زمن الرداءة والتردي بقلم أ. عبد الحميد عبدوس

 

 أ. عبد الحميد عبدوس

  لا وعظ وخطب الأئمة والخطباء، ولا تحذيرات وزارة الصحة  ومصالح الحماية المدنية، ولا الحملات الإعلامية، ولا التوعية المدرسية، ولا صرامة القانون، ولا عمليات الرقابة والحجز التي تنفذها مصالح الجمارك والأمن، استطاعت -حسب ما هو ظاهر للعيان- وقاية الشوارع والأسواق الجزائرية من تزاحم طاولات البيع والعرض لتلك الآفات الخطيرة المتمثلة في المفرقعات والألعاب النارية بمختلف الأشكال والألوان والتسميات، وإذا كان القانون يصنف مستوردي هذه المواد في خانة المهربين لمواد ممنوعة ومحظورة وتصل عقوبتها 10 سنوات سجنا وغرامات تمثل ثلاثة أضعاف السلع المحجوزة ووسيلة النقل، فإن توسع حجم تداولها مع توالي سنوات الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف جعل الاعتقاد يسود بأن ” بارونات ” استيراد هذه المواد الممنوعة يتمتعون بقوة أو بحماية تتجاوز قوة القانون وتتحدى هيبة الدولة، ولم يصبح من النادر أن ترى طاولات بيع المفرقعات والألعاب النارية تعرض بضاعتها التي تعتبر في نظر القانون مواد محظورة مثلها مثل الأسلحة البيضاء والمخدرات والممنوعات، على مقربة من مراكز الشرطة، ورغم أن بعض وسائل الإعلام الوطنية قد بشرتنا هذا العام، على مقربة من إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، بأنباء تتحدث عن حجز عدد من الحاويات الناقلة لهذه المواد المحظورة ومصادرة قوى الأمن لآلاف العلب المعدة لتزويد المئات من باعة التجزئة، حتى أنه تم الحديث عن ” انهيار إمبراطورية جامع اليهود” التي تمثل أحد أكبر أسواق بيع المفرقعات على امتداد السنة وخاصة في الأيام التي تسبق إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، فقد كانت الكمية المعروضة في سوق باب الوادي – على سبيل المثال- كافية لإحراق حي بأكمله.

  وفي هذا الصدد ذكرت مصادر إعلامية أن المستوردين يقومون بإغراق السوق الجزائرية بالمفرقعات عبر حاويات مموهة بسلع قانونية، حيث يحققون أرباحا تفوق 800 مليار سنتيم سنويا، يتقاسمونها فيما بينهم، من خلال توزيعها على أكثر من 15 ألف شاب، ليتم بيعها عبر أكثر من 25 ألف نقطة بيع على مستوى كل أحياء الجزائر، قبيل أيام من المولد النبوي الشريف من كل سنة، كما أشارت المصادر نفسها إلى أن مصالح الجمارك على مستوى الوطن، أحبطت منذ بداية العام، محاولة إغراق السوق بأربعة حاويات بحجم 40 قدما، معبأة بمفرقعات وألعاب نارية بلغت قيمة المحجوزات 8 ملايير سنتيم. وإذا اعتمدنا الأرقام المذكورة  آنفا، فإن مصالح الجمارك، رغم جهودها، لم تتمكن سوى من حجز 1 % من قيمة الأرباح التي تعود على بارونات المتاجرة بهذه المواد الخطيرة والمحظورة!

  أي انحطاط فكري، وتدهور أخلاقي جعل بعض المسلمين يقومون بتحويل ليلة مباركة هي رمز للبشرى، والرحمة، والسلام ، والسرور، والسمو الروحي، إلى موعد لترويع الآمنين، وإلحاق الأذى بالنفوس والممتلكات، وتلويث الأجواء، وتبذير الأموال؟!

  ولكن هل يمكن أن نبرر شيوع هذا المنكر في المجتمع، بإرجاع أسباب ذلك فقط، إلى ظاهرة جشع بعض التجار وهوسهم المتزايد بتحقيق الربح السريع، أو بنفوذ بعض بارونات استيراد المفرقعات الذين يقدر رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، عددهم ما بين 5 إلى 10، مع الأخذ بعين الاعتبار تواطؤ السلطات أو غض طرفها عن نشاطهم غير المشروع؟

  كيف وصل المجتمع إلى هذه الحالة من السلبية والتطبيع مع ظاهرة محرمة دينيا، ومجرمة قانونا، وضارة اقتصاديا؟

  كيف أصبحنا نقدم البدع، والانحرافات الطرقية، والمظاهر الفلكلورية، في وسائل الإعلام الرسمية الثقيلة، على أنها تمثل الصورة الأصيلة لاحتفال الشعب الجزائري بذكرى المولد النبوي الشريف، حتى يظن المرء أن العهد الاستعماري قد عاد بكل مظاهره، وأن ثقافة التجهيل التي عمل الاستعمار على نشرها، وتجندت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بكل طاقتها لمحاربتها وتحرير العقل الجزائري من ضلالاتها، أصبحت اليوم تنتشر كالفيروسات في جسم العليل!

  والمقلق أن  تدهور الأخلاق في مجتمعاتنا لم يعد يثير الاستغراب ..فما بين انحطاط المستوى الثقافي، وتدني العمل السياسي، وانتشار حوادث خطف الأطفال، واغتصاب الفتيات، والمجاهرة بالدعارة والمعاصي، وتعاطي المخدرات والمتاجرة بها.. والتعامل بالغش والربا، وشيوع الفساد، وتزايد جرائم الرشوة والسرقات، بل والقتل، وانتشار جرائم التزوير واستيلاء المسؤولين على المال العام، وتهريب العملة الصعبة بمختلف الحيل والحجج…حتى أصبحنا نصلي ولا نرزق المطر، وندعو ولا يستجاب لنا، ولعل الآتي يكون أعظم!

Exit mobile version