عقد مركز الرؤية للدراسات الحضارية يوم السبت 14رمضان1435هـ الموافق لـ 12 جويلية 2014-07-13 بدار الإمام بالمحمدية- الجزائر العاصمة يوماً دراسياً بعنوان: “مقدمات في هندسة التفكير المنهجي” نشطه ثلة من رجال الفكر والثقافة في بلادنا، بينهم الدكتور محمد سعيد مولاي، والدكتور مصطفى حموش، والدكتور يحى بكلي، والدكتور عمار جيدل، وكان من المقرر أن يحضر فضيلة الشيخ عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرين، الذي تغيب لوجوده خارج الوطن، وقد ألقى الدكتور مولاي محاضرة الشيخ قسوم نيابة عنه، حيث تناول الدكتور قسوم في ورقته: ” الفكر المنهجي، المفهوم والمدارس”
د سعيد مولاي نيابة عن د/عبد الرزاق قسوم، تمحورت حول المناهج الفلسفية في التفكير، ورجالات الفكر المنهجي في التاريخ، ثم تطرق إلى موضوع المناهج عبر التاريخ خصوصاً ما يتعلق بالمسائل الدينية والعقائدية، كما تناول الحديث حول ما أنتجه المسلمون من قواعد ومناهج فكرية مع إعطاء أمثلة حول ذلك، بعد محاضرة الدكتور قسوم جاءت المحاضرة الثانية وهي للدكتور محمد سعيد مولاي بعنوان: ” الأنساق المنهجية: المفهوم والمدارس والأنماط الخاطئة“ حيث اعتبر الدكتور مولاي أن الأنساق المنهجية “وضعت لتسديد الأفكار على غرار النحو الذي وضع لتصحيح الكلام: قل كذا ولا تقل كذا، فتأسس النحو كما هو معلوم على قواعد وقوالب، أو على غرار الأخلاق الفاضلة في التربية والسلوك: افعل كذا ولا تفعل كذا، فنشأت عن ذلك أنماط سلوكية أو نماذج من الأسوة الحسنة يحتذي بها في تهذيب الأفراد والمجتمعات. وكذلك كانت الحاجة الضرورية والأكيدة إلى وضع طرق محكمة ومعالم مستنيرة لتفادي الخلل والزلل في التفكير السليم، فما من علم قائم على أسس متينة إلا وهو يرتكز على منهجية راسية، وإن شاب هذه المنهجية خلل كان ذلك العلم كمن أسس بنيانه على شفا جرف هار نتعرض في هذه المداخلة إلى المناهج الفكرية، نتبع خطاها بحسب تطورها عبر المراحل التاريخية قديما وحديثا ونقف عند وصف بعضها مع ذكر ما تكون حولها من مدارس بارزة تركت آثارها العميقة في نفوس العارفين وعقول الباحثين. وتتمة لهذه المداخلة نذكر جملة من الأنساق الخاطئة مع تشخيص ما أصابها من عطب أو لمزيد شيء من الإيضاح بناء على القاعدة: الأشياء بضدها تعرف”.
المحاضرة الثالثةكانت للدكتور مصطفى بن حموش (جامعة البليدة) بعنوان: “الفكر التطبيقي.. من الشاطبي إلى دي بونو“ جاء فيها: “هناك تحول كبير في مفهوم العلم. فقد كان في السابق ينحو في أبسط أشكاله إلى معرفة كيفية الأشياء والظواهر وتفسير الظواهر وإدراك العالم، بقدر ما يهدف إلى كيفية التأثير في العالم وتغييره وتوظيف النتائج العلمية، يعكس هذا التحول مصطلح “الفكر التطبيقي” الذي يهدف إلى توجيه الطاقة الفكرية إلى الميدان العلمي، ويتوقع وراء أي جهد فكري نتيجة عملية معتبرة. ولقد عرف المسلمون الأوائل هذا التوجه، من خلال توجيهات القرآن الكريم وفطرة العرب الأوائل الذين تلقوا الرسالة بسليقتهم. وقد أصل الإمام الشاطبي للفكر التطبيقي في إحدى مقدماته ثم بوضع الكليات الخمس التي يفترض أن تكون المواضيع الكبرى التي يدور عليها الفكر البشري. وفي عصرنا أخذ الفكر التطبيقي مكانته الجوهرية في الغرب، نتيجة التوجه المادي النفعي من جهة، والهروب من الفكر اللاهوتي الكنسي من جهة أخرى. ولعل تطور علوم الهندسة والطبيعيات والتكنولوجيا هي الثمار الأكيدة من هذا التوجه الذي صبغ التعليم والتكوين المهني بل والثقافة العامة التي يغلب عليها طابع الفعالية والنفعية. وتقدم المحاضرة بعض مظاهر هذا التطور في الغرب من خلال عرض ثلاثة نماذج فكرية معاصرة هي فلسفة العلوم التي يمثلها برتراند راسل، وعلم الاستشراف والمستقبليات الذي يمثله أعمال الفن توفلر، وأخيرا جهود المفكر إدوارد دي بونو الذي وضع أسسا للفكر التطبيقي. ويأتي التساؤل عن حاجتنا إلى الفكر التطبيقي، الذي يتأكد من زاويتين على الأقل: تغلب الفكر السلفي (في مفهوم الواسع، وليس الحركي) على الفكر الديني المعاصر الذي ينأى بنفسه عن حل المشكلات المعاصرة ويغلب طابع التعبد على الدين، وكذلك البطالة الحضارية التي نعيشها كمجتمعات مسلمة التي جعلت منا مجرد جماعات مستهلكة وغير منتجة.
المحاضرة الرابعة كانت للدكتور يحي بكلي (جامعة طبية، المملكة العربية السعودية) بعنوان: “تعليم التفكير وفق مناهج ادوارد دي بونو“ حيث اعتبر المحاضر أن: “منهاج ادوارد دي بونو أو منهاج الكورت عبارة عن برنامج تم تطويره في 1970 من قبل الدكتور إدوارد دي بو نوDe Bono بعد أبحاث طويلة في جامعة كمبرج اكتشف من خلالها أن الذكاء وحده غير كاف للنجاح في الحياة، بل إن هناك أناسا كثيرون غير أذكياء تمكنوا من بلوغ أهدافهم على عكس أناس أذكياء لم يتمكنوا من التقدم في حياتهم. والسر في ذلك يرجع إلى طريقة التفكير التي قد تكون سليمة عند البعض وغير سليمة عند الآخرين. وتبين أنه يمكن تدريس وتعليم التفكير تمام كدروس تعلم سياقة السيارات. ويدرس الكورت على شكل تمارين للعقل على مهارات كثيرة خاصة بكل مستوى وهي 6 (أشهرها الأول والرابع) فعلى سبيل المثال فإن الكورت 1يهتم بتمرين الإنسان على أن يكون متفتحا ويتقن استقبال الأفكار وقادرا على تشريحها بكل موضوعية وبكل ثقة. بحيث يتمكن من الاستفادة من أفكار الناس. كما يهدف إلى تكوين الإنسان على تركيب أفكاره بطريقة تجعل الآخرين يتقبلونها أو على الأقل يحترمونها. أما الكورت 4الرابع فيعنى بالإبداع والابتكار.
المحاضرة الأخيرة والاهم كانت للدكتور عمار جيدل(جامعة الجزائر) بعنوان: “التفكير المنهجي في إطار الرؤية التوحيدية“ حيث أوضح الدكتور عمار أن: ” مصطلح الرؤية التوحيدية غني بالإيحاءات التي تستشف من وجهات نظر مخصوصة، كثير منها مستفاد من الصور التي تجعل من الدين، استقالة من الشأن العام، أو مسألة شخصية، أو مسألة جماعية محدودة الأبعاد، أو مسألة أخروية صرف، أو مسألة لا صلة لها بالعلم، أو مسألة ماضوية أو مسألة… وهكذا تتكاثر الآراء بين مد وجزر، من هنا تصبح الكتابة عن إشكالية التفكير المنهجي في إطار الرؤية التوحيدية معقدة تنضاف إلى ما سبق، ومن توابعها القريبة، هل التفكير المنهجي في إطار الرؤية التوحيدية؟ هذا ما تحاول الورقة المقدمة بين أيديكم الإجابة عنه، من خلال النقاط الآتية: 1-مفهوم الرؤية التوحيدية ومسوغات استعادة التأسيس. 2-الرؤية التوحيدية والتفكير المنهجي. 3-تجليات الرؤية التوحيدية وأبعادها المنهجية”.
في الأخير فتح المجال للحضور للمناقشة والأسئلة والتعقيبات، وقام الأساتذة المحاضرون بالرد على الأسئلة والتعقيبات، لينتهي هذا اليوم الدراسي الثالث الذي يواصل به مركز الرؤية نشاطاته الفكرية والثقافية.