يرتبط غالبية الجزائريين وخصوصا الشباب منهم بعلاقة افتتان وعشق لرياضة كرة القدم، ولذلك تتحول انتصارات الفريق الوطني في المباريات الدولية إلى أعراس وطنية، تعم كل أرجاء الوطن، وتربط الجزائريين بأواصر الشعور المشترك وأحاسيس البهجة والفخر بالانتماء إلى الجزائر.
وفي بداية صائفة هذا العام 1435هـ(2014م) تحول العالم إلى كرة وشخصت الأبصار إلى ملاعب كرة القدم في البرازيل التي تحتضن مباريات كأس العالم التي يتنافس فيها أفضل الفرق الكروية في العالم.
لقد حقق الفريق الوطني الجزائري هذا العام إنجازا تاريخيا بتأهله إلى دور الثمن النهائي لأول مرة في تاريخ كرة القدم الجزائرية بعد تخطيه لعقبة الدول الأول بفضل انتصاره الكبير على فريق كوريا الجنوبية وتعادله المشرف مع فريق روسيا.
وفي الدور الثاني كان الفريق الوطني الجزائري قاب قوسين أو أدنى من تكرار الملحمة التاريخية لمنتخب الخضر التي تحققت في ملعب خيخون بإسبانيا سنة 1982 بانتصار رفاق ماجر وعصاد وبولمي على ألمانيا الغربية التي كانت تعتبر أقوى فريق كروي في أوروبا، ومن أقوى الفرق العالمية على الإطلاق.
كل هذه الانتصارات كانت تمثل انتصار الإرادة بدروس ثورتهم المجيدة، ثورة نوفمبر 1954 التي جعلت الشعب المقهور الأعزل ينتصر بفضل الإيمان والتضحية على أكبر قوة استعمارية في القرن العشرين.
ولعل هذه الذكرى العزيزة وهذه الروح القوية وهي التي أيقظت هستيريا اليمين الفرنسي المتطرف، وجعلت زعيمة حزب الجبهة الوطنية تشحن مشاعر العداء والكراهية والتمييز العنصري ضد الجالية الجزائرية سواء من المهاجرين أو من الفرنسيين ذوي الأصول الجزائرية.
كان الخوف يتملك الفرنسيين من أن يتمكن الجزائريون من إلحاق الهزيمة بالمنتخب الألماني ومواجهة الفريق الفرنسي في الدور الربع النهائي بتاريخ الخامس جويلية ذكرى استعادة الجزائر استقلالها بعد طرد المحتل الفرنسي مهزوما مذلولا من أرض المحروسة، ولنتصور طبيعة الأجواء التي كانت ستسود المباراة ونتائج هزيمة كروية على فرنسا في جويلية 2014 بعد هزيمة سياسية في جويلية 1962!
لقد أصبحت رياضة كرة القدم أكثر من لعبة يتسلى بها الناس، وتبقى آثارها محصورة في حدود ملعب مستطيل، ولكنها أصبحت رهانا سياسيا، واستثمارا اقتصاديا، ومظهرا حضاريا، واستعراضا ثقافيا على غرار فنون المسرح والسينما وكل الفنون الجماهيرية التي تقوي الحس المشترك وشعور الانتماء والكرامة الوطنية، ومازلنا نتذكر فصول تلك الأزمة التي كادت تتحول إلى قطيعة بين الدولتين الشقيقتين الجزائر ومصر بسبب مباراة التأهل إلى كأس العالم لسنة 2010 والتي شهدت اعتداء مدبرا من طرف مناصرين مصريين على حافلة المنتخب الجزائري في القاهرة، ثم هبة المناصرين الجزائريين لمآزرة فريقهم الوطني في المباراة الفاصلة التي جرت وقائعها في ملعب أم درمان بالسودان، وشهدت انتصار المنتخب الجزائري على نظيره المصري، وهو ما حرك ضغينة الإعلام المصري الذي تجاوز كل الحدود المتعارف عليها في مجال التعامل الإعلامي مع تظاهرة رياضية وفتح باب الفتنة واسعا بإقدامه على إطلاق أحط وأقذع عبارات الشتيمة والسباب، والتطاول على شعب الجزائر وتاريخه وشهدائه وثورته، وشارك في تأجيج نار الفتنة حتى علماء الأزهر ورجال السياسة وكتاب بارزون ونجوم سينما والمسرح والغناء، ورغم محاولات الصلح التي بذلها العقلاء والمخلصون والمؤمنون بعمق الروابط الدينية والقومية والتاريخية بين الشعبين الجزائري والمصري سواء من الجزائر أو من مصر أو من الدول العربية والإسلامية لإصلاح ذات البين بين الأشقاء إلا أن نغمة التشاحن والتباغض ظلت هي الأعلى والأقوى والأكثر انتشارا كالنار في الهشيم طوال فترة مونديال2010. وما زالت رواسب المرارة وبقايا مشاعر الغيظ مخيمة على أجواء العلاقات الجزائرية والمصرية على المستوى الشعبي بعد مرور ما يقارب أربع سنوات من حادثة الاعتداء على حافلة المنتخب الوطني في القاهرة.
لقد من الله على الشعب الجزائري في هذا الموسم بأن جمع لهم الفرحة الدينية بحلول شهر البركة رمضان المبارك، شهر الرحمة والتقوى والقرآن، وشهر البركة والمغفرة والعتق من النيران، والفرحة الوطنية بفضل تألق المنتخب الوطني لكرة القدم وأدائه البطولي في منافسة المونديال وأصبح اسم الجزائر رمزا للتحدي والرغبة في الانتصار.