التصعيد المرفوض في مصر…
لسنا نريد لمصر العزيزة –علم الله- إلا ما أراده الله لها حين قال: ﴿ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ﴾(يوسف، الآية 99)، وما يريده لها الخلص من أبنائها الذي نطق باسمهم شاعر النيل حافظ إبراهيم حين جعل مصر تتحدث عن نفسها، مخاطبا أبناءها بقوله:
مصر التي في خاطري وفي دمي
أحبها من كل روحي وفمي
صونوا حماها وانصروا من يحتمي
ودافعوا عنها تعش وتسلم
يا ليت كل مخلص في حبها يحبها حبي لها
فمصر العروبة والإسلام، تعاني محنة قال عنها إمامنا محمد البشير الإبراهيمي –ذات يوم- “تعاني مصر العزيزة هذه الأيام ما يعانيه الحر الأبتي، أكره عل الضيم” (آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ج3، ص490).
وما الضيم الذي تعانيه إلا تحالف قوى الشر والفساد، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، في حلف غير مقدس، لإفساد الاستقرار، وترويع الأحرار، وتخريب الديار.
لقد هال قوى الشر –هذه- وكانت تنام في العسل الملوث، هالها أن تُحكم مصر الأزهر، باسم الإسلام، فتنادوا لإفساد عرسها الإسلامي، وتخفيف ربيعها المزهر المتنامي، فيقدموا الحجة على فساد الحكم باسم الإسلام، وجعله مدعاة للتقاتل والانتقام، ثم يقولوا للعالم إن هذه الدولة الثيوقراطية التي يحاول إقامتها الرئيس محمد مرسي، هي دولة ذات مقدمات فاسدة، وبالتالي ستكون نتائجها ومآلاتها فاسدة.
لقد جربوا هذا مع تونس، ووهموا أنهم نجحوا في تأليب الغوغائيين على الحكم المنتخب، وماهم ببالغي مآربهم، وهاهم يعمدون إلى مصر للبداية معها، من جديد، والهدف المشترك هنا وهناك، إنما هو العداوة للإسلام الصحيح في فهمه، وممارسته، حتى لا يثبت جدارته بالحكم، فيكون قدوة للآخرين.
كان الأجدر بالمتآمرين، على أنظمة الحكم الفتية في ليبيا، وتونس، ومصر، أن ينتظروا حتى تزول آثار الحناء من أيدي العرسان، وأن يمر الحد الأدنى من الزمان، وان يستقر في مكانه كل إنسان، فتكون الحجة كافية، ولكن الخوف من نجاح التجربة الديمقراطية الحرة، أفقد المتآمرين صوابهم، فأقدموا على غير هدى يقتلون، ويهدمون، ويفسدون، بكل وسيلة ممكنة، فالغاية تبرر الوسيلة عندهم.
كنا سنتعاطف مع المتظاهرين في ميدان التحرير المعارضين للرئيس محمد مرسي، كما تظامنا من قبل مع المعتصمين في نفس الميدان، المطالبين بتغيير الفساد، لو أن الأولين التزموا بأخلاق الديمقراطية، فأكتفوا بالشعارات الحضارية، أداة، والمطالبة بالحوار قتاة.
فأيا كانت مشاعرنا مع النظام المصري الفتي، لكونه منبثقا عن انتخابات حرة سلم بها الجميع، ولكونه دشن عهده بالانفتاح على الجميع ولكونه ساعد –بالحوار- على استتباب الأمن في غزة، وإرسال خطب مطمئنة لخصومه أيا كانت مشاعرنا، فإننا نسلم بحق المخالفين في المساهمة في الحياة الوطنية، وأن هؤلاء المخالفين، يمثلون نسبة من المواطنين لا يستهان بها، فيجب الاستماع إليهم والتحاور معهم، في ما قد يكون محل نقاش أو اجتهاد في تحديد حقوق وواجبات الوطن والمواطن. غير أن القوم غالوا في التطرف بجميع أشكاله، فهم يطالبون بإلغاء كل الإجراءات الرئاسية دون أي حوار، ويرفضون كل استفتاء مهما تكن نتائجه، ويزيدون على ذلك، باستخدام السلاح القاتل للإنسان، وبالتخريب الهادم للبنيان، ثم يتهمون الحاكم بالاستبداد في الرأي، والحكم عليه بضعف الحكمة ونقص الرأي.
فأين كان معظم هؤلاء “الزعماء” المعارضين، ومعظم هؤلاء القضاة “العادلين” يوم كان النظام الفرعوني هو السائد، والفساد القاروني هو القائد؟
نحن نرثي لبعض أبناء مصر، الذين يضعون أنفسهم، أداة طيعة في دواليب أعداء مصر، والحاقدين عليها في الداخل والخارج، إننا نهب بالجميع أن يسمعوا لصوت مصر العميقة، التي تسمو عن الطائفية، والحزبية، والعصبية، ولينخرطوا جميعا في حزب مصر الأعظم والأنبل، فمصر تتسع للجميع، ولا تضيق بأي واحد من أبنائها المخلصين.
إننا نعيد إلى ضمائر كل المصريين النصيحة الغالية التي قدّمها -ذات يوم لمصر- إمامنا محمد البشير الإبراهيمي، يوم كانت مصر تعاني محنة شبيهة بهذه “مع الفارق طبعا” فقال لها: “يا مصر! عَهِدَك التاريخ صخرة من معدن الحق تنكسر عليها أمواج الباطل، فكوني أصلب مما كنت، وأرسخ قواعداً مما كنت، تنحسر الأمواج وأنت أنت…”(الآثار، ج3، ص497).
أما هذا التصعيد الطائفي، الحزبي، المأساوي، الداخلي والخارجي، فإنه تصعيد مرفوض، تحت أي غطاء جاء، مادام لا يحتكم إلى قانون التحضر السياسي، وبرفض الاحتكام إلى قانون الديمقراطية الصحيحة، وأدواتها الفعالة، ، من صندوق، واستفتاء… وحقوق أقلية وأغلبية.. لأن ذلك هو التخلف الحقيقي، والاستبداد العملي، ولن يكتب لمثل هذه القيم الجائرة أن تسود بعد أن عفا عليها الزمن، وسيدوس عليها –حتما-، مهما يكن الثمن.