مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث وطنية ومحلية

الكلمة التأبينية-جنازة الدكتورأبوالقاسم سعدالله رحمه الله

saadallah نص الكلمة التأبينية التي ألقاها الأستاذ الدكتور في مراسيم جنازة الدكتورأبوالقاسم سعدالله رحمه الله
بسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله، الذي خلق الموت والحياة، ليبلوكم أيّكم أحسن عملا.
والصلاة والسلام على أسعد خلق الله أبي القاسم بن عبد الله، الذي علمنا أنّ الموت آية من آيات الله.
أيّها الإخوة المحزونون!
يا أيّها المفجوعون بفقدان أبي القاسم سعد الله! نحن وإيّاكم جميعًا، أمام جلال الموت وعظمة الميّت، نستلهم منهما مغزى الموقف، وحزن المشهد.
نحن أمام جثمان جبل من المعرفة وَزْنُه –في ميزان الأعمال- هو في ثقله بوزن الوطن، ووجهه المشع، لا يمكن قياس إشعاعه إلا بضوء الشمس.
إنّ ثقل الوطن، وضوء الشمس، هما الدعامتان الأساسيتان في تحديد شخصية فقيدنا، أبي القاسم سعد الله…
لقد فتح عينيه وأطلق لسانه على أديم هذا الوطن، وها هو يغمض عينيه، على فضاء هذا الوطن، ويتوقف لسانه وهو يلهج بحب الوطن.
إنّ الكلام عن سعد الله مهمّة صعبة، ذلك أّن مما يربك الكاتب أو الخطيب نوعان من الناس:
أحدهما صاحب الشخصية القاحلة، الجدباء التي لا تجد فيها ما تقوله عنها. وثانيهما ذو الشخصية الخصيبة المتعددة من حيث جوانب العظمة، إلى الحد الذي لا تستطيع أن توجز فيها، ما يجب أن يقال في حقها.
وإنّ أخانا الفقيد أبا القاسم سعد الله، هو من النوع الثاني، الذي تلتقي به، في كلّ جانب من جوانب النبوغ والعظمة.
فهو عالم الدين الذي نهل من كُتَّاب وادي سوف مما أهلّه لحفظ القرآن، ومن علم الزيتونة ما جعله يتضلع في الفقه والأصول، ومن كلية دار العلوم، ما عمق مداركه العلمية بمختلف اختصاصاتها، ومن الجامعة الأمريكية ما جعله يتفتّح على الثقافات.
فمكان الأديب الذي استلهم أدبه من المصلحين الأدباء، كالإبراهيمي، ومحمد العيد، وأحمد سحنون، استلهم منهم حلاوة الكلمة الموزونة، والمقفاة، النابضة بمعاناة المجتمع، والملتزمة بقضايا الوطن، والأمّة.
فهو الذي كان يغمس قلمه في معاناة شعبه، ونبض قلبه ليقول لنا:
قلت للأرض التي فيها رفاة أبويا
لِم نحن قد خلقنا، هكذا طينًا دنيا
نألف العيش، ونمضي كلنا شعبًا غبيًا؟
قالت الأرض كلامًا، لم يكن إلا دوّيا
دفن الذلّ أناسا قبلكم، بين يدَيَا
لقد اجتمع لأبي القاسم سعد الله، ما لم يجتمع لغيره من مقوّمات المثقف الملتزم بقضايا وطنه، وأمته، ومما أهله لذلك: ذكاء حاد؛ صنعته هذه البيئة المعطاءة السخيّة، وحكمة بالغة؛ نسجتها ثقافة وأصالة هذه المنطقة، وشَغَف بالبحث العلمي شحذته المكتبات العلمية العالمية، إلى جانب موهبة إنسانية متميّزة صقلتها أسرته العائلية الصالحة المصلحة، فكان هذا الفقيد أبو القاسم سعد الله، الثابت على الثوابت والذائد عنها على الدوام، المستقيم على الاستقامة، والقائم على القيم، وما ظنكم بمعادلة هذه أضلاعها، وثقافة هذه دعائمها؟.
ذلك هو أبو القاسم سعد الله، العفيف اليد، واللسان، الذي زهد في كلّ ما لدى الناس، وطمع في ما عند الله، وما عند الله خير وأبقى، وهو زاده الذي يتكفن به اليوم، ويستضيء به غدًا.
لقد تكوّنت على عينيه طبقات متميّزة من الجامعيين وطلاب البحث العلمي، الذين أفاض عليهم من علمه، ومنهجه، ما مكنهم من أن يصبحوا –اليوم- كواكب مضيئة في سماء الجامعة، وفي منتديات الحياة الثقافية…
فمن لهؤلاء الأيتام، بعدك، يا سعد الله! ومن للمجامع العلمية واللغوية، بعدك، يا أبا القاسم!.
إنّنا لا نعزي فيك ابنك أحمد فقط أو أمّ أحمد أو أعمام أحمد، وإنّما نعزي فيك، أيضا شعبك؛ الذي هو اليوم أحوج ما يكون إليك، وإلى أمثالك الصامدين، الذائدين عن حياض الوطن، وقيّمه وثوابته.
فعزاءُ إخوتك وطلابِك فيك يا أبا القاسم هو هذا الكنز العلمي الذي قضيت في إعداده وإبداعه سوادك وبياضك. وعزاءُ وطنك وشعبك فيك، إنك رسمت للجميع منهج التدقيق والتحقيق للوقائع، أنت الذي لقنتهم بأخلاقك وسلوكك الزهد، والتعفف عن لذائد المناصب وتقديس النواصب، مفضلا بدل ذلك مهنة المتاعب.
فوداعًا يا أخانا الغالي أبا القاسم…
ووداعًا يا حبيبنا العزيز سعد الله، نم هانئًا، في مدينتك الطيبة، مدينة العلماء التي أنجبت الأمين العمودي، ومحمد الطاهر التليلي، والحفناوي هالي، وعبد القادر الياجوري، وحمزة بوكوشة، وغيرهم من الصديقين والشهداء، والصالحين، قل لهم جميعًَا إننا لا زلنا على عهد الوفاء ثابتون، وإنّنا على قيم ومبادئ العلماء صامدون.
إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليخشع، وإنّا على فراقك يا أبا القاسم لمحزونون، وسلام عليك يا أبا القاسم يوم ولدت، ويوم تموت، ويوم تبعث حيا.
{إِِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى