جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والقضية الليبية (1)/أ.د مولود عويمر
تطمح هذه الورقة إلى الإجابة عن مجموعة إشكاليات أساسية لفهم العلاقات بين الجزائر وليبيا بين 1911 و1951. وهي: ما هو موقف الجزائريين من الاحتلال الإيطالي لليبيا؟ ما هي أصداء مقاومة عمر المختار في الجزائر؟ ما هي صلة الشيخ سليمان الباروني بالحركة الإصلاحية الجزائرية؟ كيف تناولت الصحافة الإصلاحية الجزائرية القضية الليبية؟ ما هي أهم الأقلام الليبية التي ساهمت في الصحافة الإصلاحية الجزائرية؟ كيف استقبلت جمعية العلماء الجزائريين استقلال ليبيا؟
نحاول الإجابة عن هذه الإشكاليات من خلال دراسة نموذجية، وهي تتمثل في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كانت تشكل قطبا من أقطاب الحركة الوطنية الجزائرية بين 1931 و1956.
احتلال ليبيا والموقف الجزائري
لم تكن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين موجودة حينما احتل الجيش الإيطالي طرابلس في عام 1911، وكان معظم العلماء الذين سيؤسسون هذه الجمعية الإصلاحية فيما بعد طلابا في الزوايا والمعاهد الإسلامية في الزيتونة والقرويين وجامع الأزهر وغيرها من المؤسسات الدينية العلمية، إلا أن تأثير هذا الحدث على مجريات الأحداث فيما بعد يفرض علينا التوقف عند هذه المحطة التاريخية.
تأسست حركة تضامنية مع إيالة طرابلس الغرب بعد أن اعتبر الجزائريون احتلالها حلقة جديدة في سجل الغزو الاستعماري الغربي للعالم العربي والإسلامي الذي بدأ مع احتلال الجزائر في عام 1830. وتجسد هذا الحراك القومي في عدة مظاهر أذكر منها:
1 جمع التبرعات للمجاهدين الليبيين، وجمعت الأموال بالمصوغات الذهبية والفضة والزيت والدقيق والسكر والشاي عبر القطر الجزائري، منها ما سلم لرئيس الهلال الأحمر العثماني، ومنها ما سلمه الجزائريون مباشرة إلى المجاهدين الليبيين.
2 نقل السلاح لدعم مقاومة المجاهدين الليبيين.
3 حملة إعلامية ضد الاحتلال تزعمتها جريدة الحق والمثقف الثائر عمر بن قدور في جريدة الحضارة الصادرة باسطنبول
4 توزيع منشورات تدعو إلى مقاطعة اقتصادية للإيطاليين المقيمين في الجزائر.
5 التجمع أمام القنصلية الإيطالية في الجزائر للاحتجاج على الاحتلال الايطالي.
6 تطوع الجزائريين للجهاد ضمن المقاومة الليبية ومن أشهرهم ناصر بن شهرة أحد أبطال 1871 والذي مات شهيدا بالقرب من طرابلس في عام 1912.
7 اشتباكات بين الجزائريين والإيطاليين في مناطق عديدة منها بجاية وعنابة.
عمر المختار (1862-1931) في أدبيات جمعية العلماء الجزائريين
تأسست جمعية العلماء في 5 ماي 1931 أي قبل وفاة عمر المختار بـ 4 أشهر، وهي لم تصدر جريدتها الأولى إلا في عام 1933، ولذلك لم تتابع مقاومة عمر المختار. بينما حظي تاريخ نضاله باهتمام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ صدور جريدة البصائر لسان هذه الجمعية.
وشجعت هذه الجمعية الحراك الجزائري في إستراتيجية مقاومة النفوذ الفرنسي في الجزائر. وشارك متطوعون جزائريون ولعل أشهرهم مصطفى الجزائري المولود بمعسكر بالغرب الجزائري في عام 1892، والمتوفى في سنة 1982 بطرابلس. وقد لازم عمر المختار حتى أصبح من أقرب مساعديه، وسفيرا له في مهمات دبلوماسية سرية.
وانتشرت أخبار مقاومة عمر المختار كالهشيم في النار، وتعاطف معها الجزائريون كما تعاطفوا مع الأمير عبد الكريم الخطابي في حرب الريف. ذلك أن هاتين الثورتين أحيتا في قلوب الجزائريين ذكرى ملحة الجهاد التي لم تنطفئ نارها في الجزائر خلال القرن التاسع عشر.
وتجاوب الجزائريون تلقائيا لدعوات العلماء كالشيخ عبد الحميد بن باديس، والسياسيين بزعامة الدكتور محمد بن جلول لدعم الكفاح الليبي لتحرير الأرض والعباد.
وبعد انتشار خبر استشهاد عمر المختار بطريقة بشعة، نشرت مجلة الشهاب كلمة رثاء في الشهيد عمر المختار عنوانها: “سيد الشهداء ورأس الأبرار”، واخترت لك منها أيها القارئ هذه الفقرات المعبرة: ” اغتالت يد الطغيان الاستعماري بطلا من خيرة أبطال العرب، ورأسا من أعظم رؤوسهم، ومجاهدا كان يقف في طليعة مجاهديهم، وصنديدا غالبته الأيام فغالبها، وصارعته الحوادث فصارعها.. وحاربته دولة من أكبر دول الأرض بجنودها ودباباتها وطائراتها .. فثبت أمامها ثبات الراسيات، متذرعا بالإيمان، متحصنا بقوة العزيمة، معتدا بالله. ولطالما انتصر وظفر، ولطالما انكسر واندحر .. فما زاده النصر إلا عزيمة، وما زاده الاندحار إلا ثباتا.. واعتكف على قتال المعتدين الظالمين، وحوش الاستعمار الإيطالي، فكان في حربهم شريفا مسلما.. مستميتا ساعة الملحمة، رءوفا حليما ساعة وضع الحرب لأوزارها… ذلك هو المجاهد سيدي عمر المختار زعيم السنوسيين ببرقة الذي جاهد عشرين عاما، دفاعا عن بيضة الإسلام، وكرامة الوطن.”
وفي السياق نفسه، نشر الشيخ عبد الحميد بن باديس في مجلته الشهاب قصيدة أحمد شوقي في رثاء عمر المختار ملحقة بصورته التي كتب بجانبها ” عمر المختار ضحية الاستعمار الإيطالي”. وأقطف من هذه القصيدة هذين البيتين:
يا أيها الشعب القريب أسامع
فأصوغ في عمر الشهيد رثاء
ذهب الزعيم وأنت باق خالد
فأنقذ رجالك واختر الزعماء
وحرص الشيخ عبد الحميد بن باديس على إعادة نشر مقال للأمير شكيب أرسلان حول صلته بعمر المختار. ولا شك أن القارئ الجزائري تأثر أيضا بهذا المقال الذي كان له صدى كبير في العالم الإسلامي، لأنه كشف عن عظمة الزعيم الليبي ومن جهة، وفظائع الاحتلال الايطالي من جهة أخرى.
قال شكيب أرسلان في هذا الشأن: “الشهيد عمر المختار هو من أعظم رجال هذا العصر، وممن تتزين بسيرته صحائف التاريخ العام، فلا يماري في ذلك أحد عنده ذرة من الإنصاف.”
ونشرت الشهاب رسالة بعثها عمر المختار إلى شكيب أرسلان عبر من خلالها عن تقديره لنضال هذا الرجل في سبيل القضية الليبية ومساعدته للمجاهدين الليبيين في حربهم ضد الغزاة الإيطاليين.
وكتب عنه الشيخ علي مرحوم، أحد علماء الجزائر قائلا: ” لقد سقط عمر المختار شهيدا كريما في ساحة الجهاد المقدس الذي عرف رايته ضد أفظع استعمار عرفه القرن العشرون.. ذلك الجهاد الخالد الذي امتد طوال عشرين عاما، لم يهن فيه ولم يضعف هو وصحبه إلى أن أذن الله أن يدرك النهاية التي جاهد من أجلها وهي: أن تحيا ليبيا حرة عزيزة، أو يستشهد ويفوز بالكرامة عند الله في دار الخلد الأبدي”.
وبقيت صورة عمر المختار منقوشة في ذاكرة الجزائريين، يكتب عنها الكتاب، ويستلهم من ملحمته الشعراء، فهذا الشاعر الجزائري ومندوب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في فرنسا الشيخ الربيع بوشامة ينظم قصيدة شعرية في عام 1949 يذكّر فيها الشعب الجزائري بنضال إخوانهم اللبيبين تحت راية عمر المختار، أذكر منها الأبيات التالية:
يا ابن الجزائر هذي ليبيا فديت
من العذاب ونالت غير أوطار
إن العروبة في أي البلاد نمت
روح موحدة الآمال والدار
حييت يا ليبيا الشماء من وطن
معزز سيد الأبطال مغوار
ولم يتأخر حزب الشعب الجزائري عن إدانة إعدام الشيخ عمر المختار الذي سانده ماديا ومعنويا فنشرت جريدة الأمة لسان حال الحزب في صفحتها الأولى مقالا بعنوان بارز: “موسوليني مجرم قاتل ماتيومي والبطل الوطني عمر المختار”.
محاضرة قدمها الكاتب في المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بطرابلس يوم 3 أبريل 2013.