ولقائل أن يقول: وما شأن العلماء بالرياضة وخاصة في شكلها الكروي، التنافسي، وقد أصبحت بمثابة المخدر للجماهير؟ ألم يحكم الرياضيون أنفسهم على الرياضة بأنها تحتوي على مجموعة من الآفات، كالمال الفاسد، والتعصب البائد، وتلهية الشعوب عن أداء الفرض والواجب؟
أليست الرياضة أعجمية الإنسان، وعولمية العنوان، وانسلابية البنيان والكيان، في حين أن العلمائيين، ربانيو الإيمان، ودستوريو القرآن، وعروبيو اللسان؟
كل هذا وأكثر نعرفه عن الرياضة اليوم، غير أن اهتمامنا بالرياضة ينبع من عنايتنا بالجوهر لا بالمظهر، وبالمخبر لا بالمنظر. فنحن نسلم للرياضة، من حيث المبدإ، اهتمامها بالعقل والبدن، وتسليتها للجماهير بإبعادها عن الوهن والحزن.
كما أننا، بدافع الوفاء لروادنا الماهدين من العلماء، نعمل على ترشيد الرياضة، وتطهيرها من كل أنواع الفساد والإغاضة، فقد دشن إمامنا عبد الحميد بن باديس الجمعيات الرياضية، يربطها بالمولد النبوي، فوضع لنا شعار «المولودية» وما يوحي به هذا الاسم، من سمو وعلو، ومن تقدم ونمو.
فإذا نزلنا هذه المبادئ والقيم على واقعنا العربي الإسلامي، اكتشفنا مدى الفجوة التي تفصل بين الواقع العربي، وما يوحي به واقع «الكأس العربي».
فلئن كنا نسلم «لكأس العرب» الدائر اليوم في قطر، هذا البلد العربي الطيب الأثر، من حسن تنظيم، وحفاوة التكريم، ولئن سلمنا للشباب العربي الرياضي ما يقدمه على ساحة الملعب، من إبداع وإمتاع في الأداء، ومن تسامح في المعاملة ونبل الإخاء، لئن كنا نسلم بكل هذا، ونعتبره مقدمة سليمة للبناء، فإننا نسلم أيضا، وبمرارة، أن هذا المشهد الجميل العاكس للانضباط، وحسن التمثيل، لا يعكس واقع الشباب العربي في معاناته وانكساره الذليل.
فالشباب العربي، في غالبيته، قد طحنته الحروب، وقهرته المحن والكروب، فهو يغامر بالإلقاء بمصيره، بين أمواج البحار، غير مبال ما في ذلك من انتحار. كما أن «كأس العرب» لم ينجح في إخفاء العبث بالطاقات، وتغييب أو سجن الكفاءات، والسطو على أموال الأمة من شرذمة العصابات.
فلئن استطاع «كأس العرب»، أو «كأس إفريقيا» أو «كأس العالم» أن ينسي الجماهير واقعها المؤلم، لبضع ساعات، فإن الجرح الغائر في أجسام هذه الجماهير تحت طائل الفقر، والظلم، والاستبداد، سيظل هو الطابع المأساوي المميز لهذه الجماهير المطحونة، وكان المواطن فيها يصرخ في وجوهنا بقول الشاعر:
لا تحسبوا رقصي بينكم طربا فالطير يرقص مذبوحا من الألم
وبعد!
هل نلغي الرياضة من حياتنا، وهي الصورة المشرقة التي تبهر عيوننا بأضوائها وأدائها؟
هل نخرج من منافسات العالم، والتنافس الإقليمي والقاري، لمجرد أن جماهيرنا، لا تجد صورتها البئيسة، فيما تغدق من أموال على اللاعبين، وما يقدم للعالم عنا، على مسرح الممثلين؟
لا ! إن كل ما نطلبه، هو أن يأخذ الحاكمون عندنا، دروسا من الملعب، في حسن الانضباط، وتطبيق القوانين على الجميع، كما يطبق في الملعب بين الرفاق، نريد من القائمين على الشأن عندنا، أن يوازنوا بين ثقافة الترويض في الميدان، وثقافة العناية بالعقل في النهوض بالإنسان.
مطلوب من الجميع، أن يستخلص دروس التسامح من اللاعبين مع المنافس والمخالف، فالثقافة كل لا يتجزأ، ولا يمكن للإنسان أن يكون عادلا في الملعب، وظالما خارج الملعب.
وإن مما حز في قلوبنا، هو أن الرياضة قد حادت في بعض الأحيان عن جادتها، فتسيست، وتمردت عن قيمها ومبادئها فتحزبت.
وعلى سبيل المثال، فإن المقابلة الرياضية النظيفة التي دارت بين الفريقين الجارين الجزائر والمغرب، قد حولها البعض عن نهرها الرياضي، للزج بها في أتون السياسة، وما كنا نريد لها ذلك.
على أن خروج فريق البلد المنظم لكأس العرب، من السياق النهائي، قد يقدم عينة –بالرغم من قد يلاحظ من تعسف بعض الحكام- ، يقدم عينة على أن الرياضة، لا تزال تحتفظ بالحد الأدنى من تطبيق القوانين وحمل اللاعبين على الالتزام بالقوانين.
وأيا كانت ملاحظاتنا، وانطباعاتنا، على منافسة «كأس العرب» فإننا نسلم، بأن هذا كل ما بقي للعرب، مما يوحدهم، ومما يربط بينهم.
ولعل العناية الإلهية، قد أبت إلا أن تقدم لنا درسا عاليا وغاليا من «كأس العرب»، وهو أن المنافسة النهائية على «كأس العرب» قد كانت لبلدين لم يتلوثا بجريمة التطبيع، وفتنة الهرولة، والتبديع، فقد حمى الله الجزائر وتونس من آفة التطبيع، فأهلهما للحصول على «كأس العرب» كرمز لصفاء النفس، ووضع هذه الكأس، بعيدا عن أية لوثة أو بأس.
نريد إذن، لهذه المنافسات الرياضية أن تسمو في أدائها، ومقاصدها، ومضامينها، عن إدارة الظلم، والفساد، وأن تبقى رمزا لطهر العباد، ونقاء البلاد.