي العليا وسيكون لكل ما يقترحه دور في تحريك العالم كله. ولكن العالم الإسلامي أضاع الفرَصَ الكثيرة لأسباب مختلفة.
الأستاذ الدكتور سليم قلالة تناول موضوعا بالغ الأهمية بعنوان: “المسلم في معركة العقول القادمة “واستند المحاضر إلى عدد من الكتب والوثائق المهمة التي تسمح بالقول: إن الحروب القادمة ستكون حروب عقول وكلمات، بمعنى آخر إن الصراع سيكون صراع أفكار ومنظومات فكرية، وأن ما يجري الآن من صراع يستهدف أساسا العقول”النائمة” أو شبه النائمة، أو لنقل العقول الفارغة، وبالتالي فإن المطلوب هو “ملء”هذه العقول ودفعها إلى التطبيق في الميدان من خلا ل ما زُوّدت به من أفكار وقناعات، وهو ما نراه في واقعنا الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والفكري حيا يتحرك.
وأشار المحاضر إلى أن مما يجب الوقوف عنده مطولا وبتدقيق هو تركيز مالك بن نبي عن الحديث عن “العقل ” و”الفكر”الثقافة” “الإبداع والابتكار” النهضة ” الصراع الفكري وهذه كلها كلمات مفتاحية في عصر الصراع العقلي والفكري القائم اليوم، والذي سيزداد ضراوة مع مرور الأعوام مستقبلا. وقال المحاضر: في إمكاننا الاستفادة بشكل كبير ورائع من طروحات بن نبي إن أحسنّا الاهتمام والاستخلاص من أفكاره وعملنا على تنزيلها على أرض الواقع، والاستعانة بما وصل إليه العقل الإنساني في مجالات الابتكار المختلفة .وأكد المحاضر: أن ما يجعلنا نؤكد على أهمية الاستلهام من فكر بن نبي، انتباهه المبكر إلى كل ما يجري اليوم في إطار الصراعات المختلفة، وهو ما يجعل منه نموذجا للمثقف الإيجابي المتميز.
الأستاذ رابحي الأخضر كان موضوع محاضرته القيمة: “قوانين مالك بن نبي من أجل تفعيل وظيفة التغيير والخروج من وظيفة التبرير”. قدم فيها دراسة تحليلية لفكر بن نبي وإشاراته، في مساهماته المختلفة، إلى ما يمكن أن يُعد “قوانين” تحكم سير الإنسان وحركته في التاريخ. وأشار المحاضر إلى استخدام مالك بن نبي لكثير من أدوات العلوم المختلفة في سبيل الدراسة المعمقة للمشكلات التي تناولها بالدراسة مثل: علم النفس التحليلي، علم الاجتماع، التاريخ، نظريات التغيير الاجتماعي،…وهو ما يجعل قراءته قراءته مهمة وذات وزن، فضلا عن ذلك كما كشف الأستاذ المحاضر فإن مالك بن نبي استند إلى القرآن الكريم والسنن الإلهية في فهم الظواهر المختلفة ومن ثم دراستها وتعليلها، وهو ما يعني أن بن نبي كان تأصيليا في منهجه الفكري يعتمد القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة العطرة، كما استند أيضا إلى كثير من أعلام الفكر الإسلامي كابن خلدون ومحمد إقبال، وحمودة بن الساعي وغيرهم كثير، إلى جانب اطلاعه على الفكر الغربي، حيث سمحت له لغته الفرنسية بالتعمق في فهم الفكر الغربي والاستفادة منه قدر المستطاع . والمهم أن بن نبي كما يقول الأستاذ رابحي قدم قراءة تطبيقية للسنة والسيرة وحركة الإسلام قديما وحديثا من خلال كتب متعددة ومحاولات جادة .ويبقى أن نعود إلى هذا الفكر لفهمه على الوجه الأفضل والأمثل ونستفيد منه ونفيد .
محاضرات أخرى قيمة قدمها كل من الأساتذة هشام شراد عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة بجاية عن العالم الإسلامي والغرب ” والأستاذ لخضر شريط عن “مواطن الخلل في مجتمع ما بعد الموحدين “، والأستاذ أمير نور” السياسة والأمر الدوليان في القرن الحادي والعشرين: رؤية بن نبي ” .وكانت جميعها محاضرات مفيدة نبّهت إلى الجوانب المختلفة التي كان بن نبي يهتم بها في مساره التحليلي التقييمي لمختلف الظواهر والقضايا الإنسانية والإسلامية والعربية، دون أن يهمل البعد المحلي لوطنه الصغير الجزائر. والسؤال: كيف نجد الطريق إلى الاهتمام بشكل أفضل بفكر ما لك بن نبي خاصة للأجيال الحاضرة..؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى