مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
مقالات مختارة

شهـــــوة الحكــــم والتسلـــــط

بقلم أ.د عمار طالبي

تكلم ابن رشد على تطور السياسة في العالم الإسلامي من المدينة الفاضلة مدينة الراشدين ثم تحولت إلى مدينة سياسة الأبهة والملك العضوض، ويسميها حكم المجد والشرف، في عهد معاوية وبني أمية الذين فتحوا الباب للانقلابات.

وساد حكم الأسر والبيوتات، كما يسمي ذلك ابن رشد، ويضرب لهذا أيضا أمثلة من تطور السياسة في الأندلس والغرب الإسلامي، فقد جاء حكم المرابطين الذي استند في أول أمره إلى الشريعة، فكانت سياسة أقرب إلى المدينة الفاضلة في عهد يوسف بن تشفين، ثم تحولت في عهد ابنه علي بن يوسف إلى سياسة قائمة على المجد والرغبة في المال، وتحولت مع حفيده تاشفين إلى سياسة الشهوة والترف، فتفسخ حكمهم وهلكوا، ثم جاء حكم معارض لهم في عهد الموحدين في أول أمرهم فكان قائما على الشريعة وهي المدينة الفاضلة.

يقول ابن رشد: «وإنك لترى بوضوح في الحكم الجماعي (الديمقراطي) الموجود في زماننا أنه يتحول إلى استبداد على الدوام، فعلى سبيل المثال خذ الحكم الموجود في مدينتنا قرطبة، بعد سنة خمسمائة من الهجرة، حيث إن الحكم كان فيها جماعيا، ولكن بعد أربعين سنة تحول إلى حكم قائم على الاستبداد»(ابن رشد، تلخيص السياسة ص 306) فتحول الحاكم من فاضل إلى رجل مجد وشرف وأبهة، وهو أمر يشبه ما حدث للعرب في أول عهدهم حيث اعتادوا على النزوع إلى الحكم الفاضل حتى جاء معاوية فتحول حكمهم إلى حكم قائم على المجد والشرف، وهو ما يشبه الحكم القائم الآن في جزيرتنا  (ص289).

وهؤلاء صنفان، صنف العامة وصنف السادة، وفي هذه الحال يسلب سادتهم عامتهم ويمعن السادة في الاستيلاء على أموال العامة، إلى أن يؤدي بهم الأمر أحيانا إلى التسلط كما يعرض هذا في زماننا هذا، وفي مدننا هذه (ص171) وهي سياسة التغلب والاستبداد ويسمي بعض هذه السياسات بالسياسة الشهوانية.

إن شهوة الحكم ليست طبعا وإنما تكتسب، وإذا تمكنت هذه الشهوة بحاكم لم يستطع أن يتخلى عنها، وإن أهلك مدينته، ودمر شعبه، وهذا ما نراه اليوم في بلاد العرب، في أشد ما يكون ضراوة، فلا نريد أن نتكلم عن صدام، ولا عن القذافي، فهما عند خالقهما، وإنما خلفهما خلف مشؤوم يقتل الناس، ويحفر لهم مقابر جماعية في هجومه على طرابلس، وبالرغم من كل هزائمه ما يزال متشبثا هائما في هوى الحكم، وشهوة التسلط والفساد، فقد كل إحساس بالإنسانية، وكما يقول ابن خلدون «من فقد دينه وخلقه فقد إنسانيته».

إن هذه الانقلابات العسكرية التي لا تنفك عن استعمال قوة السلاح للتسلط، كأنها إرث متوارث، وكأنها تحولت إلى غريزة مغروزة في المتخلفين، شهوة لا تفارقهم، كما يحدث في السودان من حين إلى آخر، إذ يقوم جيشه بتداول انقلاب بعد انقلاب، فرط في جنوبه فخرج عن سلطانه، بما كان يسلكه العسكر والسياسيون من سياسات، مختلة، معوجة، في بلد غني، ولكن أفقره هؤلاء وواسع فضيقوه، وشعب طيب ذكي، فأضاعوه، وشتتوا أمره، ومزقوا وحدته، وأصبح غارقا في الديون، وما يزال العسكر يمسك بزمام الأمور، لا يتزحزح عن السلطة وساق معه سياسيين لا يدركون أنه لا يحكم السودان رأسان، رأس عسكري وآخر مدني، إنما ذلك تمويه على ما يسمونه ثورة، وتضليل للناس يضم مدنيين إليهم لا شأن لهم في واقع الأمر في السلطة، ولا تأثير، إنما الأمر كسب للوقت ليتمكن هذا العسكر الذي يصرح بأنه الوصي على السودان لا وصي غيره، ولا حاكم سواه لأنه صاحب البندقية وسلطان السلاح.

ألا متى تختفي شهوة الحكم والانقلابات من إفريقيا وبعض آسيا، أما ما يجري في تونس فإن شعبها لا يسمح بالانقلابات ولا بالدكتاتورية كما عهدناه وما يزال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى