جمعية العلماء ومستقبل الجزائر

أ.د. عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

سوف تظل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بالرغم من تقوُّل المتقوّلين، وإرجاف المرجفين، ونشر الضبابية حولها من بعض الحاقدين، سوف تظل الكوكب المضيء الذي يهتدي به الساري في ظلمة الليل بالصحاري، والديمة التي تسقي العطاش في كل بيت وخيمة. ذلك أن جمعية العلماء، التي وضع أساسها العلماء العاملون الماهدون، وحمل مسؤوليتها، من بعدهم، الأحفاد الأوفياء المخلصون، هي الخيمة الكبرى التي تأوي كل المصلحين الصلحاء، والوطنيين الشرفاء، مهما اختلفت آراؤهم، وتباينت أصداؤهم.

إنها تتحدد –تلقائيا- كلما ادلهمت من حولها الظلمات، وتكاثر عليها الناعقون، من نشاز الأصوات، فتخرج قوية، عصية على ما قد يحاك لها من المكائد والمؤامرات.
حدث هذا في فترات مختلفة من تاريخ جمعية العلماء، وما إبداع الشيخ الإمام محمد البشير الإبراهيمي في الاجتماع الذي أعقب ما نشر من الأقاويل، وما كان يوضع من الأحابيل إلا الدليل القاطع على حمل جمعية العلماء لعوامل التجدد والتمدد فيها، وكانت رائعة الإبراهيمي التي استهل بها افتتاح الاجتماع بقوله: «أحييكم تحية الأبوة للبنوّة وتحية الشيخوخة للفتوّة، وتحية الضعف للقوّة» بمثابة الغيث النافع الذي بث الطمأنينة في القلوب، واستأصل من القلوب ما قد ألم بها من العيوب.
والتاريخ يعيد نفسه كما يقول البعض، فقد هيأ لنا أبناء وادي سوف الكرماء النبلاء، وهم سلالة الأماجد من المجاهدين والعلماء، هيأوا لنا الجو الاجتماعي الخصيب، والمناخ العلمي الحبيب، فكان الاجتماع المبدع للمجلس الوطني، للجمعية العامة الخامسة في دورتيه الثالثة والرابعة، الذي انعقد في بلدية كوينين الجميلة، وفي فندق التجاني بمرافقه الأصيلة.
رفع المجلس الوطني للجمعية في دورته هذه، شعار «إخاء- صفاء- وفاء- فشهد حضور الصفوة من علماء الجمعية، على اختلاف مواقعهم، ومناطقهم، بعد أن راهن البعض على عدم بلوغ النصاب، تحت ذرائع واهية، مثل البعد الجغرافي، وحلول شهر رمضان الشافي، وانعدام التواصل الكافي.
فَوَّتَ المخلصون من أبناء وبنات الجمعية وفي مقدمتهم علماء الوادي، فوتوا الفرصة على من كانوا يراهنون على عدم بلوغ النصاب، أو إحداث الاضطراب، فالتأم الجمع بكامل العدد، وشهد على ذلك المحضر القانوني المحايد والمؤالف للصواب.
انطلق الاجتماع في جو أخوي رائع، تميز بالتصارح والتصالح، والتصافح، فسما أبناء وبنات الجمعية إلى مستوى النقاش الحر الشائع الذي يميز العالم العامل صاحب العلم الذائع.
شهد القاصي والداني، بجو الحرية الفكرية الذي ساد، وبالصراحة والشفافية في طرح القضايا، بقوة الدليل، وصحة الإشهاد؛ وبذلك أبان أعضاء الجمعية عن وعي، ونضج، وحسن استعداد.
والحقيقة أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بالرغم من بعض النقائص التنظيمية التي تعود إلى قصر التجربة، أو ضعف ثقافة التنظيم في بعض الأحيان، أو الاتباعية المطلقة دون تمحيص أو تخصيص، إن هذه الجمعية تتحدث بلغة النتائج وإن النتيجة الدامغة تتمثل في الإنجازات، والتقارير الأدبية والمالية، وما أعقبها من نقاش حر مسؤول، ورد موضوعي معقول.
إن القراءة المتأنية للوثائق المقدمة، في الدورة، والأرقام الدامغة الموثقة قد أبانت عن صحة الجمعية، ويمكن التدليل –على سبيل المثال- على البعض منها مثل:
1- عملية الانتشار لهياكل الجمعية عبر كامل الولايات، فقد وصل تنصيب الشعب الولائية إلى واحدة وخمسين شعبة ولائية (51) من مجموع ثمانية وخمسين ولاية.
2- التسابق في فتح المدارس التعليمية عبر كامل البلديات، وخاصة العمل على هيكلتها، وفق المعايير البيداغوجية والعلمية والصحية، بإشراف متميز من اللجنة الوطنية للتربية، التي تحرص على الرقي بمدرسة الجمعية إلى تنظيمها تنظيما الكترونيا، يبعث فيها الشفافية، ويهبها الثقة والمصداقية.
3- التفاف الشعب حول الجمعية بعد أن وثق في صدقها ومصداقيتها، فخصص لها الهبات من بنايات أو مساحات، لتقديم المدد المطلوب لاستيعاب الجيل الجديد، وإعداده إعدادا أصيلا وأثيلا.
4- تجاوز الإشعاع العلمي والدعوى للجمعية حدود الوطن، إلى المنتديات العلمية والإعلامية العالمية، فصار يستأنس بآرائها، وأحكامها وهو ما يمثل الاعتماد العلمي والعالمي لمرجعية الجمعية الأصيلة والنبيلة.
5- انفتاح الجمعية على المخالف، على قاعدة أدب العلماء، لكن مع الصرامة في تطبيق قوانين الجمعية، وضرب المثل في التجرد من الذاتية والمصالح الشخصية وتقديم الدليل في التضحية من أجل بناء وإعلاء الجمعية.
نقول هذا، وكلنا قناعة، بأن جمعية العلماء، سوف تظل الثابت اللامتغير في الحفاظ على أصالة ووحدة الوطن، والمساهمة في صنع مستقبل الجزائر على أساس الثوابت التي وضعها أمامنا عبد الحميد بن باديس والذين معه.
ومهما ابتلينا بالإقصاء من جانب البعض، فإن مواقفنا، وأعمالنا ستظل شاهدة على مدى تجدرنا داخل البناء الوطني وفي الصباح يحمد القوم السرى.
في ظل هذه المعطيات كلها، نؤكد على تفاؤلنا، بمستقبل الجزائر، التي هي أيضا بالرغم مما يحيط بها من تلبد السحب، ستنعم بالشمس الدافئة التي ستنعش القلوب، وتزرع الدفء في العقول، وينعم أبناء وبنات وطننا، بالعيش الرغيد والمستقبل السعيد.
هذه يا إخوتي القراء، لمحات وإشارات عن واقع الجمعية في توقانها وتضلعاتها نحو المستقبل الوطني السعيد.
على أننا نؤكد في ختام كلمتنا هذه، على أن البناء لا يكون بالكسالى والمترددين، وإنما يتم بالتكاتف، والتآلف، والسمو والعلو عن السفاسف، والتحرر من الذاتية والمصلحية، ورفع شعار العدل بين الجميع، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم القائل: «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
يجب أن نتجاوز العاطفية إلى العقلانية، والشعبوية إلى النخبوية، كي نجد أنفسنا جميعا في خندق البناء الوطني، التجديدي الذي لا يقصي أحدا، ولا يضيق بالاختلاف، وينأى بالجمعية عن العصبيات الضيقة كيفما كان نوعها، وأيا كان فاعلها، وهكذا سنصل إلى تحقيق آمال علمائنا، ومجاهدينا، وشهدائنا، وهم القدوة لنا في جمعية العلماء.
وفي الدار جمعية العلماء تغذي العقول بوحي السماء
وتهدي النفوس الصّراط السّوي   وتغرس فيها معاني الإباء
تواكب نجم الشمال اندفاعا وتغمر أكوانه بالسّناء
ويعضد باديس فيها البشير فتزخر بالخلص الأصفياء
وتغزو الضلالات في التائهين مع الوهم في موكب الأغبياء
وترسي جذور الأصالة في الشعب تمحو بها وصمة الدخلاء
وتبني المدارس عرض البلاد فيعلي ابن باديس صرح البناء

Exit mobile version