أما آن للجزائر أن تستفيق…؟/الأستاذ: محمد العلمي السائحي
إن ما يحدث في الجزائر من أحداث، وما ينتابها من توترات، وما يستشري فيها من آفات، يثير في النفس مخاوف عديدة، لا على مستقبلها الآجل، بل حتى على حاضرها اليوم، فالفساد المالي الفظيع الذي تسلل إلى كل مرافق الدولة، سواء أتعلق الأمر بقطاع الخدمات، أو قطاع الانتاج، وما فضائح سوناطراك ونافطال التي أعلن عنها إلا غيضٌ من فيض في هذا المجال، هذا الفساد تسبب للدولة في نزيف مالي حاد، دون أن يجد رادعا يردعه، أو قوة تكبحه، وكأن الدولة لا أجهزة رقابية لديها، ثم هذا الانفلات الأمني غير المسبوق، الذي تمثل في ارتفاع عدد الجرائم المرتكبة وتنوعها، من سرقة إلى اختطاف إلى اغتصاب إلى قتل، ويا ليت الأمر توقف عند القتل مجرد القتل، بل هو تعداه إلى ما هو أفظع، حيث أصبح القاتل يتلذذ بتقطيع أوصال الضحية ورميها في المزابل، بل يا ليت القتل والتنكيل طال من هم مرشحون له من الرجال فحسب، كما عودتنا أعراف المجتمعات الإنسانية وتقاليدها، منذ أن برز للوجود أولُ مجتمع إنساني على هذه البسيطة، فهو اليوم بخلاف المعتاد، طال الأطفال الأبرياء، الذين لاحول لهم ولا طَوْل، وكأن الأجهزة الأمنية غائبة عن الميدان، أو أنها باتت عاجزة عن وضع حد لهؤلاء المجرمين العتاة، على رغم كثرة عددها وحسن تجهيزها وبالغ عُددِها، زد إلى ذلك ما تحياه الأحزاب والتنظيمات من التشظي والانقسامات وكأنها استحالت إلى قبائل متناحرة، تتنافس على الغنائم والأسلاب، لا أحزاب سياسية تحكمها مبادئ رفيعة عالية، وأهداف وغايات وطنية سامية، ثم ماذا نقول عن وزراء يفترض فيهم أنهم رجال دولة، بمعني أن المتوقع منهم أن يخلصوا للوطن، ويجتهدوا في تحسين حاضره وتأمين مستقبله، واحترام قيمه، والاعتزاز بتاريخه، فإذا بعض منهم يتمنى لو بقيت الجزائر مستعمرة لفرنسا، وبعض منهم رضي أن يمرر قانونا – لولا لطف الله ويقظة الرئيس- لكان رهَن مقدرات البلاد إلى الأبد، ثم ماذا نقول عن أزمة البطالة الخانقة، على الرغم من الفائض الذي تعرفه الخزينة العامة، إلى درجة إقراض الجزائر للبنك الدولي، ومع ذلك يُضطر أبناء الجزائر بل حتى بناتها و كهولها وشيوخها، إلى الهجرة بحثا عن لقمة العيش عند الغير، ثم ماذا نقول عن تآكل أسطولنا الجوي والبحري، وماذا نقول عن الاكتظاظ في المدارس، وضعف التكوين من الابتدائي إلى التعليم العالي بالمعاهد والجامعات، حتى أصبحت جامعاتنا تصنف في ذيل الجامعات العالمية، وترتب بعد جامعات بعض الدول الافريقية التي هي أقل بحبوحة منا، وماذا نقول أيضا عن مستشفياتنا العامة والخاصة، التي باتت عاجزة تماما عن تقديم خدمة صحية نوعية لمواطنينا، حتى أن الداخل إليها مفقود، والخارج منها سالما عدد جدّ محدود، ثم ماذا نقول عن الديموقراطية في بلادنا، التي أفرزت لنا مجالس محلية وتشريعية هي بحكم ما هي عليه، أقدر على الهدم والتدمير، منها على البناء والتعمير، وماذا نقول عن تلك الجمعيات التبشيرية البروستانتية التي راحت تتكاثر في البلاد، وتجتهد في تنصير البنات والأولاد، وماذا نقول أيضا عن الجهات الخفية التي تعمل جاهدة على ضرب الدين في الصميم، بتقسيمنا إلى طوائف وشيع بين سلفية علمية، إلى سلفية جهادية، وطوائف سنية، وأخرى شيعية، كل ذلك يجعل المواطن يتساءل – وله في ذلك الحق كل الحق- هل للجزائر دولة…؟ ومنطلَقه في ذلك أن الدولة إنما تفرض وجودها عن طريق إرساء النظام والانضباط في حياة المجتمع، ومادام هو لا يرى إلا هذه الفوضى السائدة، وهذا الانفلات الواقع، فله أن يستنتج من ذلك أن لا وجود للدولة أصلا، لقد آن الأوان بالفعل للجزائر أن تستفيق، وأن تفرض على الجميع العودة إلى السَنَن والطريق، قبل أن يشمت فينا أعداء الأمس واليوم …