ماذا دهى جزائرنا البيضاء، الفسيحة الأرجاء، الصافية الأجواء، الخصبة الأرض والسماء، ماذا دهاها، حتى اسود نهارها، واشتد أوارها، وضعف إعمارها، وجفت أنهارها، وتضاعفت محنها وأوزارها؟
مشهد بئيس حقا، هذا الذي يخيم اليوم، على جزائر العلماء، والشهداء، والعقلاء، والأدباء. فالوباء يحاصرها من كل جانب، والموت يؤدي بالأباعد والأقارب، و”السوسة المدسوسة” جاءت بالأفاعي والعقارب من كل فج ومن كل جانب.
سبحانك اللهم، مغير الأحوال، وناسخ الأقوال والأعمال، ومزلزل النفوس بالأهوال، وقاهر النساء والرجال. فالجزائر التي عشناها في الزمن الاستعماري التعيس، والتي كان أبناؤها يضحون بالغالي والرخيس، والنفس والنفيس، من أجل التحرير الوطني، وتأسس الوطن خير تأسيس !هذه الجزائر تحولت اليوم إلى مشهد بئيس.
فماذا تغير اليوم في جزائر الأمير عبد القادر، والإمام ابن باديس؟ ولماذا يسود في جزائرنا هذا المشهد البئيس؟ ولماذا كتب علينا أن نعيش ما يوصف بأزمة الرئيس؟
هل تعاني الجزائر حقا، من عقدة الرئاسة، ومحنة السياسة، ولعنة النخاسة، وفتنة الطهارة، والنجاسة؟
ما أتعسنا ! فالرئيس عندنا إما مسجون أو مطعون، أو مغبون، أو مفتون. وليس العيب في أن يصاب الرئيس في أي بلد بالمرض، فكل الرؤساء بشر، ويمرضون كالبشر، وإنما المشكلة في أن تمرض الدولة بمرض الرئيس، فينتج عن ذلك هذا المشهد البئيس الذي تعيشه الجزائر، كلما مرض الرئيس.
إن الأزمات التي توالت على الجزائر هذه الأيام، أزمات تكاد تودي بالجزائر كلها حكومة وشعبا.
فالتعاطي مع أزمة الكورونا، هذا الداء الخطير، الذي ما فتئ يفجعنا في كل يوم بأعز الناس لدينا، هل شخصنا أسبابه، ووجدنا لعلاجه أبوابه؟
وهذا التحلل من واجب المسؤولية، بسبب غياب الرئيس، هل له ما يبرره؟ وهل يمكن للدولة أن تدوم وأن تقوم، في ظل هذا الغياب المزدوج للرئيس، ولخلفاء الرئيس؟.
وهذا التعامل مع مرض الرئيس، أليس من المخجل، التعامل معه بهذا الصمت الرهيب، والبيان المريب؟ أليس من المبكي حقا أن يدفع هذا السلوك المريب، إلى دفع المواطن الجزائري إلى التساؤل: أين الرئيس؟ ألا نخجل عندما نشاهد حرب الإشاعات تطوق ضمائرنا، وتقض مضاجعنا؟
وهل من المقبول، أن نبحث عن أخبار مرض الرئيس، عند المستشارة الألمانية، والقناة الأجنبية، أو أي ابن من أبناءس الأسرة العائلية؟
ألم يكن من الأجدىس، أن يصدر بيان رئاسي يومي من الطاقم الطبي المصاحب للرئيس، بخبر عن تطور وضعه؟
ولماذا لا تقدم صورته للناس، كيفما كانت؟ فالمثل العربي يقول: “من كتم داءه قتله”، إن هذا لشيء عجاب؟
فإذا كان الرئيس في فترة نقاهة كما تدل على ذلك البيانات الرئاسية، فلماذا نحول دون صورته والمواطنين؟
أليس هذا السلوك المريب، هو الذي أدى إلى التحرش ببلادنا، وطمع الغير فينا، وعجبا حتى الكليب سبني ! كما يقول المثل العربي.
والأدهى من ذلك، الفراغ القانوني الذي تعيشه بلادنا، في مثل هذه الحالات؟ فمن يحكم في غياب الرئيس المريض، أو في إجازة؟
لذلك، تفاديا لمثل هذه التعقيدات، كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سباقة إلى تقديم مقترحات حول الدستور، نطالب بإدراج مادة تخص نائب الرئيس، وينتخب اسمه ضمن قائمته، حتى يكون على نفس قناعة فكرة؛ غير أنه للأسف الشديد لم يؤخذ القائمون على الدستور بهذا المقترح.
وما دمنا نتحدث عن الدستور، فإننا نعيد ما سبق أن ذكرناه، في هذه الافتتاحية، وهي أنه كيفما كان مصير المرض، ونحن نتمنى له الشفاء العاجل، فإن الدستور المحال على التوقيع، ينبغي من وجهة نظرنا، أن يعاد للاقتراع، بعد أن تخلت أغلبية الشعب عن تزكيته. ومع احترامنا للذين أيدوه، فإننا نريد لهذا الدستور، أن يزكي بأغلبية ساحقة، حتى يكون قويا، ويمنح القوة لمن سيدعى إلى تطبيقه، ولذلك، ينبغي أن يعاد إلى قراءة جديدة، وإضافة ما يمكن إضافته، لمنحة المزيد من القوة ومن المصداقية.
نقول هذا كي نقضي بالعلم وبالعمل على أعراض المشهد البئيس الذي نتج عن مرض وغياب الرئيس. ذلك أن مفترق الطرق الخطير الذي تقف أمامه الجزائر، يتطلب المزيد من الوعي، ومن التعبئة، ومن توحيد الصفوف.
إن التحديات جد خطيرة، وإن المطبات كثيرة وعسيرة، فحذار، إن السماح قد يكون في كل شيء، إلا مع واجبات الوطن وحقوق المواطن.
إننا، نناشد من هذا الموقع، كل المواطنين الوطنيين المخلصين في هذا الوطن، أن ينهضوا من غفلتهم، وأن يمدوا أيديهم لبعضهم كي يضعوا خارطة طريق جديدة من شأنها أن تنقذ الوطن من هوته السحيقة، وأن تبعث به في رحلة إلى حياة أفضل.
اللهم هذا منا الدعاء والإنابة، ومنك تحقيق الرجاء والاستجابة.