في إطار النشاطات الثقافية العلمية والفكرية، التي تنظمها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، نظمت يوم السبت 16 ذو الحجة 1445هـ الموافق لـ22 جوان 2024م يوما دراسيا تحت عنوان: “قراءات في تفسير ابن باديس”، وذلك تزامنا مع الذكرى السادسة والتسعين لتأسيس جمعية العلماء المسلمين بالتقويم الهجري وبمناسبة ذكرى ختم الإمام عبد الحميد ابن باديس لتفسير القرآن “1357، جوان 1938″، نشطها الدكتور عبد الحليم قابة، نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وحاضر فيها كل من: الدكتور عبد العزيز شلي، رئيس المكتب الولائي لجمعية العلماء المسلمين، والدكتور عبد الغفور سيافة، عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وقد حضر الندوة الرئيس الشرفي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الأستاذ الدكتور عمار طالبي، وممثلو الشعب الولائية والبلدية، إلى جانب عدد من الطلاب وطالبات العلوم الشرعية.
الدكتور عبد الغفور سيافة: على الداعية أن لا يكتفي بتعلم الفقه والدين فقط بل عليه بالعلوم الأخرى
أكد الدكتور عبد الغافور سيافة، عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في مداخلته على أهمية العودة إلى العمل بالتقويم الهجري اقتداء بعلمائنا وعلماء الإسلام الذين كانوا يكتبون أدبياتهم فيبدؤون بالتاريخ الهجري، وكانت أمتنا تعتز وتفتخر بتاريخها الهجري، مشيرا إلى أننا نركز على التاريخ الميلادي لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي يوافق الـ05 ماي 1931 وأهملنا تاريخ التأسيس الهجري، حيث تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 17 ذو الحجة 1349هـ بنادي الترقي، داعيا في هذا الصدد إلى تعريف الأجيال بهذا الصرح، “نادي الترقي” التاريخي العظيم، الذي يحمل في طياته روح وعبقرية الرجال الذين ساهموا بعلمهم وفكرهم في تحرير البلاد من الاستبداد والاستعباد وتحرير العقول من الجهل والتخلف.
كما شدد الدكتور عبد الغفور سيافة على أهمية تحقيق التكامل بين العلوم الشرعية والعلوم الأخرى، كما كان عليه علماؤنا المسلمون السابقون وعلماء جمعية العلماء المسلمين، حيث لم يكونوا رجال دين فقط وإنما كانوا رجال دين وعلم وفكر وسياسة يتقنون العلاقات الدولية بامتياز، فكانوا يفقهون جيدا مؤامرات العدو ومخططات المستعمر الفرنسي، فتمكنوا من الحفاظ على الشخصية الجزائرية المسلمة وأفشلوا مخططات المستعمر الفرنسي الرامية إلى تنصير الشعب الجزائري وتجهيله. وقال في نفس السياق: على الداعية أن لا يكتفي بتعلم الفقه والدين بل عليه بالعلوم والثقافات الأخرى.
وفي مداخلته التي ألقاها بمناسبة الذكرى المزدوجة لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وذكرى ختم ابن باديس تفسير القرآن، تطرق الدكتور عبد الغفور سيافة للحديث عن مراحل ومحطات تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بدءا بلقاء العلامة عبد الحميد ابن باديس برفيق دربه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بالحجاز سنة 1913م، فكانا يلتقيان كل ليلة طيلة ثلاثة أشهر وأحيانا كان يحضر معهما الشيخ الطيب العقبي. وفي هذا الصدد قال نفس المتحدث: إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ليست كباقي الجمعيات؛ كيف لا وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تبذر بذرتها في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك هي لا تزال موجودة حتى الآن، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
وقال الدكتور إن شخصية العلامة عبد الحميد ابن باديس كانت تتميز بالطموح العظيم، حيث أراد الإمام عبد الحميد ابن باديس وتوأم روحه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي تخليص الوطن من قبضة الاحتلال وتخليص الشعب الجزائري من بطش الإستعمار الفرنسي وتخليص الإسلام من الكفر، مشيرا إلى طلب الإمام عبد الحميد ابن باديس من الشيخ محمد البشير الإبراهيمي المتعلق بإعداد برنامج خاص بتأسيس جامعة في الجزائر، وفي هذا السياق شدد المتحدث على ضرورة رفع مستوى وسقف الأحلام والأماني والأهداف وأن لا تقتصر الجهود المبذولة في جمعية العلماء المسلمين في تأسيس المدارس التحضيرية فقط.
كما تحدث عن إرهاصات تأسيس جمعية العلماء العلماء المسلمين مشيرا إلى أنهم كانوا رجالا عقلاء وحكماء فكانوا يتدرجون ولا يتسرعون، وأن مشروع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مشروع تحرري واستقلالي، حيث اتفق رجال جمعية العلماء على التضحية في سبيل الله فكانوا يتوسعون ويتوزعون في المداشر والقرى من أجل توعية سكانها وأعيانها بضرورة التحرر من الاستعمار الفرنسي.
وقال الدكتور عبد الغفور سيافة: إن تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كان ردا على احتفال المستعمر الفرنسي على مرور مئة سنة من تواجده في الجزائر. وبالتالي نهضة الأمم وانتصارها وتطورها يكون بدخول العلماء واجتماعهم، وانهيارها وانحطاطها يكون بخروج العلماء منها.
الدكتور عبد العزيز شلي: لا زلنا لا نعرف الشيخ عبد الحميد ابن باديس حق المعرفة
تحدث من جهته الدكتور عبد العزيز شلي، رئيس المكتب الولائي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قسنطينة، عن عبقرية الشيخ عبد الحميد ابن باديس وقدرته على فقه الواقع والنص القرآني، ثم التنزيل من أجل الإصلاح، حيث كان يملي عليه الواقع ليكتب كتاب التفسير ليعالج اكراهات وجراحات أمته، وحسب المتحدث: لم يكن ابن باديس يجلس في مكان ويخرج لأمته تفسيرا وإنما أخرج رجالا من التفسير، قائلا: “لا زلنا لا نعرف الشيخ عبد الحميد ابن باديس حق المعرفة لأن الدراسات التي أجريت حول تفسيره ومواقفه هي مجرد دراسات سطحية وبالتالي لابد من الغوص في تفسيره.
وذكر الدكتور عبد العزيز شلي، في مداخلته حول: “قراءة في تفسير ابن باديس بين الفهم والتنزيل”، أصول فهم ابن باديس لكتاب الله مشيرا إلى عدة مسائل متعلقة بالموضوع كمسألة تنزيل النصوص على الوقائع، ومعرفة الزمان واستلهام الظروف المحيطة، ومن أهم الوسائل التي تعين على الفهم، أشار الدكتور عبد العزيز شلي إلى أن العلامة عبد الحميد ابن باديس استعان بالإخلاص في تفسيره والعودة إلى مراجع العلماء الربانيين المخلصين.
وأضاف رئيس المكتب الولائي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقسنطينة، أن الإمام عبد الحميد ابن باديس قصد في تفسيره كتاب الله سبحانه وتعالى: بيان أن القرآن سبيل النجاة، وتربية الرجال القرآنيين، قائلا في هذا الصدد: إذا أردنا أن نتأسى بابن باديس فعلينا أن نعلم أبناءنا معاني القرآن الكريم، وذكر أنّ إسقاط النّصوص على الوقائع يحتاج إلى فهم النّص القرآني بدلالاته المتعددة وإلى فهم الواقع، فكان ابن باديس فقيها بالنص القرآني وفقيها بالعلاقات الاجتماعية وبأحوال النّاس، كما عالج ابن باديس -حسب المتحدث – مسألة علاقة الجزائر بالقرآن الكريم، وعلاقة الفقه والفتوى، والخطيب والخطابة، داعيا إلى تدريس هذا التفسير في مدارس جمعية العلماء المسلمين، وانجاز كتاب مسموع حوله ليتفاعل معه الشباب. كما دعا الباحثين والباحثات إلى إجراء دراسات عليا وأبحاث أكاديمية للمقارنة حول تفسير العلامة عبد الحميد ابن باديس وتفاسير المصلحين.
الدكتور عمار طالبي: لابد أن يتعلم الأطفال معاني القرآن الكريم
من جهته قال الرئيس الشرفي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الدكتور عمار طالبي: “لو أنّ أصوات الرعيل الأول من علماء الأمة مسجلة لسمعناها ولكنها مسجلة عند الله سبحانه وتعالى في الدعوة إليه والمصابرة على هذه الدعوة”، مثمنا دور جمعية العلماء المسلمين في تنظيم مثل هذه المبادرات الدعوية ومعالجتها لمثل هذه المواضيع الفكرية، داعيا إلى تعليم الأطفال والأبناء علوم الدين والتركيز على فهم معاني القرآن الكريم مشيرا إلى أنه على الرغم من اهتمامنا بالقرآن الكريم حفظا وتجويدا وترتيلا من خلال المدارس القرآنية ومن خلال مختلف الفعاليات والمسابقات إلاّ أنّه ينبغي على أبنائنا فهم وتدبر القرآن الكريم.