مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث دولية

الحرب المجنونة تأتي على الأخضر واليابس الأزمة السورية تدخل عامها الرابع ولا حلّ في الأفق

Moussahamet   أكملت يوم 15 مارس الجاري الأزمة ُ السورية عامَها الثالث ودخلت العام الرابع دون أن يلوح في الأفق أي مؤشر حقيقي لقرب نهايتها وعودة السلم إلى هذا البلد  الذي دمّرته  الحرب؛ فمؤتمر “جنيف 2” انتهى إلى الفشل، والوضع الميداني لا يزال في حالة “تعادل” بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة، مع ميل طفيف لميزان القوى إلى جانب النظام.  وبين هذا وذاك تستمر معاناة  الشعب السوري وبخاصة ملايين النازحين واللاجئين.

بقلم: حسين لقرع

   كانت الآمالُ معقودة على مؤتمر “جنيف 2” للتوصّل إلى تسوية سلمية تسمح بإنهاء الحرب في سوريا بعد 3 سنوات من الاقتتال، لكن المؤتمر فشل كما فشل مؤتمر “جنيف 1” قبل أكثر من سنتين، بسبب اتِّساع الهوة بين النظام والمعارضة وتصلّب الطرفين وإصرار كل منهما على تحقيق مطالبه دون تقديم أيّ تنازل للآخر، وبذلك ضاعت فرصة ذهبية على السوريين لايجاد تسوية سلمية للأزمة وانقاذ بلدهم من المزيد من الدمار والخراب، ما أجّج أكثر الوضعَ الميداني فاشتدّت المعارك بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة وتضاعفت الخسائر.

   وبرغم أن الجيش السوري مدعوماً بقواتٍ جيِّدةِ التدريب تابعة لـ”حزب الله” قد تمكّن من استعادة مدينة “يبرود” القريبة من الحدود اللبنانية من المعارضة المسلحة، إلا أن هذا الانتصار لا يعني أن النظام قريبٌ من تحقيق الحسم العسكري أو الانتصار النهائي، فلا تزال أراض شاسعة في الشمال والشرق خارجة تماماً عن سيطرته، وستتطلب استعادتُها وقتاً طويلاً، هذا إذا سمح المجتمعُ الدولي أصلاً للجيش السوري باستعادة باقي المناطق؛ إذ يُحتمل أن تتدخل أطرافٌ إقليمية ودولية معروفة لتزويد تشكيلات من المعارضة المسلحة وفي مقدمتها “الجيش السوري الحر” الذي أعاد تنظيم صفوفه بعد انهياره منذ أشهر، بأسلحةٍ نوعية متطورة وفي مقدمتها صواريخ مضادة للطائرات والدبابات بهدف وقف تقدّم الجيش السوري نحو المزيد من المدن والبلدات.

   ويُضاف إلى ذلك أن المعارضة تضمّ في صفوفها ما بين 100 ألف و150 ألف مقاتل ينتمون إلى نحو ألفيْ مجموعة مسلحة، عشرات الآلاف منهم عسكريون منشقون ينتمون إلى “الجيش الحر” وعشرات آلاف آخرين سلفيون ينتمون إلى 87 بلداً في العالم، وليس من السهل دحر هذا العدد الكبير من المقاتلين وتحقيق انتصار عسكري حاسم ضدّهم قبل سنوات عديدة من الآن، اللهم إلا إذا وقع انهيارٌ في صفوفها بعد أن تنخرها الصراعات الداخلية. 

   ويقدّر خبراء استراتيجيون غربيون بأن الحرب السورية ستستمر نحو 10 سنوات، إن لم يتوصل طرفا النزاع إلى تسوية سلمية. وفي خلال هذه الفترة ستبقى سوريا منقسمة إلى ثلاثة كيانات، واحد للأكراد، وآخر تسيطر عليه المعارضة المسلحة، وتقيم فيه بعض التنظيمات السلفية “إماراتٍ إسلامية” تطبق تصوّراتها حول الشريعة الإسلامية، وثالث يسيطر عليه النظام، وسيبقى هذا الانقسام سائداً لسنوات، ولن يكون بمقدور النظام، على الأرجح، تحقيق حسم عسكري سريع، ولن يكون بمقدور المعارضة أيضاً تحقيق تقدّم على الأرض فيما يبدو دون الحصول على أسلحة نوعية متطورة أو حتى تدخل عسكري غربي، أو تدخّل الكيان الصهيوني مباشرة إلى جانبها لاسقاط النظام مقابل تنازلها له نهائياً عن الجولان المحتل كما اقترح مؤخراً الدكتور كمال اللبواني، أحد كبار قادة المعارضة وعضو الائتلاف السوري.

   أما الخاسرُ الأكبر من جمود الوضع العسكري وفشل مؤتمر “جنيف 2” فهو الشعب السوري الذي استقبل العام الرابع للأزمة، وكله تشاؤم واحباط وتوجّس من المستقبل المجهول؛ لقد سقط طيلة السنوات الثلاث الماضية أزيد من 146 ألف قتيل، وفُقد 70 ألفاً، وتشرّد ملايينُ السوريين ما بين نازح إلى الداخل ولاجىء إلى الخارج، ليعيشوا أوضاعاً إنسانية لا تُطاق، وهُدّمت مئاتُ المدن والبلدات، وتحوّلت إلى أطلال، وكأن زلازلَ عنيفة قوّتها 12 على سلمّ ريشتر ضربتها.

   وفي ظل هذا الوضع المزري وغياب حلول في الأفق، لم يعد يهمّ الشعب السوري، بحسب تعاليق الكثير من أبنائه في الأنترنت، من ينتصر في الميدان، أو تحقيق الديمقراطية التي ثار من أجلها ابتداءً من 15 مارس 2011، بل كل ما أصبح يهمّه هو أن تتوقف هذه الحربُ المجنونة التي أفسدت ثورته، وأن يعود إلى دياره، إن بقيت هناك ديار، وأن يشرع في مداواة جراحه، واستئناف حياته الطبيعية، وإنقاذ الملايين من أطفاله من حياة التشرّد والضياع.

   ويقدّر متتبعون أن سوريا ستحتاج إلى أكثر من 10 سنوات لاعادة بناء ما تهدّم والعودة إلى فترة ما قبل الحرب، هذا إذا وجدت ما يكفي من أموال لإعادة البناء وقدرها نحو 400 مليار دولار، أو إذا توقفت الحربُ أصلاً.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى