انتخاب شخص ليكون مسؤولا عن الأمة، ووكيلا لها، يحرص على خدمتها، وتنفيذ إرادتها، معناه الشهادة له، شهادة ثقة، وتوكيل له لرعاية مصلحة الأمة، وأنه كفء لذلك، وأنه أولى الناس بالثقة، والصدق في وعوده وبرامجه، ووطنيته، وإخلاصه لأمته، ومعنى إخلاصه لأمته أنه يدافع عن قيمها ومقوماتها من دين، ولغة، وثقافة، وتاريخ، ويبذل جهده وطاقته في سبيل ذلك، وهذا كله معناه عقد اجتماعي متين، وميثاق بين الناخب والمنتخب، على المنتخب أن ينفذ إرادة الناخب، وما وعد به، لا يخالف ذلك إلى إرادته هو، أو هواه، أو لمجرّد التحكم، فإذا وصل لم يعمل بمقتضى ذلك الميثاق، وانفلت وطغى واتبع هواه وهوى بطانته، وأخذه حب الرئاسة والوجاهة إلى طريق الطغيان والاستبداد.
إن أكبر صلة وأعظمها بين الحاكم والمحكوم إنما هي الثقة، فإذا فقدت الأمة الثقة في ولي أمرها، فقد انطمس الميثاق، وانخرم عقده، وأصبح الحاكم في واد والمحكوم في واد، واعوجت الأمور، وركدت الطاقات، فلا سمع ولا طاعة لقانون ولا لأمر من الأوامر، وبذلك تصبح السلطة في نظر الأمة تسلطا، والقانون عدوانا، والعمل يفقد معناه وقيمته، والطاقات الاجتماعية تضحى راكدة، فتتوقف التنمية، وتشتد الحاجة والعوز.
يبدو أننا لا نسمع في هذه الحملات الانتخابية دعوة أو تعمدا لخدمة اللغة الوطنية، وتنميتها، وبث الوعي بثقافة الأمة ودينها، وتجديد المنظومة التربوية، وهي أساس التنمية والتقدم وترقية العقول بالمعرفة، للوصول إلى ما يسمى اليوم باقتصاد المعرفة.
وتجديد المنظومة القانونية، وعدم التلاعب بمواد الدستور، وخلط الحق بالباطل، حتى أصبح الدستور لا معنى له في واقع الأمر.
إن الأمة في حاجة إلى خدمة حاجاتها اليومية، والنظر إلى آفاق المستقبل أيضا، وإلى مراقبة الأجهزة التنفيذية ومحاسبتها، وهي مهمة البرلمان، ولكن لا نرى ذلك في واقع الأمة، ولذلك انفلتت المسؤولية في المال العام، ومشاريع العمران التي تتكلف أضعافا مضاعفة مع الغش في أدائها، كما وقع في الطريق السريع شرقا غربا، مقارنة بالنخبة الحاكمة في بلدان أخرى.
إن هدر ثروة الأمة وانتقالها إلى بنوك أجنبية، وبلدان أجنبية لهو عمل إجرامي، وخيانة للأمانة، وإجرام في حق اقتصاد الأمة.
إن المشكلة ليست في الإمكانات المادية والبشرية، وإنما الإشكال في إدارتها، وحسن التصرف فيها. إذا غاب الرشد وحسن الإدارة أصبحت الإمكانات هدرا وضياعا، ونموا للضياع والـتّيه.
نحن في حاجة إلى نشر خطوط السكة الحديدية والقطارات السريعة، والسدود، وخدمة الأرض لتعطي ثمراتها، وليقوم الاقتصاد الحقيقي على قواعده التنموية المستدامة.
أين قانون استعمال اللغة الوطنية الذي غاب عن أذهان المترشحين، وأين استعمال هذه اللغة في العلوم والجامعات الجزائرية التي لا يمكن لها أن تتقدم البحوث فيها، ولا أن يبدع طلابها ودارسوها إن بقوا في سجن لغة لا يدركونها إدراكا حقيقيا، ولا تتفتح لديهم مفاهيم العلم، وآفاقه في سجن تلك اللغة، نحن في حاجة إلى تكوين الأذهان العلمية الحرة، المبدعة، ولا يتم ذلك إلا باللغة الوطنية، وأكبر برهان على ذلك ما يجري في الأمم الأخرى التي ماتت لغتها منذ أكثر من ألفي سنة فأحيتها، وعلمت بها وبحثت بها، وأبدعت بها، وتفوقت، هذه الصين، واليابان، وكوريا، وغيرها لا تعلم إلا بلغتها، وبذلك أصبحت تنافس من سبقها في هذا المجال سبقا كبيرا.
نريد من يكلمنا عن صحرائنا وتعميرها، واستخراج الخيرات الأخرى منها كالثمار، بتنمية هذه الصحراء، بالبحث والعلم، فهذا التخلف الذي نعانيه يحـتّم العناية بالبحث العلمي والإبداع، وتكوين جيل يؤمن بأمته، ويخلص لها، ويبحث من أجل تخليصها من تخلّفها الذي ران عليها طويلا.
أين فقه هذا كله في الانتخابات، والدعوة إليها، وأين إرادة الأمة في هذا كله؟.