مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس
متداول

هل تبدو تباشير لنهضة العالم الإسلامي؟

بقلم أ.د عمار طالبي

شاهدنا منذ أيام معدودة العرب يحاولون جمع شملهم بالتعاون والتناصر، في بغداد التاريخية التي خربها الأمريكان منذ عهد بوش المتعجرف، وإلى الآن لم تأخذ عافيتها ولا أرست دولتها على برّ الأمان، ولكنها تحاول أن تنهض بعد تشتت وتمزق في نسيجها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولعل الأكراد اليوم لا يلحون على الانفصال الذي لا يكون في صالحهم إذا تمّ؛ ولعل الأمريكان لا يميلون اليوم إلى الاستمرار في تأييدهم.

والظاهرة الجديدة أيضا وجود إيران في هذا الاجتماع العربي، ولعل السبب في ذلك هذا التفاوض بين السعودية وإيران، ولعل هذا ملمح من ملامح جمع شتات المسلمين الذي بدأ يلوح في الاجتماع الذي تم في ماليزيا، وحاولت أن تجمع بين الدول الإسلامية بنظرة استقبالية تنحو نحو نوع من الاتحاد الفدرالي أو ما يشبه ذلك مما سماه مالك بن نبي كومنولث إسلامي الذي يعتبر من الوجهة الاستراتيجية أمراً مهما إذا قام على سوقه بداية من الناحية الاقتصادية، والتعاون السياسي والعلمي.

ولعل هذا التجمع الذي وقع في الجزائر الذي يجمع بين الدول المجاورة للوطن الليبي من مصر والسودان والتشاد والجزائر، أمر استراتيجي آخر في شمال إفريقيا، فيكون خطوة أخرى في بناء وجهة العالم الإسلامي، وإبعاد هذه الحروب المتوحشة التي يشنها الغرب والشرق على ليبيا وغيرها أيضا، ليبقى هذا العالم في قبضة هؤلاء الطامعين الذين لا يكفون عن استضعاف المسلمين شرقا وغربا، ولعل الصين وروسيا تتجه إلى أفغانستان، وإيران، وقد توقع الاستراتيجي الأمريكي في نظريته في صدام الحضارات، التقارب بين الصين وبين العالم الإسلامي ضد الغرب يكون أمرا محتملا، فالتقارب بين باكستان والصين يبدو أمرا واقعا جغرافيا وسياسيا.

وهذه أفغانستان تخرج من الاحتلال ولم تأخذ طريقها بعد بوضوح، وما تزال تتبين وجهتها الإسلامية، هل تكون على المذهب الحنفي الذي تنتمي إليه، وهو مدرسة تقوم فيما تقوم عليه على الرأي والنّص، وليست مدرسة ظاهرية تسلك مسلك الجمود على ظواهر النصوص، ولا تنفذ إلى معانيها ومقاصدها، وكانت في دولتها الطالبانية الأولى تميل إلى السلفية الظاهرية النصوصية الحرفية المتطرفة، فهل تغيّرت ونضجت في هذه المدة الطويلة في مقاومتها وصراعها مع الأمريكان وحلفائهم من الدول الغربية والحلف الأطلسي؟ يبدو من تصريحات مسؤوليها أنها نضجت وأدركت معنى الدولة، ومعنى السياسة المستقلة، وهي لم تأخذ الحكم في أول الأمر، وأخذت تشاور وتحاور، وإلى الآن ليس لها إلا حكومة مؤقتة، ولم تلجأ إلى الانتقام وقهر الناس.

يمكن القول إن الأمريكان أيضا أخذوا يتراجعون عن هذه الحروب التي كانوا فيها من الخاسرين، وخاصة أطول حرب أوقدوا نارها طوال عشرين عاما، خسرت فيها ما خسرت من الجنود والأموال، وتقول إنها أدت مهمتها في القضاء على القاعدة باغتيال بلادن، وأنها قضت على نظام الدولة وتبين أنها لم تحقق ما تريد، فخاب ظنها في تكوين جيش أفغاني لا عقيدة له، سلحته ودربته، ولكن ذاب في آخر لحظة، كما ذاب جيش صدام في العراق، واختفى، وكان يفاخر ويكاثر ويغالب به.

ونحن نعتقد أن هذه الحروب التي شنتها أمريكا معتمدة على القوة، قوة السلاح، وقوة الاقتصاد، يمكن أن تأخذ درسا مهما من تجاربها هذه، ومن تاريخها المعاصر، فإن الاغترار بالقوة لا يقهر إرادة الشعوب التي تأبى الاحتلال، فقوة هذه الإرادة في نهاية الأمر تنهك قوة السلاح، وتكيد له كيدا يجعل قوة السلاح غير مجدية، وتكبّده خسائر فادحة مع طول الزمن.

ويعلمنا التاريخ الحديث هذه الحقيقة، فالشعب الجزائري كانت ثورته أساسها إرادته وقوة عزائمه، جمعت فرنسا ما يزيد على مليون جندي مدججين بالطائرات، والنابالم المحرق، والدبابات، والصواريخ، وتدمير القرى والزروع، وإزهاق الأرواح بطريقة وحشية، وأكثر ما تجمع من هذه الجيوش الفرنسية في عهد ديغول، الذي أدرك أنه لا يمكن أن يصل إلى هدفه، وهلك اقتصاد فرنسا، وانزعج الشعب الفرنسي من قتل أبنائه يوميا في الجزائر، فقامت مظاهرات واحتجاجات، فأدرك ديغول وأنصاره كما أدرك بايدن الأمريكي اليوم أن التفاوض مع «الفلاقة» والخارجين على القانون في نظرهم هو الطريق للخلاص من هذه الورطة الاستعمارية، ونرى اليوم الأمريكان يتفاوضون مع طالبان الإرهابية في نظرهم، فهي أمر واقع، ويعترفون بذلك، ولكن يشترطون على طالبان أن تؤمن الطريق إلى المطار، وأن تسمح للأمريكان وعملائها الأفغان أن يغادروا، في الوقت الذي نرى فيه جنودا أمريكان يخربون أجهزة المطار، ومرافقه عمدا جهارا نهارا، ومعنى هذا أن القوة فشلت مع طول استعمالها في تدمير الشعب الأفغاني الذي يدعونه ليحافظ على مكتسباته، أي مكتسبات هذه؟ فهم تركوا البلاد خرابا يبابا حتى الطريق من كابل إلى قندهار تراه حفرا وراء حفر، لا تكاد تقطعه المركبات إلا بشق الأنفس، وقد سجلت أشرطة لجنود حلفاء لأمريكا يقتلون الراعي، والزارع، والمقيم في منزله، وهو أعزل وليس له أي استعداد للقتال بوحشية فظيعة.

ألم يأخذوا درسا من حرب فيتنام وهم الذين ليس لهم إلا إرادة قوية، وعزم على المقاومة فوق الأرض وتحتها، حتى زلزلوا الأرض تحت أقدام الجيوش الأمريكية، فاضطروا للانسحاب، كما اضطر بايدن اليوم في أفغانستان، وبعد سنين طويلة اضطروا أن يعترفوا بكوريا.

وها هي كوريا الشمالية استعصت عليهم وهددت أمريكا، ففهمت الدرس بعد لَوْنٍ من مغازلة ترمب رغم عنجهيته، وتهديداته، ثم اضطر للسكوت.

ونرى اليوم أرادة الشعب الفلسطيني التي قاومت من تحت الأرض ومن فوقها، كالشعب الفيتنامي، واستطاعت هذه الإرادة أن تشق الأرض بوسائل لا تكاد تصدق، ويخرج من حكم عليهم إلى الأبد من هؤلاء  الأسرى الذين قدروا على الانفلات من تحت شق الأرض رغم الكامرات والحراسة المشددة، وهذا يذكرنا بما قام به المجاهد العظيم ذي الإرادة الحديدية مصطفى بن بولعيد في الثورة الجزائرية، وليعلم الصهاينة أنهم لا يستطيعون أن يقهروا هذه الإرادة وأن قوتهم التقنية وسلاحهم النووي لا يجدي أمام قوة إرادة الشعوب، فنحن نحيّي هؤلاء الجبّارين في إرادتهم الجبارة، وعزائمهم الفولاذية.

فلا يغتر هؤلاء الظلمة المحتلون بأسلحتهم، وإنهم جبناء عند اللقاء والمواجهة لهذه الإرادة.

إن إرادة الشعوب الإسلامية لا شك أنها تدفع إلى رد العدوان، ومقاومة الاستبداد، وإلى الوجهة الصحيحة إلى التوحّد، فالإسلام دين التوحيد والاتحاد، ودين الأمة الواحدة، فهي أمة لا تموت رغم هذه المحن، إنها في الطريق إلى الوعي والحرية، وإبعاد القوات الأجنبية عن البحر الأحمر والخليج، بحر العرب.

إنها أمة موقعها استراتيجي في هذا العالم، فلنتحرر من هذا التسلط المتوحش، وما يكون لها أن تتكل على الآخرين لحمايتها فذلك ضلال مبين، وإدخال الصهاينة في هذه المنطقة لا يزرع إلا التهديد بالحرب، وتشتيت الأمة الواحدة، فليدرك حكام العرب هذا، وليمدوا أيديهم إلى إخوانهم في آسيا وإفريقيا، فإنهم قوة لا تقهر، إذا عزموا وشدوا أواصر الأخوة العظمى لنهوض أمتهم في هذا القرن، وما الشباب اليوم إلا طلائع لهذه النهضة وتباشيرها، بعلمه ووعيه وطاقته، ونِعم الشباب هذا الشباب، ونِعم الطاقة هذه الطاقة.

ولنا أمل وطيد في أمتنا فلا يأس ولا إحباط.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى