مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

منهاج رب العالمين بين وحدة الدين وشريعة الكتاب المبين

بقلم الشيخ محمد مكركب أبران

النظام الذي شرعه الله للناس، منذ آدم عليه السلام، إلى آخر ولد من ولده، هذا النظام الجامع الملزم لكل الناس، يسمى الدين، والدين الذي شرعه الله واحد، لكل سكان الأرض، وبه أسل الله كل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو منظومة من الأصول العامة المطلقة الثابتة كأركان الإيمان، وأركان الإسلام. وشرع الله سبحانه، لكل أمة منهاجا، يحتوي بيان طريقة العمل بتلك الأصول الدينية، وهذا المنهاج العملي يسمى الشريعة، وهي منظومة من الأحكام التفصيلية المحكمة، كبيان الحلال والحرام، والأمر والنهي، والمعروف والمنكر. وهناك طريقة تنفيذ أحكام الشريعة وفق الزمان والمكان والظروف، وحالات الأفراد، وهذا ما يسمى بالفقه الذي اجتهد الفقهاء في ترتيب مسائلة، كفقه الصلاة، وفقه الزكاة والحج، وطريق البيوع والتجارات، والزواج، والميراث، وغيره، في معرفة النفس مالها وما عليها.

أولا: مفهوم الدين: فالدين مجموعة التكاليف التي يدين بها العباد لله، أو قل : إن الدين الحق الذي شرعه الله سبحانه، هو النظام الشامل للحياة البشرية في كل مجالاتها من حيث الأصول الكبرى التي منها تتفرع فروع الشرائع. وهذا الدين سماه الله {الإسلام} قال الله تعالى:﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾ (آل عمران:19) والذي يؤمن بالله ويدخل دين الله عزو جل، يسمى {المسلم} والجمع {المسلمين} ويحرم على من دخل الدين أن يفرقه، كأن يسمي نفسه يغير ما يُنَادَى به أهل الدين، فالأنبياء أمروا بأن يكونوا من المسلمين. ومعنى الإسلام: الخضوع والاستسلام للخالق، ويتمثل ذلك الخضوع، في طاعة الله في كل أمر، فإن لُبَّ الدين هو الخضوع لخالق هذا الكون، والاعتراف بسلطانه المطلق، على كل ما في السماوات وما في الأرض. قال الله تعالى:﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾ وقال تبارك وتعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا(آل عمران:20)

أي فإن دخلوا الدين الحق وهو الإسلام فهم على الصواب مهتدون، فإن كانوا على غيره فهم ضالون. ويقوم الدين على أصول منها: التوحيد، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، والإيمان بالقرآن، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة،  ومنه فإن الواجب على المنتمي للدين أن يبرهن بالتوبة  إلى الله تعالى، يعلن الإقرار بالشهادتين، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، فإن لم يفعل هذا فلا دين له، ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين وَنُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(التوبة:11)

ثانيا: هذا الدين الحق هو واحد لكل الأنبياء وكل الأمم. دين الله واحد في كل أمة، وعلى لسان كل نبي، وروحُ الدين: التوحيد والاستسلام لله، والإذعان لِهَدْي الأنبياء. فدين آدم، وإدريس، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وداوود، وسلميان، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام. كلهم دينهم الإسلام. قال الله تعالى:﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ(الشورى:13).

وفي الحديث: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الأنبياء إخوة لعلات: دينهم واحد، وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، سبط كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، بين ممصرتين، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويعطل الملل، حتى تهلك في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعا، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان والغلمان بالحيات، لا يضر بعضهم بعضا، فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه] (مسند أحمد، مسند أبي هريرة. رقم:9633).

وعند البخاري.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ] (البخاري. كتاب أحاديث الأنبياء.3443) وانظر قصة عيسى عليه السلام في (البداية والنهاية لابن كثير) ففي ذلك شيء من التفصيل. فالذين يسمونهم المسيحيين، أو النصرانيين، أو اليهوديين، أو البوذيين، فهم ليسوا على الدين، وليسوا على الإيمان، وليسوا على طريق الحق. فاسمع قول الله تعالى وهو القول الحق، وفيه بيان الحق. قال الله تعالى وهو يخاطب محمدا خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين، يقول: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(البقرة:137)  ومن المعاني المستفادة من الآية.فإن صدق  أهل الكتاب ومنهم اليهود والنصارى وغيرهم، فإن صدقوا بالذي صدقتم به يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فإن صدقوا بمثل ما صدقتم به من الْإِيمَان بجميع الأنبياء والكتب فَقَدِ اهْتَدَوْا من الضلالة.وقال تعالى: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ فإن أسلموا كإسلام النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وإسلام أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وسائر الصحابة رضي الله عنهم جميعا فقد اهتدوا إلى طريق الحق. قال المفسر أبو جعفر الطبري، في تفسير الآية ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾:{يعني تعالى ذكره بقوله:{فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به}، فإن صدّق اليهودُ والنصارَى بالله، ومَا أنزل إليكم (يعني القرآن)، وما أنزل إلى إبراهيمَ وإسماعيل وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطِ، ومَا أوتي مُوسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، وأقروا بذلك، مثلَ ما صدّقتم أنتم به أيّها المؤمنون (أتباع محمد عليه الصلاة والسلام) ومثل ما أقررتم، فقد وُفِّقوا ورَشِدوا، ولزموا طريق الحق، واهتدوا، وهم حينئذ منكم وأنتم منهم، بدخولهم في ملتكم بإقرارهم بذلك (وملة محمد هي ملة إبراهيم)}. (3/113)

ثالثا: الشريعة بعد بعثة خاتم النبيين واحدة ملزمة لكل الناس: فمن السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة الموافقة لـ: لسنة 610 للميلاد. تاريخ بداية نزول القرآن، من يومها أصبح الناس جميعا ملزمون بالاحتكام إلى شريعة القرآن الكريم. لأن الرسول محمدا أرسل للناس جميعا. قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (الأعراف:158) وفي الحديث. عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:[الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ] (مسلم. كتاب الإيمان.153)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى