مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث دوليةحدث وتعليق

مسار الخيبة والانكسار/عبد الحميد عبدوس

استبقت إسرائيل حلول الذكرى الخامسة والستين للنكبة الموافقة لـ 15 ماي (15ماي 1948-15ماي2013) المسماة بذكرى حرب الاستقلال عند الإسرائيليين، لتعلن بناء المزيد من المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية، ضاربة عرض الحائط كل عروض الاستسلام التي يقدمها "أصحاب الحكمة والتعقل" ممن آلت إليهم شؤون الحل والعقد في الجامعة العربية، وآخرها عرض إجراء تبادل للأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين متجاوزين بذلك كل حدود التنازلات ومخازي كشف العورات، حتى أن مواطنا فلسطينيا صرح لقناة تلفزيونية عربية أنه لم يعد ينتظر سوى ظهور العلامات الكبرى لقيام الساعة لتحقيق النصر على إسرائيل!
 
65 سنة والعرب ينتقلون من نكبة إلى هزيمة ومن هزيمة إلى تفكك وتبعية وضياع وكأنها فصول مأساة تتصاعد نحو ذروة التشابك والتأزم.
قبل بضعة سنين قال المفكر المصري محمد حسنين هيكل إنه ليس من العيب أن تمنى أمة من الأمم بنكسة أو بهزيمة في مرحلة من مراحل تاريخها، ولكن العيب هو أن تظل ساقطة غير قادرة على النهوض من كبوتها..و يبدو أن هذا الوضع هو بالفعل ما تتخبط فيه الأمة العربية منذ أن تحولت هزيمة الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية في سنة 1948 إلى نكبة خسر فيها العرب الأرض والهيبة وحلم النهضة!
 قبل سنة 1948 كان الفلسطينيون يعيشون على 93 بالمائة من الأرض الفلسطينية وبعدها أصبح الإسرائيليون يسيطرون على 70بالمائة من فلسطين وخسر الفلسطينيون أكثر من 66 بالمائة من مساحة القدس، وطرد ما يزيد على 750 ألف فلسطيني من أرضهم وتحولوا إلى لاجئين، وهدمت أكثر من 500 قرية فلسطينية، وتحولت المدن الرئيسية الفلسطينية إلى مدن إسرائيلية تحمل أسماء عبرية.
لقد دخل العرب الحرب بحماسة لفظية وأسلحة فاسدة، ودخلت إسرائيل الحرب بخطة محكمة وتصميم على إبادة أكبر عدد من الفلسطينيين.
يقول المفكر العربي الراحل عبد الوهاب المسيري في قراءته لأعمال المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه:" إن الحركة الصهيونية عندما أنشأت دولتها القومية لم تخض حربا نجم عنها بصورة مأساوية طرد أجزاء من السكان الفلسطينيين ،بل بالعكس كان الهدف الرئيسي للحركة تطهير فلسطين بأسرها تطهيرا عرقيا شاملا باعتبارها البلد الذي أرادت أن تقيم دولتها فيه. و أنه في عصر يوم الأربعاء 10 مارس1948، (قبل 65 يوما من نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين) وضعت مجموعة من أحد عشر رجلا، مكونة من قادة صهيونيين قدامى وضابطين عسكريين شابين، اللمسات الأخيرة على خطة لتطهير فلسطين عرقيا، وذلك عن طريق الاستعداد للقيام بطرد منهجي للفلسطينيين من مناطق واسعة في البلد عن طريق خطة تسمى خطة دالت، وهي خطة مفصلة تشمل إثارة الرعب ومحاصرة وقصف القرى والمراكز السكانية وحرق المنازل والأملاك والبضائع وزرع ألغام وسط الأنقاض، والهدف من الخطة هو رحيل الفلسطينيين ومنعهم من العودة إلى منازلهم، هذه الخطة كانت النتيجة الحتمية للنزعة الإيديولوجية الصهيونية التي تطلعت إلى أن تكون فلسطين لليهود حصرا، وقد تم تنفيذ الخطة قبل حرب 1948 وأثناءها وبعدها.."
 
وفي خطاب لأول رئيس وزراء لدولة إسرائيل دافيد بن غوريون في 3 ديسمبر 1947، أي بعد أقل من أسبوع، على إصدار الأمم المتحدة لقرار تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود في 29 نوفمبر1947 لخص الزعيم الصهيوني خطة التعامل مع الفلسطينيين بالقول: "هناك 40 بالمائة من غير اليهود في المناطق المخصصة للدولة اليهودية، إن هذه التركيبة ليست أساسا متينا لدولة يهودية، ويجب أن نواجه هذا الواقع الجديد بكل قوسته ووضوحه، إن ميزانا ديمغرافيا كهذا يطرح علامة استفهام في شأن قدرتنا على المحافظة على سيادة يهودية
إن دولة 80 بالمائة من سكانها على الأقل يهود هي وحدها يمكن أن تكون قابلة للحياة ومستقرة".
وزعيم الإجرام الصهيوني دافيد بن غوريون هو الذي قال: "الكبار سيموتون والصغار سينسون"!
ومنذ حدوث ذلك الزلزال التاريخي الذي صدع كيان الأمة العربية ظل المشروع الصهيوني يترسخ ويتصاعد، وخط النهضة العربية ينكمش وينتكس، وباستثناء انتصار الثورة الجزائرية المجيدة في سنة 1962، فإن هزيمة الجيوش العربية أمام الجيش الصهيوني في سنة 1967 كانت أدهى وأمر وأعمق أثرا وأشمل تأثيرا في مختلف جوانب الحياة العربية رغم إصرار زعماء العرب والمسبحين بحمدهم من حملة الأقلام وفقهاء السلطان على تفادي وصف ما حدث بالهزيمة والاكتفاء بإطلاق مصطلح النكسة للتغطية على هول ما حدث، وخسر العرب ما تبقى من القدس بمقدساتها الإسلامية الواقعة في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل في 28جوان 1967 بما فيها المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة وحائط البراق الذي ربط عنده رسول اللهصلى الله عليه وسلم- البراق الذي أقله في ليلة الإسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وامتطاه بعد عودته من بيت المقدس إلى مكة، وبالإضافة إلى هذه الأماكن المقدسة خسر العرب الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان بسوريا وسيناء بمصر وأجزاء من الأراضي الأردنية واللبنانية.
ولكن رغم كل هذه الهزائم المذلة ظل العرب متمسكين في الخطاب الرسمي والإعلامي بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر واستعادة الأراضي العربية المحتلة، وتطبيق مقولة "ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة"، وكاد هذا التصميم أن يتوج بالنصر واستعادة الكرامة في حرب أكتوبر 1973 لولا أن مبادرة الصلح المنفرد التي قام بها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع العدو الصهيوني في سبتمبر 1978 وجرى فيها التسليم لأول مرة بطريقة رسمية من طرف دولة عربية كبرى بحق إسرائيل في الوجود والأمن ككيان شرعي، هذه الثغرة في جدار العمل العربي المشترك تحولت إلى معبر مفتوح واستباحة دائمة للحق التاريخي للفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وبعد الصلح مع مصر أعلنت إسرائيل في أوت 1980 عن قانون صادق عليه الكنيست ،وأقرته الحكومة الإسرائيلية يعتبر القدس بقسميها الغربي والشرقي عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل.
وأصبحت سياسة الهرولة العربية لخطب ود إسرائيل والاعتراف بالأمر الواقع، أمرا مباحا بين الأنظمة العربية ، إلى حد أن إسرائيل هي التي أصبحت ترفض الاعتراف بحق الفلسطينيين، وترفض فكرة مبادلة الأرض بالسلام.
ومع الاعتراف والإعجاب الكامل بدور المقاومة الفلسطينية وتضحياتها السخية وبطولاتها المتواصلة، فإنه لا شيء يدفع إسرائيل للقلق على مصيرها وتغيير نهجها وهي ترى أن الصراع أصبح ينخر كيانات الدول العربية من الخليج إلى المحيط، وأن الحرب تحرق سوريا، والفتنة الطائفية والمذهبية تهدم العراق والبحرين، وأن الشقاق يمزق الصف الفلسطيني والمصالحة بين فتح وحماس تكاد تصبح سرابا، والأزمات تثقل كاهل مصر وتونس وليبيا، وفضائح الفساد تجرف مصداقية الأنظمة العربية التي ما زالت تعيش خريف الاستبداد!   
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى