في زمن الحشرجة المهيبة، وتفشي أعراض الجائحة والمصيبة، عندما بلغت القلوب الحناجر، وضاقت –بالمصابين- المستشفيات والمقابر، وصار الموت يحصد أرواح الأصاغر والأكابر… فماذا نحن فاعلون؟
إن الموت يطوّقنا من كل جانب، وإن المعاناة تستبد بالأباعد والأقارب، خصوصا وقد شح الدواء، وتلوّث الهواء، وحيل بيننا وبين المال الذي هو إكسير الأغنياء، وجلب الأوكسجين، الذي هو الغذاء. فكيف يجب أن نكون؟
هل نستسلم للابتلاء؟ وهل نرفع الرايات البيضاء؟ وكيف يستقيم هذا، ونحن أمّة الإيمان والدعاء، والمؤمنون بأن لكل داء دواء؟
لقد تنادى العلماء، والعقلاء، والحكماء، والنجباء، إلى كلمة سواء، أن حذار، فقد تعالت أصوات المعذبين إلى عنان السماء، وأنه لابد من إحداث هبّة تضامنية وطنية وشمولية، لجمع مال المحسنات والمحسنين، وشراء الأوكسجين ولو في الصين.
هكذا –إذن- تمت تقوية أسباب الألفة والأخوة، أداءً للواجب الاجتماعي، بهبّة تحرك الساكن، وتنطق الساكت. فكانت العملية المباركة، في الأمة ذات المقومات الروحية، والثقافية المتميزة، وكان اليوم المفتوح الذي نظمته جمعية العلماء بالشراكة مع مجمع الشروق، وبمباركة من أبناء وبنات “جزائريون متضامنون”، و”منظمة الإغاثة المسلمون”، وجمعية “عمل المواطنة الجزائرية للتضامن” بفرنسا، إضافة إلى الشُّعب الولائية لجمعية العلماء، والتجمعات الدينية على مستوى مختلف الولايات.
لقد صنعت هذه الطاقات الحية كلها مجتمعة، الهبّة التضامنية الوطنية، من أجل القضاء على وباء كوفيد 19، فأثمرت جلب العشرات من المكثفات للأوكسجين، التي ستنقذ –إن شاء الله- أرواحا، كانت على شفا حفرة من الموت.
نجحت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين –إذن- في نشر الوعي لدى عامة الناس، لاتخاذ الإجراءات الوقائية، من غسل اليدين، ووضع الكمامة، وتفاديا للتجمعات الفوضوية، واحتراما للتباعد الاجتماعي في المناسبات العائلية.
كما نجحت الجمعية –أيضا- لدى أغنيائنا بغسل القلوب، وفتح الجيوب، وذلك بالقضاء لديهم على الشح المطاع، وتحريرهم من الجهل بمنهج المنفعة العامة، والقضاء لديهم على فقد ثقة البعض في البعض، وكل ذلك بالعلم الملتزم بقضايا الأمة والوطن، والإنسانية.
فتحت شعار قوله تعالى: ﴿..وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ….﴾[سورة المائدة، الآية 32]، وقوله تعالى: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ…﴾[سورة النحل، الآية 96]، جندت الجمعية بمشاركة الإعلاميين الملتزمين والمتميزين، والخيّرين الطيّبين، جندت أقوال وأموال وأعمال المحسنين المتبرعين، وها نحن، والحمد لله نقتني الكميات الهائلة من المكثفات للأوكسجين، والأمل معقود على أننا سنتوجه –قريبا بحول الله- إلى اقتناء المولدات.
إن هذه الحوافز، والمشجعات على التضامن هي التي مكنت من إحداث هذه الهبّة الوطنية التضامنية، التي سنتمكن –بعون الله- وبفضلها من القضاء السريع على هذا الوباء العابر للقارات.
إن الجزائري أخو الجزائري، ومن متطلبات ذلك الحق في مساعدة المنكوبين، والمصابين منهم بهذا الوباء، حيثما كانوا، وفي أية منطقة سكنوا، وفي هذا السياق، وضعنا نحن في الجمعية مبدأ العدل في توزيع المكثفات، على جميع الولايات، وحسب اشتداد الحاجات، فالجزائر اليوم تستغيث، باسم الإنسانية، وباسم الدين، وباسم الوطنية، كلَّ قادر على فعل شيء، فهل من مغيث؟ وهي تستجدي، ذوي الضمائر الحية، والنفوس الأبية، من الجزائريين والجزائريات، إلى أن يرتفعوا، في هذا الظرف العصيب، إلى الاستجابة بقدر التحديات، فليتناسوا الضغائن والأحقاد، وليتحدوا بالقول والعمل، لتقديم الدعم، والعون، لكل ذي حاجة مادية أو معنوية، حتى نقضي جميعا على الداء، ومسببات الوباء.
على أنه لبلوغ ذلك كله، مطلوب توفير جملة من المطالب، وعلى جميع المستويات.
أولها، إعداد المواطن الفاضل، الذي يسمو على التعصب، والتشدد، والحقد والكراهية، حتى يغدو الجميع كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ثانيا، تحقيق العدل بين المواطنين، في توفير الدواء، واستئصال بؤر الداء، كيفما كان نوعها، ومصدرها.
ثالثا، العودة إلى الله، بالتضرع والدعاء بعد اتخاذ الأسباب، وكما يقول الحديث النبوي الشريف: “ادفعوا البلاء بالدعاء، وداووا مرضاكم بالصدقات”.
ورب ضارة نافعة، فإن المصائب تجمعن المصابين، وإن الشدائد تقوي العزائم، وتشحذ الإرادات. صحيح أننا فقدنا، بسبب الوباء، فاضلات وفضلاء، ولكن لابد من دفع ثمن وتضحيات، في سبيل تحقيق أقدس الغايات.
يمكننا القول في الختام، أن وباء الكورونا الخطير هذا، مهما اشتدت وطأته، ومهما كثر ضحاياه، فإنه إلى أفول، والمهم أن يسجل الأحياء، الذين وقاهم الله منه، جميل الذكر، وأن يتركوا خير البصمات، في تاريخ الوطن.
إننا، بالرغم من اسوِداد الأفق، سنظل متفائلين، بطلوع الفجر، وانتصار الحياة، بشرط أن نتمسك بالأمل، وأن نقاوم فينا اليأس، والبؤس، وسوء العمل.
إن شعبنا غني بالتجارب على اختلاف أنواعها، وخاصة المرّ منها، وهو في كل مرة كان يخرج منتصرا، بتماسكه، وتآزره، وتضامنه.
ولا يخالجنا شك، في أننا بهذه الهبّة التضامنية الوطنية التي صنعها شعبنا بمناسبة وباء الكورونا، سنهزم هذا الوباء وسننتصر على مقدماته ونتائجه، فذلك هو الدواء لهذا الوباء، وإن غدا لناظره قريب.