مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
حدث وتعليق

متطلبات الجديدة  بين النظام المقتضى السليم، والقديم العقيم

بقلم الشيخ محمد مكركب أبران

لاتزال المنظومة التربوية في البلدان العربية ومنها الجزائر تعاني من وطأة نظام تربوي عقيم سقيم، لاينتج اختراعا ولا يحقق اكتشافا، ولايقيم مدنية، ولا يطور حضارة، والدليل على ذلك أن هذه المنظومات التربوية المؤنجلزة في المشرق العربي، والمفرنسة في المغرب العربي، لم تحقق ولا نسبة خمس بالمئة من الاكتفاء الذاتي؟ بل ولا واحد في المائة من الاختراعات العلمية، والغريب أنه لايزال الإصرار على الفرنسة  والأنجلزة، بكل صَمَمٍ وغباء، ولا يزالون في إصرار على التغريب في محاربة التعريب، وتفضيل أَلْسُنٍ ولهجات على لغة الكتاب المبين وجوامع كلم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

ولنبدأ الموضوع بهذه الأسئلة:{ماهي الشخصية التي نريدها مستقبلا من طفل اليوم؟ أو ماهي صفات العالم التي نريدها من متعلم اليوم في رجل الغد؟ ثم هل نريد تعليم العلم الذي ينتج المعلومات والاختراعات، أم تلقين معلومات جاهزة ومجترة على مَرِّ سنين، ثم كيف يُبْنى أساسُ النظام التعليمي التوجيهي الصحيح؟}

مما لاشك فيه أننا نريد الشخص الواعي الذي يعي واقعه، ويعلم كيف يبني مستقبله بالعلم والحكمة، بالأدوات التي نمده إياها، ونزوده بها من الابتدائي إلى نهاية الصف التاسع، أو ما يعرف في الجزائر بنهاية التعليم المتوسط، الذي كان يسمى في نظام المدرسة الأساسية بنهاية التعليم الأساسي. وقد كانت المدرسة الأساسية أمل الجزائر، فحطموا أمل الجزائر بمحاربة المدرسة الأساسية. فماهي العلوم والطرائق  التي تنتج العلوم المنتجة، وتنتج السلوك الرجولي المثالي، وتقيم الأساس التربوي بحق؟ ليست الفائدة ولا الإيجابية في حشو أذهان التلاميذ بملايين المعلومات، في عشرات المواد المقررة، بل الفائدة والقيمة العلمية التعليمية في الأسلوب البيداغوجي، والتدريب على الفهم والتطبيق، حيث يتعلم الطفل المتعلم اليوم، الذي هو رجل الغد، وعالم الغد، يتعلم العلم والفهم وتنميت القدرات الذكائية، هذا من الجانب التكنولوجي، ونعلمه تحصين السلوك وتمتين الشخصية، والاستمساك بالقيم والمبادئ الدينية الإسلامية، لانلقنه المعلومة المجردة كخبر جاهز متداول، وإنما نعلمه كيف يصل إلى المعلومة، وكيف يستثمر المعلومة، وكيف يوظف المعلومة. لاينبغي أن تكون المدرسة محطة إذاعية إخبارية، والمعلم مراسل، أو مذيع. وإنما المدرسة ميدان أكاديمي ورياض علم ومعرفة، والتلاميذ والطلبة يتجولون في رياضها وقائدهم الموجه هو الأستاذ، يرشدهم ويعلمهم كيف يتعاملون مع السنن الشرعية، والسنن الكونية.  

 ونعيد السؤال بمفهوم التعليم المدرسي، قل ما هي المواد التعليمية المقررة الأساسية؟  هل هي بذلك الحجم المقرر في بعض المنظومات التربوية، سبع، أو ثماني مواد،  في مستويات التعليم الابتدائي أو المتوسط، أو الثانوي، وحتى الجامعي، حيث التخصص!! فالمواد التعليمية الأساسية والتي لاينبغي الزيادة عليها، وهي كافية لتخريج باحثين مكتشفين مخترعين، هي ثلاث مواد، ففي الابتدائي اللغة تعبيرا ونحوا وخطابة، والحساب عددا، وهندسة وجبرا، والتربية الإسلامية أحكاما، وقيما. وهذا في التعليم الابتدائي والمتوسط. وبداية من السنة الأولى ثانوي تضاف مادة البحث العلمي. ببيداغوجية متطورة حيث يواصل الطالب المتعلم ضمن هذه المادة كيف يطور معلوماته العلمية، من خلال: نصوص تاريخية، وجغرافية، وعلوم فلسفية، وعلوم طبيعية في الفيزياء والكيمياء، وغيرها، حتى يكتشف المتعلم نفسه، وميوله، ومعه الأساتذة، والتوجيه المدرسي، والرغبة والهواية. وهذه المادة {مادة البحث العلمي} لو تجد أساتذة متمكنين من الفنيات الإبداعية، في فن خطوات الإبداع، لكان بداية برمجتها من  الصف السابع، أي: الأولى متوسط. ويكون الانتقال من الثالثة ثانوي إلى الجامعة، وفي نفس الوقت المهنة أو الحرفة أو الصنعة التي يلتحق بها مستقبلا. لأن النظام التربوي التوجيهي السليم، يقرر أن الطالب الجامعي يكون تلقائيا بعد انتسابه للجامعة أنه ينتسب إلى الْمَهَمَّة (الوظيفة) التي يزاولها بعد التخرج. أعود فأقول: ينتقل الطالب من الثالثة ثانوي إلى الأولى جامعي بالبحث العلمي الذي يقدمه وفق التخصص الذي اختاره، من خلال مادة البحث العلمي،  وليس  بامتحان البكالوريا التقليدي.     

 ماهي صفات العالم الباحث والمفكر والمخطط والمسير ، الصفات التي نريدها من متعلم اليوم؟ أن يكون عليه في الغد؟ هي أن يكون: عابدا لله يعمل بكتابه وبسنة نبيه، حيث الخير كل الخير في التعلم هو في التفقه في الدين. ولهذا تكون مادة تعليم التربية الإسلامية، من خلال الآيات المحكمة من القرآن، والأحاديث المحكمة من السنة، هذه المادة تكون المادة الأساسية مع اللغة والحساب بكل فروعه ونظرياته من السنة الأولى ابتدائي، إلى نهاية التخرج من الجامعة. فصفة العبد المتعلم أن يكون متفقها في العبادة هذه أولا، الصفة الثانية: أن يكون متقنا لحرفة، يشارك بها في بناء الحضارة، ولكي لا يعيش عالة على غيره. ومن هنا تُعْنَى التربيةُ وفق  النظام التوجيهي السليم بأن تعد المتعلم اليوم  الذي هو العضو الأساس في تأليف المجتمعي الحضاري في المستقبل، تعد فيه الجوانب الثلاثة التي بها يتمكن من التعامل والانسجام والتكامل الإيجابي التام مع  كل الناس، بحيث يفيد بعلم وحكمة ويستفيد من الآخرين بعلم وحكمة. والجوانب التي نُعِدُّها فيه هي: أولا: الجانب اللغوي بحيث يكون فصيح اللسان، صريح البيان، يمتلك القدر الكافي للتعبير الوافي عن فكرته، كما يستطيع فهم الآخرين. فلا فائدة في من يحمل الدكتورة وهو لا يرتب ثلاث جمل بليغة، بلغة فصيحة. ثانيا: الجانب الحسابي والهندسي، ليتعامل مع المصطلحات العلمية، الخاصة بالطبيعيات. ثالثا: الجانب الإبداعي، حيث يتعامل وفق مستواها وأينما كان بنظرة الباحث الذي يقدر الأشياء، بنظرة الباحث  المفكر، الذي يعمل عن بصيرة وفهم، ليقي نفسه من الفوضى، والعشوائية، والتقليد الأعمى، واللامبالاة، والتسيب. نعم هذا هو النظام التربوي السليم، الذي ينتج لنا مواطنين واعين إنسانيين.

النظام التربوي المنتج السليم يركز على اللغة والتربية والحساب وهذه العلوم هي الأساس في تعليم النشء وتخريج العباقرة والمبدعين، وفي هذا  مبدأ بديهي في التعليم، وأغلب المنظومات التربوية إن لم أقل كلها تهمله، ولاتعتمده، ولا تعتبره في أسس التعليم، ومن ثم لاتبالي به،  وإهمال هذا المبدأ يشكل ستين بالمائة من التخلف العلمي لدى المتعلمين. ما هو هذا المبدأ؟ هو {من تعلم اللغة تعلم كل شيء}أي: أن المتمكن من اللغة  يستطيع تعلم أي علم كان، بينما الضعيف في اللغة ضعيف في كل علم، إلا التقنيات التركيبية والتجارب الميدانية يمكن أن يتعلمها بالتدريب وليس بالفهم. أما الطب المتطور، والصيدلة المتطورة، والقضاء، وعلم النفس، والفلك، والطيران، وكل العلوم، وكلمة متطور، تعني الإتيان بالجديد، أما الطب التقليدي ذي الوصفات الجاهزة، والصيدلة التي تعني بيع الدواء الذي ينتجه الغير، فيستطيع تعلمه كل من يحفظ  المصطلحات التي سماها غيره.

ومادامت الشعوب العربية والمسلمة لاتستعمل اللغة العربية في التعليم، سيظل منهاجها التعليمي عقيما وسقيما ومريضا، وستظل هذه الشعوب تابعة لأهل اللغة التي تُعلِّمُ بها أبناءها، فمن علم أبناءه بالإنجليزية ربط مستقبلهم بالثقافة الإنجليزية، والعقلية الإنجليزية، ومن علم أولاده بالفرنسية ربط مستقبلهم بالثقافة الفرنسية، وبأخلاق وقيم الثقافة الفرنسية، ومن علم أولاده بلغة القرآن ربط مستقبلهم بالقرآن، وبأهل القرآن، وهكذا كل واحد يختار من الآن، يختار مستقبل أولاده بإرادته، أو مستقبل شعبه. والعاقبة للمتقين، وكل واحد يستعد للجواب يوم يرجع إلى الله سبحانه، ماذا يقول عن دنياه؟؟ ويجب أن نفرق ونميز بين تَعَلُّمِ اللغة الأجنبية وهو مفيد، والتعليم باللغة الأجنبية وهو مرض شديد، وخطره على الفكر كخطر الصديد على الحديد، فافهم هذا يامن تريد التجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى