مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
البصائرمقالات مختارة

الـمظلومة التربوية ” ومعركة ” الهوية ” ضد ” الهاوية “..! بقلم الشيخ كمال أبو سنة

أبو سنة كمال الشيخ كمال أبو سنة

  لقد حاول الاحتلال الفرنسي منذ وطئت أقدام جنوده النجسة أرض الجزائر الطاهرة تغيير الجزائري بمسخه، وتحويله إلى كائن بلا هوية ولا تاريخ ولا دين، مُسَخَّر مثل العبيد لخدمة الأسياد، فلما فشل في هذا المسعى الخبيث، راهن على محاولة تدجينه حتى يُصبح فرنسي اللسان والعادات، وقد نجح في هذا المسعى نجاحا ملحوظا بدت معالمه في شخصية فئة من الجزائريين الذين بقي ولاؤهم لفرنسا حتى بعد خروجها من الجزائر مطرودة مهزومة، فمنهم من تبعها فخرج معها، ومنهم من استمر في خدمتها والتمكين لها في مواقع كثيرة حساسة، ومنها موقع “التربية والتعليم”..!

  لقد خسرت فرنسا معركتها – إلى حد ما- ضد الجزائرييني مجال “التربية والتعليم” أيام الاحتلال، فقد قاومها في هذا الثغر الخطير رجال مصلحون صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فاستطاعوا رغم كثرة التحديات وقلة والوسائل أن يحافظوا على الحرف العربي في لهوات الجزائريين، وكوَّنوا في هذه الفترة العصيبة أجيالا متلاحقة من الفتيان والفتيات تزينت بهم الأوساط العلمية والثقافية والأدبية، وكانوا عماد النهضة والبناء بعد الاستقلال.

  بيد أن الاستقلال في الجزائر لم يكتمل كما كان يطمح إليه من حملوا السلاح مخلصين ضد فرنسا، وقد عبروا عن مشروعهم بوضوح بما خطوه بالحبر والدم في بيان أول نوفمبر التاريخي الذي بيّن الوجهة التي كان من المفروض أن تسير نحوها الجزائر المستقلة في بنده الأول الذي نص على ما يلي:

” إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية “.

  لقد خدم بعض الجزائريين فرنسا بنشر لسانها وفكرها وعاداتها وسياساتها بعد الاستقلال أكثر من الفرنسيين أنفسهم أيام الاحتلال على حين غفلة من الوطنيين، وكانت المنظومة التربوية تربة خصبة للحفاظ على مكتسبات فرنسا الثقافية، ولعل الجزائر البلد الوحيد الذي ما يزال يتمسك في منظومته التربوية بالفرنسية لغة ثانية رغم عجزها عن مجاراة التطور العلمي، ويدير مسؤولوها ظهورهم للغات الحية الأخرى وعلى رأسها الإنجليزية التي أصبحت لغة العلم والعلماء، ووسيلة لنشر المعارف العالمية والتحاور العالمي..!

  إن إصلاحات السيدة بن غبريط لا تخرج للأسف من دائرة الصراع في سبيل التمكين للدخيل على حساب الأصيل، وتعزيز مكانة اللسان الفرنسي على حساب اللسان العربي، والسعي لتخريج أجيال من الجزائريين مبتوري الصلة بتاريخهم وتراثهم، تحت عنوان ” الإصلاح” و” التطوير” و” التحديث”، بدليل الخبراء الفرنسيين الذين استقدموا لتكوين مفتشي التربية ومديريها، والكتب المدرسية التي تُعد بتوقيع فرنسي، في غياب النقابات التربوية وجمعيات أولياء التلاميذ..!

  إن الاستقلال الوطني لن يكتمل إلا حين تعود مناهجنا التعليمية من حيث الهوية إلى الأصل، ويصبح اللساني العربي رائدا في أرضه لا تزاحمه اللغات الأخرى إلا بالقدر الذي يحتاج إليها الجزائري ليأمن شر التخلف العلمي والتقني، فما أروع أن يتحصل الجزائري على كافة العلوم ويتمكن من جميع اللغات، ولكن حين يتحدث لا يتحدث إلا بلغة القرآن التي وسعته وما ضاقت به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى