مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس
متداول

عُبَّادُ «البقرة» يضطهدون حُفّاظ «البقرة»

بقلم أ.د عبد الرزاق قسوم

تعال معي –يا قارئي العزيز- أنقلك إلى عالم السيخ، والنسخ، والأشباح، وعالم الزهد، والفيض والأرواح، إلى شبه القارة الهندية، حيث يتجاور، في محيط غريب عُبّاد البقرة من البرهميين الهندوس، وحُفَّاظ سورة البقرة من المسلمين المتعبدين بالواحد الملك القدوس.

إنها معادلة عقلية، يصعب حلها، وقناعة عقدية يستحيل تبريرها. وأنّى للعقل السليم أن يجمع بين البقرة الحيوان التي يعبدها الهندوس، وآيات سورة القرآن التي يتعبد بها المؤمن الرئيس والمرؤوس..

 

ذلك –إذن- هو شأن الهند المليء بشتى المقولات، والمتعدد المسارب، والمتنوع العبادات.. وهذه السطور، محاولة عصرية أشبه بالمحاولة التي قام بها العالم المسلم البيروني قديما، حينما عنون كتابه بـ: « تحقيق ما للهند من مقولة، مقبولة في العقل أو مرذولة».

لقد أتيح للبيروني من خلال المشاهدة العينية أن يكتب وصفا لواقع شبه القارة الهندية بمقولاتها المقبولة والمرذولة، فحين فتحنا نحن عقولنا، على الهند، وجدناه مكبلا بشتى أنواع التفرقة والشتات التي غرسها فيه الاستعمار الإنجليزي، وهو ما جعل المصلح الكبير جمال الدين الأفغاني، يصيح فيهم، مستنهضا هممهم بقوله: لو مسخكم الله ذبابا، لأخرجتم الإنجليز من بلادكم بطنينكم.

ولقد آتت هذه الصرخة من الأفغاني اكلها، فنهض الزعيم الهندي المهاتما غاندي، فاقتبس من الإسلام قيمة الصوم التي أيقظ، بها أمته حين صام وأعلن أنه لن يفطر إلا بعد تحقيق وحدة الهند، وهو ما جعل الأستاذ احمد توفيق المدني من علماء جمعية العلماء يكتب في البصائر،  تحت عنوان «رجل يصوم وأمة تنقاد».

وحّد غاندي أمة الهند ضد المستعمر دون مراعاة، لتنوعها الطائفي، أو العقدي أو اللغوي، فعمل على تعايش الجميع، لذلك أحببنا ونحن المسلمون الزعيم غاندي وهو الهندوسي، لتسامحه واعتداله.

كما خلف غاندي من بعده، جواهر لال نهرو، الذي اتسم هو الآخر بأدب الاختلاف، والانفتاح على المخالف، فهو الذي تبنى قضية الجزائر الثائرة، فدافع عنها في المحافل الدولية، وهو الذي ساهم في إنشاء حركة عدم الانحياز الدولية إلى جانب جمال عبد الناصر، وبن بلة، والماريشال تيتو، وأحمد سوكارنو، وهم مختلفوا المعتقد والقناعة..

وفي الجانب المقابل للهندوس، أنجب الهند عظماء من المسلمين، من أمثال، العلامة الندوي، والشاعر محمد إقبال، والأستاذ حميدو الله، وغيرهم ممن ساهموا في بناء حضارة الأخوة والتسامح في الهند.

ولكن خلف من بعد جيل العمالقة الهندوس والمسلمين المتسامحين، خلَف من بعدهم أقزام هم أتباع الحزب الهندوس البرهمي السياسي، فنسخ عمل الكبار، ونشر في الناس فتنة الكراهية، والتعصب، والإقصاء والإلغاء للمسلمين الأبرياء الأطهار، وكان ما نشاهده اليوم من ظلم، وتهجير، واضطهاد للمسلمين في الهند، وفي كشمير، وفي منطقة آسالة الهندية.

إن أنكى الفضاعات ما شاهدناه من قتل المسلم المسن، وهو يتلو القرآن في المسجد، ومن سحل شباب  بريء في الشارع، ويرقص المجرمون على جثته، وغير ذلك من الفضائع التي يندى لها جبين كل عاقل أيا كانت ديانته وقناعته.

ولقد ذكرني مشهد الراقصين على جثث الضحايا بقول الشاعر:

لا تأسفنّ على غدر الزمان لطالما

رقصت، على جثث الأسود كلاب

لا تحسبنَّ برقصها، تعلو على أسيادها

تبقى الأسود أسودا، والكلاب، كلاب

هكذا أصيبت الهند التي كانت مثالا للتنوع الديني، والتعدد الثقافي، والتسامح الطائفي أصيبت بنكسة، بسبب، سطو الحركة الهندوسية البرهمية، على الكسب السياسي، لتدوس بذلك على كل القيم الدينية والإنسانية.

إن هذه الصورة القبيحة التي تقدم اليوم عن الهند والمطبوعة بطابع التعصب، والعدوانية، والإستئصالية، هي الصورة التي انتقلت عدواها، إلى بلدان آسيوية أخرى يحكمها الهندوس مثل سيربلانكا، وبورما والنيبال، بل وحتى الصين، وكل هذا تحت ذريعة الشوفينية المقيتة، فأصبحت هذه النزعة العنصرية تضطهد كل من ليس هندوسي الأصل..

هي أخت الصهيونية العدوانية الإستئصالية التي تقيم معتقدها السياسي على قاعدة التطهير العرقي والديني.

فما يفعله الصهاينة في فلسطين، هو عين ما يفعله الهندوس المتعصبون ضد المسلمين في الهند وفي كشمير.

وما كان للصهاينة أو الهندوس، أن يسترخصوا دماء المسلمين، وأعراضهم، لولا ضعف ملموس في حكام المسلمين، وتهاون محسوس لدى أغنيائهم، ودور مطموس لدى علمائهم.

وإلا فما جدوى وجود منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم العشرات من الدول الإسلامية؟ وما فائدة وجود جامعة الدول العربية، التي تضم أغنى وأعرق الدول العربية؟

إن قوة الصهاينة والهندوس من ضعف العرب والمسلمين، في كل مكان. فلو أن هؤلاء أشهروا سلاح الدبلوماسية بقطع العلاقة مع الهند وإلغاء التطبيع مع الصهاينة بسبب سياستهم الخرقاء، لقطع دابر القوم الذين ظلموا.

ولو أن رجال الأعمال والاقتصاديين في البلاد العربية والإسلامية، استخدموا سلاح المقاطعة الاقتصادية والتجارية مع الاتجاهات المعادية لديننا ولهويتنا شرقا وغربا، في الهند وفي فلسطين، وفي فرنسا، وغيرها، لجففت منابع الميز العنصري، والعدوان العرقي، وكل أنواع الإسلاموفوبيا.

فيا إخوتنا المسلمين!

إن نصرة الأخ المظلوم واجب إنساني  وديني يقع على عاتق كل مسلم، حيثما كان مستواه، ويكون ذلك بالكلمة، وبالاقتصاد، وبالمقاطعة.. وذلك استجابة لنداء الله تعالى:

﴿ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [ سورة الأنفال، الآية: 72].

وقوله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾

[ سورة البقرة، الآية: 217].

إننا نأمل أن ينهض العقلاء في الهند بواجب التوعية والإصلاح بالضرب على أيدي الغلاة والعصاة، والمتعصبين.

كما نأمل أن يضطلع العلماء في المجتمع الإسلامي بدورهم الريادي، إنقاذا لهذا المجتمع الإسلامي المنحل، والمختل، والمعتل مما يعانيه، وإلا فسنتحول جميعا إلى مضطهدين حتى في بلداننا، والعياذ بالله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى