ما كان بنو إسرائيل “شعب الله” المختار يحسبون حسابهم، فظنوا أن عدوانهم لعبة وجولة، وأن النصر لهم، لأنهم أصحاب عدة وعتاد، وجيش جرار لا يغلب، فكيف بفئة قليلة من المجاهدين ترجى لها الغلبة، وهي محاصرة، لا عتاد لها ولا عدة، ولا مال لها ولا تقنية إنها جولة تدمر كل شيء، وعاقبتها الاستسلام والهزيمة المؤكدة، هذا ظنهم الذي ظنوا، وتقديرهم الذي قدروا، ودبروا، فقتلوا، كيف فكروا وبيّتوا.
فوجئوا وأنصارهم من المجتمع الدولي الذين حسبوا ما حسب بنو إسرائيل، وظنوا ظنونهم، كما فوجئ من يتمنى القضاء على المقاومة من بعض قادة العرب، وغلبة هؤلاء من أحبابهم اليهود، بل فوجئ بعض الفلسطينيين أنفسهم.
إنها نخوة المقاومة وعزتها وشرفها، وحبها للشهادة، وشغفها بتحرير وطنها، فزادها الله قوة، وشد من عزائمها، لما أخلصت في دفاعها، وأعدّت له عدتها الروحية والمادية، رغم فقرها وحصارها، ولكنها العزيمة والإخلاص، فالمجاهدون هؤلاء صُبُر في اللقاء ثابتون في المواجهة، رفعوا رؤوس المسلمين والعرب فكان لهم شرف الصدق في الجهاد، فشرفت بهم الأمة واعتزت، فهم الفئة القائمة بالحق لا يضرها من خذلها، الحارسة لبيت المقدس وأكنافها.
خيبت ظنون الظانين، وقلبت حسابهم، وأثبتت أنها تستعمل العلم، وتدبر التدبير الصحيح، وتقيم حسابها على البحث والمعرفة الصحيحة، وأخرجت من تقديرها الأوهام، واعتمدت على الله وعلى أنفسها، فكانت من الذين قالت لهم أنفسهم اثبتوا، ومن الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم الله قوة على قوتهم، وثباتا على ثباتهم.
أما هؤلاء القادة من الغربيين فقد انحازوا إلى بني إسرائيل، وأيدوا سعيهم، وفقدوا ضمائرهم وانطمست بصائرهم، وغشيت أبصارهم غشاوة فلم يدركوا مظالم بني إسرائيل هؤلاء الصهاينة، من سفك دماء الأطفال، وتدمير المنازل على سكانها وتسليط جيوشهم وأسلحتهم على هؤلاء المحاصرين جوا وبرا وبحرا، ولم يكونوا على مستوى هذه الضمائر الحية من شعوبهم التي تظاهرت واحتجت وأدانت مظالم بني إسرائيل وقتلهم الأبرياء من المدنيين.
وأعجب من ذلك موقف الأمين العام أمام سيده ناتنياهو إذ أخذ يعزّ به في الضحايا، فأين هؤلاء الضحايا، إنهم ليسوا إلا جنودهم المقاتلين، المجرمين، يتمسك هؤلاء القادة بخرافة دفاع اليهود عن أنفسهم، فكيف يدافع المحتل على نفسه، وكيف يعتبر الذين يريدون أن يحرروا وطنهم وأرضهم إرهابيين، إن هذا قلب للحقائق، واستعمال لكلمة الإرهاب في غير موضعها، واتخذت هذه الكلمة ذريعة كاذبة للتسلط على الشعب الفلسطيني وغيره، وأسلوبا ماكرا للعدوان، إلى متى تقلب الحقائق، وتدوم المغالطات؟
لقد أدرك الفلسطينيون اليوم قوة المقاومة، وأنها السبيل إلى تحقيق الحرية، وأن التلاعب في المفاوضات فات زمانه، ولم يعد يجدي نفعا، إلا ربح الوقت والمضي قدما في الاستيطان، ونهب الأراضي، لقد دخلت المقاومة عهدا جديدا، واتخذت الطريق الصحيح، وآمن الفلسطينيون أجمعون بهذا الطريق وبالوحدة، فليهنأوا بهذا التغيير النوعي في المفاهيم وفي الغايات والوسائل، وفي النفوس والمعنويات، وما يكون لهم أن يستمروا في التنازل والخلاف وعبث المفاوضات القديمة التي طال أمدها وانعدم نفعها وظهر هزالها.
هذا عهد جديد، وطريق واضح في سبيل النصر والتحرر، فعلى المقاومة أن تتمسك بحقوقها في رفع الحصار، والتحرر من الاحتلال، فلا مجال للتراجع ولا للتنازل، فذاك شيء مضى وانتهى، وعلى الجامعة العربية أن تحل نفسها، وأن تدفن جثتها التي فقدت كل حياة، وكل فعالية كما قال الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، وعلى المتخاذلين والمنافقين أن يصمتوا، وأن يستمعوا لصوت المقاومة، ويكفوا عن المؤامرات والكيد، وعن الذهاب مع هوى الصهاينة وأنصارهم.
فلا خلاف بعد اليوم في أوساط أهل فلسطين، ولا نزاع، إنهم أجمعوا على المقاومة، وأدركوا أن طريقها طريق موصل للغاية ومحقق للهدف.
رحم الله شهداء غزة والضفة، وشفا الله جرحاهم، وأتى الأحياء منهم الصبر، من الثكالى والأرامل والمنكوبين في أسرهم، وفلذات أكبادهم، إننا والعالم كله يُكبر صبرهم وثباتهم في هذه الحرب الضروس الظالمة.