مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

هــل الإمـــام أصبـــح ضحيـــة؟

بقلم أ.د عمار طالبي

نرى هذه الأيام جريمة العدوان على الإمام الذي يرشد الناس، ويعظهم ويعلّمهم، ويصلي بهم، ويعلّم أبناءهم القرآن والحديث النبوي، وهو ينوب عن مقام الإمام الأول لهذه الأمة وهو مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنها جريمة نكراء لا يقبل عليها إلا من أوغل في الإجرام والتوحش، وفقدان عنصر الإنسانية.

وقد رأينا أن الدولة جعلت يوم 15 سبتمبر يوم وفاة الشيخ الصالح: محمد الكبير رحمه الله تعالى، يوما للإمام وكرامته، وهو الذي التقيت به أنا شخصيا مرتين في منزله حيث أقام مأدبة عشاء لي وللأخ عبد الوهاب حمودة رحمه الله، لما ذهبنا إلى أدرار لتأسيس معهد الشريعة التابع في ذلك الوقت لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، وحضرنا درسه في شرح مختصر خليل في الفقه المالكي في مسجده، وكان عدد الطلاب عنده يزيد على ستمائة طالب.

إن قتل الإمام في برج بوعريريج والتمثيل به جريمة لا تغتفر، وعدوان وحشي موغل في الوحشية، لا يقدم عليه إلا من فقد أخلاقه ودينه وإنسانيته، وفطرته الأصلية.

إن المجتمع الذي لا يحترم أيمته، ومرشديه، ووعاظه مجتمع مختلّ في علاقاته الاجتماعية، وقد تمزقت شبكة علاقاته الأخلاقية والدينية.

والواقع أننا نرى أيضا عدوان بعض التلاميذ والطلاب على معلميهم وأساتذتهم، وهذه ظاهرة عنف لا تراعى فيها أية قيمة أخلاقية، ولا دينية، وهذا له دلالة أخرى، وهي أن المنظومة التربوية الأسرية، والمدرسية مختلّة، بئيسة، تخلو من القدوة، ومن التربية الدنية والأخلاقية في مناهج المدرسة، ومن عناية الأسرة بتربية أبنائها، فنشأ جيل منفلت متهور، همه الانتقام والعدوان إذا تعرض لأدنى ضرر، أو أذى.

كنا نعْلم أن الإمام هو الذي يصلح بين المتخاصمين، ويدفع كل ضرر يصيب الناس، بما يبذله من جهد في إصلاح ذات البين، وتوثيق المحبة بين الناس، بدروسه ووعظه، وبثّه لتعاليم الإسلام في اللطف والرحمة، واللين، ورقة القلوب، والبعد عن كل ما يؤذي، ويضرّ بالإنسان في كرامته، ويلجأ إليه المتخاصمون، ومن يقبل على الزواج، للاستشارة، والخِطبة، والتقريب بين الأسر، وتكوين أسر جديدة، بناؤها على الود والرحمة، والاحترام.

لكن نرى هذا أخذ يختفي، ولذلك لابد من الردع والزجر لهؤلاء المجرمين من أجل أن لا يقدم أي إنسان على مثل هذا العدوان، فإن الشريعة تأمر بالقصاص في القتلى

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى…﴾، وأولياء القتيل إذا طالبو به فإن القاضي يجيبهم شرعا اللهم إلا إذا عفوا وتصالحوا وقبلوا ما يؤديه القاتل من أداء يرضي أولياء الدم، والشرع حث على العفو وقبول ما يؤديه القاتل لأنه قاتل عمدا، وليس خطأ حتى يطالبوا بالدية شرعا.

إن العدل يجب أن يأخذ مجراه لإيقاف أمثال هذه الجرائم التي انتشرت في المجتمع هذه الأيام فالزوج يقتل زوجه، والأخ يقتل أخاه، والجار يقتل جاره، والسارق يقتل المسروق ظلما وعدوانا.

نحن نرى مع الأسف الشديد أن القضاء لا يأخذ مجراه، ويطول أجل الوصول إلى الحكم، ويظن القاتل أنه نجا، ويتشجع غيره على الإقدام على مثل فعل ذلك المجرم، وأصبح السجن مدرسة لتعليم الإجرام، والإصرار عليه، إلا من رحم ربك منهم، وقد يطول القضاء سنين دون الوصول إلى حكم نهائي يطمئن إليه أهل القتيل، وربما فكروا في الانتقام إذا رأوا هذا التماطل والتأجيل والاستئناف، وما إلى ذلك من وسائل التأجيل، والمماطلة التي لا تردع ولا تحسم الأمر بما يرضي أسرته والمجتمع.

نسأل الله اللطف في أرواح الناس، وندعو القضاء أن يحسم هذه الجرائم بالعدل والرادع للحفاظ على النفوس التي حرّم الله العدوان عليها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى