مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراء

لماذا السكوت عن الانتحار الذي شاع في هذه الديار…؟؟/أ.محمد العلمي السائحي

 

سائحيإن ظاهرة الانتحار التي تجذرت في المجتمع الجزائري، وكادت أن تصير من أبرز السمات المميزة له عن سواه من المجتمعات العربية خصوصا، والمجتمعات الإنسانية الأخرى عموما، باتت تستلفت الأنظار وتستدعي التأمل والتفكير، لمعرفة الأسباب المسؤولة عن ظهورها، والعوامل التي ساعدت على التمكين لتطورها وانتشارها بهذه السرعة الفائقة التي تماثل تماما انتشار النار في الهشيم، وهي إلى جانب ذلك لم تختص بجنس بذاته أو فئة عمرية معينة، بل شملت الجنسين معا واستغرقت كل الشرائح العمرية، أي أنها استحالت إلى وباء شديد العدوى لا تقف في طريقه سدود ولا حدود، وهي باعتبارها كذلك باتت تشكل خطرا يتهدد المجتمع الجزائري برمته، وإني لأعتقد أنها لو ظهرت في  مجتمع آخر على النحو الذي ظهرت به عندنا لشكّل لها خلية أزمة من أساطين علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلماء الإحصاء، ووفر لهم كل الوسائل والأدوات والأموال وألزمهم بالتفرغ لدراستها لمعرفة حجمها والوقوف على أسبابها والعوامل المؤثرة فيها، ووضع خطة لمحاصرتها واجتثاث أسبابها، ولما وقف منها موقف اللامبالاة الذي نقفه منها اليوم في بلادنا هذه.

حقا إنه لممّا يحز في النفس ويملأها أسى أن نقرأ في صحفنا يوميا أخبار أولئك الذين وضعوا حدا لحياتهم بهذه الطريقة المأساوية لهذا السبب أو ذاك، ثم لا نجد فيها ولو مقالا واحدا لأهل الاختصاص وما أكثرهم في البلاد، ينقد هذه الظاهرة ويعلق على أسبابها، ويستنفر السلطات الوطنية لتتصدى لها وتتكفل بوضع حد لها.

خاصة وأن الانتحار الذي تفشى في مجتمعنا لا يرجع إلى أسباب نفسية كما هو الحال في بقية المجتمعات، وكما يحاول بعضهم إيهامنا بذلك، بل إن معظم الحالات ترجع إلى أسباب موضوعية بحتة، كالبطالة وانعدام الدخل، أو الفشل الدراسي، أو غلاء المعيشة، أو الإدمان، أو الخلافات العائلية، وهذه كما ترون كلها أسباب موضوعية، لكنها ترفع من حدة التوتر النفسي لدى الفرد مما يفرض عليه التفكير في الانتحار ويشجعه على الإقدام عليه.

وهذه أسباب يمكن للسلطة الوطنية التحكم فيها والحد من تأثيرها، فالبطالة وانعدام الدخل يحل عن طريق تنشيط سوق العمل، والفشل الدراسي يمكن أن يعالج بالإصلاح الجدي للمنظومة التربوية والدروس التدعيمية، وغلاء المعيشة يمكن تجاوزه بمحاربة التضخم وتحكم الدولة في الأسعار، والإدمان يمكن الحد من تأثيره بتشريع أكثر صرامة يجعل من الإعدام عقوبة لمروج المخدرات مهما كانت الكمية المروجة وهكذا…

بقي أن نلفت الانتباه أن لا أحد يفكر في الانتحار أو يقدم عليه مختارا، وإنما يفعل ذلك مكرها ومضطرا، ولا أحد يقدم على الانتحار ما بقي له أمل في هذه الحياة، فإن انسدَّتْ في وجهه أبواب الأمل، ضاقت به سبل الحياة، عندها وعندها فقط يندفع إلى الانتحار وهو مقدم غير محجم، ولذلك قال الشاعر:

أعلل النفس بالآمال أرقبها ما

أضيق العيش لولا فسحة الأمل

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى