تحاليل وآراء
اقتصاد الهدر والتبذير…. أفلا تعقلون؟ أ.د فارس مسدور
رجال أعمال يدعمون مسابقة لملكة جمال الجزائر بأموال طائلة، بل ويحضرون عجوزا شمطاء كمحكمة دولية لتعرّي بناتنا ولتتقاضى أجرا بأموال الجزائريين ثم لتعلن أمام الملأ أن الجزائر فرنسية، لتكون المفاجأة المسمومة التي أعدتها هذه المرأة الخبيثة كعرفان لكرم رجال أعمالنا الذين دعموا المسابقة.
من جهة أخرى مؤسسة عمومية تدعم الفريق الوطني بـ 240 مليار سنتيم إلى 2019 ابتداء من 2015 ، ناهيك عن الدعم الذي يأتي من مؤسسات عمومية وخاصة، ما يجعل الأرقام خيالية بشكل رهيب جدا.
وقبل كل هذه الأرقام التي تظهر صغيرة أمام أرقام أخرى تعلنها الحكومة تعتبر ضخمة بشكل تعجز عقولنا عن تحملها، وأقصد ميزانية المخطط الخماسي القادم الذي أعلن عن رصد مبلغ قدره 262 مليار دولار، والظاهر أنها ميزانية ضخمة قد تبني مدنا كاملة متكاملة، وهي ميزانية تضاف إلى ما أنفق على البلد طيلة 15 سنة الماضية حيث استهلكنا ما لا يقل عن 800 مليار دولار ليكون مجموع المبلغ الذي سنستهلكه إلى غاية 2019 1062 مليار دولار وهو رقم أقل ما يقال عنه أنه رقم خيالي لم نكن نتخيل يوما أننا سنصرفه، أو سيكون عندنا في بلادنا، خاصة وأننا مررنا بمرحلة اقتصادية صعبة جدا حين كانت مديونيتنا تخنق اقتصادنا.
والسؤال الذي نطرحه الآن: إذا كنا على المستوى الجزئي نبذر أموالنا فيما لا يزيدنا إلا تخلفا، فما بالك على المستوى الكلي؟
على المستوى الجزئي وضعنا قوانين لدعم الرياضة فتسابقت المؤسسات عمومية وخاصة للتبرع والمساهمة للفريق الوطني، والنتيجة كانت ضياع نسبة هامة من الضرائب التي يعفى منها المساهمون والمتبرعون، فعوض أن تكون هذه الضرائب في خدمة مختلف بنود الميزانية العمومية إذا بقوانيننا تحرمنا من هذه الأموال، ولو أن هذه القوانين الخاصة بالتحفيزات الجبائية للمتبرعين شملت المتبرعين لأي جهة خيرية أو ثقافية بنفس الامتيازات والمبالغ التي منحت للرياضة لفتحنا بابا واسعا من الخير يصيب العديد من الفئات الاجتماعية المحرومة في هذا البلد، ولتمكنا من بناء مستشفيات وعيادات طبية فقط بالتبرعات الخيرية نتيجة قوانين جبائية تحفز الجميع وليس الرياضة فقط.
إن مبلغ المساهمة الذي قدمته هذه المؤسسة العمومية كان يمكن لو وجه الوجهة الصحيحة لنفع الأمة في مجالات عدة منها:
بناء مالا يقل عن 11 ثانوية، أو 20 إكمالية، أو 40 إبتدائية، أو بناء مستشفى بكامل أجهزته، أو حتى عيادات متخصصة لا يقل عددها عن 10 عيادات مجهزة، وكل هذه الأرقام لا ندري إن كانت المؤسسة المساهمة للخضر تدركها أم لا، فثقافة خدمة المجتمع تكاد تكون غائبة في مؤسساتنا عمومية كانت أم خاصة.
وكأن الأرقام لا تعني شيئا في بلادنا، يعني لو نطرح سؤالا؟
لو كانت 1062 مليار دولار بين يدي الصينيين ماذا كانوا سيفعلون بها؟ لو كانت بين يدي الماليزيين ماذا يشيدون بها؟ لو كانت في يد الكوريين ماذا يبدعون بها؟
قد أخمن وأقول: لو كانت هذه الأموال في يد الصينيين لأسسوا لصناعة عصرية يغزون بها باقي العالم، وتعود عليهم بالنفع في سنوات قليلة يسترجعون ما استثمروه.
لو كان في يد الماليزيين لشيدوا مدنا جديدة لاستقطاب المزيد من السياح لبلدهم، وشيدوا أكبر وأرقى الجامعات العالمية، وأعظم المستشفيات المتخصصة، وأرقى مراكز البحوث.
ولو كان في يد الكوريين لارتقوا بالتكنولوجيات الدقيقة إلى أرقى ما يمكن أن يتخيله العقل البشري، وأبدعوا في استحداث مدن التكنولوجية الدقيقة، ويحتلون بذلك الصدارة العالمية في مجال الالكترونيات.
ونحن غرقنا في العمارات السكنية، والطرق المهترئة، والبنايات الزجاجية الخادعة، وقروض الشباب الحراق، وكل ما يمكن أن يضيع فيه خير بلادنا…إننا والله فقراء في عقولنا التي لا يصلح لها إلا وصف: أفلا تعقلون؟