مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

دروس من انتخابات الآخر

 DOC-GUESSOUM  هناك ظاهرة سلبية صارت بمثابة اللازمة للانتخابات في بعض البلاد العربية والإسلامية، متى ذُكرت، ذُكرت معها؛ فالانتخابات في هذه البلدان  تأتي مصاحبَةً للانتحاب، والاضطراب، والحزاب، والحراب، كما تأتي مُسيلة للدموع، ومثيرة للربوع، ومهيّجة للجموع.

 ولنا أن نستعرض خارطَة الانتخابات اليوم، على سبيل المثال لا الحصر، لنقف على بعض الحقائق المرّة، التي يخجل العربيّ أو المسلم من  انتمائه بسببها.

ففي أفغانستان، بأقصى آسيا، تضاعفت الانفجارات مدشّنة للانتخابات، فأضافت جروحًا في هذا البلد المثخن بالجراح، وكأنه لم تكفه سنوات القتل والدّمار التي يعاني تبعاتها منذ الاحتلال العسكري الأجنبي لبلده.

وما ذلك إلا لأنّ المقاومين للاحتلال في أفغانستان لم تبق لهم من وسائل المقاومة إلا الأسنّة مركبًا، فها هم يركبونها مضطرين، دافعين بالشعب الأفغاني إلى الجحيم.

وفي العراق البلد العربي المسلم، الذي أدخله قومُه في أُتون حرب أهلية تسير على وقع التفجير والتدمير، وسوء المصير، وكأنّ العراقيين النشامى المعروفين بالأنفة والوطنية أفقدهم قومهم كلّ معنى للمقاومة والحوار بالكلمة، فاضطروا إلى المقاومة لإسماع كلمتهم بقعقعة السلاح، والبكاء والنوّاح، وويل للعراق من دعاة الفتنة الطائفية، وزارعي الشقاق.

والأنكى من كلّ هذا أنّ مصر العزيزة بلد الكنانة، الدولة التي كانت –في عهد الدستورية- “آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فكفرت بأنعم الله، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف” إنّ مصر العزيزة، ما إن ذُكر المرشحون للانتخابات خارج الشرعية الدستورية، حتى دوّت الساحات والجامعات، والمحافظات بالانفجارات والاغتيالات، كآخر دواء للتعبير عن الغضب ورفض الطلب، والتصميم على استعادة ما فُقد، وإعادة من ذهب، وما كان أغنى مصرنا عن هذه الدوامة الدموية التي أدخلها فيها حكامها عنوة، من أجل فتنة الكراسي، والتلاعب السياسي.

وغير بعيد منا تبرز تركيا الشقيقة وشعبها المحتار، ها هي الأخرى لم تسلم من فتنة الانتخاب، والتنابز بالانتماء الحزبي والألقاب، والتشكيك في محصلة الاقتراع في جوّ التوتر والاضطراب. وكنا نعتبر تركيا وسطًا بين ديمقراطية الغرب بموقعها الجغرافي، والشورى الإسلامية بفضل موقعها التاريخي، ولكن تركيا أخلّت بالجغرافيا والتاريخ معًا، فلا أرضًا أبقت، ولا تاريخًا وعت…وحمى الله تركيا من كلّ سوء.

فإذا عدنا إلى جزائرنا الحبيبة، وطبول الاقتراع تُقرع، نجد الأصوات المتعالية، المحذرة من التزوير، واستغلال الوزارات والوزير، والإدارة ووسائل التسيير، في محاولة تغيير الترتيب بتأخير الأول وتقديم الأخير…

إنّ وطننا الحبيب الجزائر، مُقبل على امتحان التغيير، بالوعي والضمير، فهل يتغلّب العقل الوطني، وينتصر الحسّ الجماعي على نزوات المصلحة، وأطماع المال الفاسد والجشع الخطير؟.

في ضوء هذه الصور الدامية الباكية التي يقدمها وطننا العربي، وأمتنا الإسلامية في أشنع مظاهر السلبيات، والتناقضات، تعالوا بنا إلى الصور المثالية التي يقدمها لنا الآخر؛ المخالف لنا في الشعيرة، والمتقدم علينا في الوتيرة، والفائز علينا بالحكمة والبصيرة، والمناقض لنا في السير والمسيرة؛ إنّه الآخر الفرنسي.

لقد جرت الانتخابات البلدية في فرنسا، تحت إمارة الحزب اليساري الحاكم، الذي يتحكّم في الجيش والأمن وإدارة التسيير، فلم يُسجل على الحاكم أن تدخل في تغيير إرادة الناخب ولا حوّل قصد البطاقة، ولا أعلن عكس ما عبّر عنه المواطنون.

وحكمت النتائج بهزيمة الحزب الحاكم وفوز اليمين المتطرف المعادي، فلم تنفجر قنبلة، ولم تسفك قطرة دم، ولم يحتجّ أيّ طرف على النتائج، وما ذلك إلا احترامًا للمواطن، وحماية لإرادته، وكان الدرس المستفاد أن اعترف الحاكمون بفشل سياستهم، وغضب الجماهير عليهم، فأقبلوا على إقالة حكومتهم والاستنجاد بغريمه الأمس لتغيير الوجه، متناسين جميعًا أحقاد الماضي من أجل المصلحة الفرنسية العليا.

وهذه –لعمري- هي الدروس المستفادة التي يجب أن يستخلصها كل عاقل منا، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها، ولنأخذ الحكمةـ، ولا يهمنا من أيّ وعاء خرجت، حتى ولو كانت من الآخر المعادي لنا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى