الهزيمــة إسمهـا إفريقيــــا
أ.د. عبد الرزاق قسوم - رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
توشك أضواء الملاعب الحسية، أن تنطفئ في ياوندي بالكاميرون، بمناسبة انعقاد كأس إفريقيا، وذلك بعد أن انطفأت الأضواء النفسية في هذا الكأس، الذي جاء من منظور الملاحظين المتخصصين مخيبا لكل الآمال.
فقد كأس إفريقيا، ما كان معلقا عليه من آمال، فضاعت بذلك المعايير، وهزلت التدابير، وخاب ظن الجماهير، فأسفرت المنافسات عن فوز من لا يستحق، وإقصاء من يستحق، وأدرك الناس –بالبداهة- الفرق بين كأس العرب وكأس إفريقيا.
ليس هذا انتقاصا من القارة الإفريقية التي تزخر بالقدرات، والكفاءات، والقيم، ولكن عيب إفريقيا، يكمن في القائمين عليها على جميع المستويات، وما هذه الانقلابات التي تنبت في كامل أجزاء إفريقيا كالفطريات إلا عينة مما يحدث على الصعيدين السياسي والعسكري، وينسحب على الرياضي والاقتصادي الخ، وليقس ما لم يقل.
قد يعجب البعض من كل هذه العناية التي نوليها للرياضة، مع أن لسان الرياضة أعجمي، ولساننا في جمعية العلماء عربي مبين، غير أن اهتمامنا بالرياضة نستوحيه أولا من تعاليم ديننا، «فالمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، وثانيا نستلهمه من الوفاء لأسلافنا العلماء الذين فقهوا أهمية الرياضة في الإعداد والاستعداد، فمنحوها العناية المطلوبة، وثالثا لأن الرياضة هي صانعة الفرحة لدى الجماهير، والقاضية على الفجوة التي تفصل بين الجيل الصغير والجيل الكبير.
من هنا كان اهتمامنا بالأمس بكأس العرب الذي انعقد بقطر، ويأتي اهتمامنا اليوم بكأس إفريقيا، التي ضمت كالأولى خيرة شبابنا في كرة القدم.
فإذا نزلنا هذه العوامل كلها على واقع كأس إفريقيا، وعلى فريقنا الوطني الجزائري بالذات، بين لنا حجم الكارثة التي طبعت منافسات كأس إفريقيا.
إن النكسة التي حلت بالفريق الجزائري وفرق إفريقية أخرى، تظهر بما لا يدع مجالا للشك، أن «فيه شيء غلط» كما يقول إخواننا في مصر، لذلك ستخضع التجربة الإفريقية للتحليل الدقيق والعميق، لنستخلص الخبر والعِبر، ويمكن التركيز على مجموعة من العوامل وأهمها:
1- سوء التنظيم الذي يبدأ بالتوقيت في مواعيد المنافسات، فالفريق الجزائري برمجت مقابلته الأولى في قمة وقت الحرارة على الثانية زوالا في المناخ الإفريقي، والجميع يدرك هول هذه المعاناة.
2- فقد المناعة الرياضية في المقابلات التي ميزها الروتين، إلى جانب العنف البدني وتقارب المستوى في الأداء، مما جعل الكثير من الفرق تلجأ إلى الوقت الإضافي، أو إلى ضربات الترجيح.
3- ضعف التحكيم، إن لم نقل تواطؤه في بعض الأحيان مع المحاباة، لتفضيل فريق على آخر، وإلا فهل يعقل أن شاشة المراقبة الرئيسية تعطل في مقابلة الجزائر وحدها، دون باقي المقابلات.
4- سوء اختيار الملعب، الذي أنهك اللاعبين وفيهم من تعود اللعب في ملاعب ذات مستوى دولي، كملعب البليدة، وملعب الخامس من يوليو، وملعب «ويمبلي»، وملعب الدوحة…. الخ.
فإذا أضفنا إلى كل هذا، سوء الإقامة في الفنادق، وانعدام الأمن حولها، ممثلا في العدوان على بعض الإعلاميين أمام الفندق، إن هذا كله إن دل على شيء فإنما يدل على وجود نظرية المؤامرة في هذه المنافسة الدولية الإفريقية، وبكل أمانة، فإننا نحمل بعض القائمين على الوفد الجزائري، مسؤولية ما وقع للفريق الوطني، وما جَرَّه ذلك عليه من كوارث.
فلو أن القائمين على الشأن الرياضي أدوا واجبهم في فرض الشروط الرياضية المطلوبة، كالوقت المناسب، والملعب المناسب، والفندق المناسب، وحتى التحكيم المناسب، لكنا جنبنا فريقنا الكارثة التي حلت به، ممثلة في انسحابه المبكر من المنافسة.
إن عزاءنا في كل هذا، أن الهزيمة لم تحل بفريقنا، وإنما الهزيمة اسمها إفريقيا، وكما قال المعلق القدير حفيظ دراجي: «إن كأس إفريقيا هو الذي خسر الفريق الجزائري وليس العكس»، ففريقنا تشهد له سلسلة الانتصارات التي فاقت الثلاثين، والتي كانت على أحسن الفرق في إفريقيا وفي العالم، فكيف يعقل أن ينهزم هذا الفريق أمام فرق محدودة المستوى هنا وهناك.
ورب ضارة نافعة، فإن ما وقع للفريق الجزائري في الكاميرون، سيكون المهماز الذي يوقظه من سباته الإفريقي، ويبعث به عن جدارة واستحقاق إلى كأس العالم الأرحب، والأصوب، والأطيب.
أما ما نوصي به فهو أن لا نظلم الفريق أو مدربه، الذين أثبتوا جدارتهم وقدرتهم في أكثر من ملعب، وفي أكثر من مقابلة، وبدل أن تلعنوا الظلام اشعلوا المصباح، فلا تلوموهم ولوموا أنفسكم.
إننا –إذ نودع كأس إفريقيا بكل أسى وحزن- فإننا نتطلع إلى كأس العالم بثقة وإيمان في شبابنا، الذين سيحققون النصر المغلق في إفريقيا، لينطلقوا نحو كأس العالم، ويومئذ يفرح الجزائريون، وعشاق الكرة في كل أنحاء العالم، واللهم لا شماتة كما فعل بعض الرعاع، والسفهاء.