فهل في الدنيا أمّة مثل أمّة الاسلام؟
مشاهد من السموّ والطّهر لا تنبغي إلاّ لأمّة أسلمت أمرها لذي الأمر، ومشاهد من الحسن والجمال لا تنبغي إلاّ لأمّة أسلمت كلّها لذي الجلال. فخرجت من بديع تنوّعها إلى معجز وحدتها، وخرجت من لطيف اختلافها إلى منظوم اصطفافها. وأبهرت شانئيها بأسرار بقائها.
ظنّوها دولة تزول، فعلموها أمّة لا تحول، وحسبوها حضارة منسيّة وبائدة فألفوها قوّة كامنة وشاهدة. وغرّتهم غفوة أصابت بنيها فألفوا عيدها حافزا يجدّد معانيها. وودّوا لو تكون لهم مثل الذي أوتينا ولكنّهم لجّوا فحرموا الدينا.
الآن وقد أدركتنا أيّام التشريق وجب أن نفهم أسباب التوفيق، وأنّ الاصطفاء لا يكون إلاّ بالتحقيق، وأنّ معاني العيد تحمل روح التصديق، أرأيت إلى الطواف بالبيت إنّه شكر لنعمة الانتماء، وأنّ السّعي سعي لطلب العمران والبقاء، وأنّ الوقوف بعرفات اعتصام من التحديات، وأنّ الذكر بالمشعر الحرام تجديد للنيات، وأنّ رمي الجمرات تخلّص من الشهوات.
فهل في الدنيا أمّة مثل أمّة الاسلام؟
ولكنّ ناسا ما فهموا أنّ النحر توسّط في السورة الكوثر والأبتر، وأنّه مشدود بهما وممدود إليهما، فمن غلبت سعادته سما إلى الكوثر، ومن غلبت عليه شقوته انهزم أمام الأبتر. وتعرف كلاّ بسيماهم. أمّا الأوّلون فيسارعون إلى الخيرات فلا يغلون ولا يخسرون ويتصدّقون ويهدون ويتزاورون، وأمّا الآخرون فينادون بالغلاء ويرجعون إلى الوراء فيبكون على دريهمات أنفقوها ويشطّون في العتب على تجارة خسروها، وأنّهم ما علموا أنّ الله لا يناله لحومها ولا شحومها.
فكيف يكون هذا في أمّة تتّبع خطى الخليل(صلى الله عليه وسلم) وتستمع إلى جوامع الرسول(صلى الله عليه وسلم)، أليس ذلك من خطل النسيان وزلل الإنسان؟
ألا إنّ في العيد معنى دينيا ذلك الذي رأيناه في الشوارع، ولكنّ فيه معنى آخر اجتماعيا هو الذي توجبه الشرائع، ولن يكتمل الدين حتى يكون عقيدة إيمان وأخلاق عمران في صور حسان. فطوبى لمن وعى فأقبل يسعى، وويل لمن لمن ادّعى فأدبر كأنّه حيّة تسعى.
فيا أمّة الإسلام جدّدي دنياك بالدين، وارتفعي بالعيد عن تشويهات الفلكلور وفرحة الصبي المغرور. وعودي إلى معاني الاجتماع فقد شهدت على نفسك بالحضور والسماع.