مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

اللغة العربية في ذكرى أول نوفمبر

لقد تدهور اللسان الجزائري -بسبب عوامل مؤثرة عديدة – حتى لم يعد مفهوما ومصنفا، فلا هو باللسان العربي المبين، ولا هو باللسان الأمازيغي السليم، ولا هو باللسان الفرنسي الدخيل..!
إننا بأمس الحاجة في هذه المرحلة إلى خطوات عملية لا “تنظيرية” في سبيل المقاومة المشروعة ضد “أنفلونزا الفَرْنَسَة” في أرض الجزائر العربية المسلمة، ذات البُعد الأمازيغي العريق، لأن منافحة تركة المستدمر الفرنسي في أجهزة الدولة الجزائرية ومؤسساتها ضرب من الجهاد المقدس الذي يحبه الله ورسوله والمؤمنون، وهو استمرار حقيقي لثورة أول نوفمبر المجيدة التي رفعت السلاح ضد العدو الفرنسي الهمجي فأخرجته ماديا من كل شبر من ثرى بلادنا الحبيبة، وقد آن الأوان لإخراج روحه الخبيثة من كل عضو من أعضاء جسدها المنهوك لتحيا الجزائر بعد ذلك بدينها الإسلام، ولغتها العربية، كما كان يأمل المضحون بأرواحهم من أجل الاستقلال الكامل غير المنقوص.
إن أعظم الحضارات قديما وحديثا هي التي حافظ ويحافظ أبناؤها البررة، وحفدتها المهرة، على لغتهم, وعلى باقي ثوابتهم المقدسة، كما فعلنا نحن ذات يوم لما كنّا نُعتبر العالم الأول في مصف الأمم الراقية، والحضارات المندثرة أو الباقية…
مما يُروى عن رئيس الوزراء الأسبق “جورج كليمنصو” (1841- 1929) أنه دُعي إلى حفل لتكريم بعض الطلبة الشباب الذين شاركوا ببسالة في الحرب دفاعا عن فرنسا..ولما افتتح الحفل قام أحد الطلبة بإلقاء كلمة ترحيب بالمناسبة, ولسوء حظه أنه وقع في أخطاء لغوية ونحوية كثيرة، وحين بدأ الرئيس “كليمنصو” بتكريم الطلبة وإلصاق “النياشين” على صدورهم توقف أمام الطالب الخطيب وامتنع عن تعليق “النيشن” على صدره قائلا: “إنني لأستحي أن أعلق “مدالية” على صدر فرنسي لا يتقن لغته”!
ومن بضع سنين أرسل بعض طلاب إحدى الجامعات الأمريكية رسالة شديدة اللهجة إلى قائد حلف شمال الأطلسي يحتجون لأدائه السقيم للغة الإنجليزية، رغم أن الرجل من كبار قادة “العسكر” وليس من الراسخين في لغة “شكسبير”، وطالبوه في رسالتهم:” إما السكوت أو صحة النطق “..!
وبنفس الوعي بقداسة اللغة التي هي جزء مهم في تركيبة الهوية لدى الأمم التي تحترم نفسها كان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يقول عندما يسأله بعض ندمائه عن سبب اشتعال رأسه شيبا: “شيبني صعود المنابر وتوقع اللحن”..!
إنَّ الأمة التي تفقد لغتها أو تضيعها كالأسرة التي تفقد إحدى بناتها عرضها..!
لقد شقيت اللغة العربية في الجزائر بصنفين من الناس، وسعدت بصنف ثالث، أما هذا الأخير فأحبها حبا جما وأدى ما عليه من حق اتجاهها حيا وميتا، وصنف حاربها جهارا نهارا بدافع البغض المشحون به من أيام تعليق التمائم فأَثَّر الفكر الأعوج على اللسان فتعوَّج، وصنف آخر غريب الأطوار مذبذب لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، يدَّعي وَصْلًا بليلى، وأقواله وأفعاله ومواقفه لا تقرّ له بذاك، فحبه للعربية في المعدة وليس في القلب…وهكذا –للأسف- هو حب بعض كبرائنا ومترفينا في بلادنا للغة الضاد، لا يتعدى البطون..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى