مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

تجدّد في شموخ ووفاء يا نوفمبر

بقلم الدكتور عبد الرزاق قسوم

اُعْلُ –في شموخ وإباء- يا هلال نوفمبر، ونوّر بشعاع قيمك، القلوب والعقول، كما نوّر هلال ربيع الأول، الإنسان والإنسانية بنور الحب والإخاء..

تجدّد، يا نوفمبر، في حياتنا، فأنت رمز الفداء والإحياء، وإبداع الشهداء والعلماء، تجدد، لتوقظ الوعي فينا، والشعور الأجدر، تحت شعار الإيمان والله أكبر.

وإذا كان مولد الرسول، يعني مولد الإنسان ذي القيم الإنسانية، فإن شهر نوفمبر يعني ميلاد الدولة الوطنية، وعودة الروح للأمة الجزائرية..

يُهل علينا –إذن- هلال نوفمبر، ونحن في الجزائر، نعيش أفراح العيد، ونعاني آلام وباء كوفيد، فتنعشنا الفرحة بآمالها، وتقتلنا الغصة بآلامها.

فعيد المولد النبوي، وإحياء الانبعاث النوفمبري، وقد دشّن الجامع المحمدي، ونظّم الاستفتاء على الدستور الوطني، وهي كلها فواصل زمنية، تحيي في الجزائر الاعتزاز بالانتماء الحضاري.

غير أنه بالمقابل، تتمزق الجزائر، من القمة إلى القاعدة، بمصيبة الوباء، وتفشي العنف الأعمى الذي عمَّ كل الأرجاء، وتصاعد حملات الكراهية والحقد من الأعداء القدماء، على الإسلام، وعلى محمد رمز الأنبياء.

ويح وطني، وويح أمتي، مما تعانيه من كيد الأعداء، وتمرد المزيفين من الأبناء، وتآمر بعض حكامنا، مع الصهاينة، ضد الفلسطينيين الأصلاء، والمصلحين من المثقفين والعلماء.

فماذا بقي للوطن، أمام ما ينهش جسمه النحيل، من مكائد، وشدائد، والحال أنه يخوض معركة البناء والتجديد، والإعمار والتشييد، لنتخلص من رواسب الاستبداد، والفساد، وما خلفه من أثر شديد؟

ورب ضارة نافعة، فهل يستيقظ وطننا من صدمة العصابة، هذه الشرذمة النهابة، ليشفي واقعه من آثارها، ويعيد للدولة، وللواقع بكل مكوناته، الهيبة والمهابة؟

إننا، بالرغم مما يحيط بنا من إحباط، فإننا نظل مفعمين بالأمل، لتجاوز الصدمة فنستأنف المسيرة، بكل عزم، وحزم وحكمة.

نحن نملك كل مقومات النجاح، وعلى يقين من أننا، إذا التزمنا بالمقومات الضرورية، سوف نبلغ شاطئ الفلاح.

فأرضنا من ذهب، حباها الله كل أنواع الخيرات، ورزقها شتى المنتوجات من الطيبات، وما ينقصها، إلا العقل الحكيم الذي يقودها إلى النماء في كنف الإخاء، ونبذ معالم الشقاق والنفاق والخلافات.

ولدينا سواعد مفتولة، من شباب نشأ في أحضان السيادة والاستقلال، وفي كنف البحبوحة، وشهامة الأبطال..

وما يحتاج إليه شبابنا، هو حسن التربية والتنشئة على الحلال من التغذية، والتشجيع بأفضل الوسائل للوصول إلى التنمية، وهذه الخصال، لا يمكن بلوغها دون تحقيق المناخ الأسري الفاضل، والتنظيم المدرسي الكامل، والمحيط الاجتماعي الشامل، والوسط الإعلامي الفاعل.

إن إحياءنا للمولد النبوي، يجب أن ينم في كنف، الإحياء لقيم الإسلام كما جسدها الرسول وصحابته الأصلاء والأوفياء.

وبعيدا، عن الأصوات النشاز، التي تهرف بما لا تعرف، فتقول ببدعية الاحتفال بالمولد النبوي، نقول، بأن هذا الاحتفال ينزل على ما يقول به إخواننا الإباضية في بعض فتاواهم، “بأنه يصح ولا يجب”.

كما أن نوفمبر، إذ يطل علينا، بذكرياته فيعيدنا إلى جو المقاومة، والجهاد، حيث كان شعبنا، في جهاده ومقاومته للعدو يجسد عهد الصحابة، بما اتسموا به من شجاعة، ونجاعة، ونكران الذات، وحب الآخر، في كنف الحب، والتسامح، والأسرة والإخاء.

فالاحتفال بنوفمبر، يجب أن يسمو عن الطبل والمزمار، والحلويات والأزهار، إلى غرس قيم الوطنية وحماية الديار، وتحصين الذات ضد الانتهازية، والفاسد من الاتجار، لنضع سدا منيعا، ضد تسلل كل خائن وكل غدار، والحيلولة دون الوصول إلى سدة الحكم، من أي متلبس بلباس الطغمة، وكل فاجر كفار.

إننا نعيش، مفترق طرق، تتجلى سلبياته على جميع الأصعدة؛ فاقتصادنا متخلف في عملته، وفي معاملته، وفي مبادلاته واحتياطاته، وإنتاجنا شحيح في وفرته، فنتج عنه الغلاء، والمضاربة، مما أدى إلى كل أنواع المذلة والمواربة.

أما ثقافتنا، فهي تعاني الاغتراب والإنسلاب والغزو الثقافي والفكري، الذي يأتي من النوافذ ومن الأبواب، فتحولت لغتنا وأفكارنا إلى نوع من السراب، الذي يميت الألباب، ويقضي على عقول وألسنة الشباب.

إن التخلف، كما يقول مالك بن نبي، كل لا يتجزأ، ومحال أن نكون متخلفين ثقافيا أو اقتصاديا ومتقدمين سياسيا،  لذلك، وجب العمل بالمنهج الشمولي الذي لا يقصي أي جانب من جوانب النمو، والعلو، لا بد من إعادة التكفل بأبنائنا، وبناتنا على كل مستويات التكوين، فنعتني بألسنتهم وعقولهم، ونتكفل بأجسادهم وفهومهم، فبذلك نستطيع أن نصلح ألسنتهم من الفاحش من القول، وأيديهم من أنواع العنف والصول، كفى ما يعانيه وطننا اليوم من القتل، والخطف، ومن الحراب والاغتصاب، ومن اللصوصية والعدوانية.

لقد أدبنا الإسلام، بقيمه ومعتقده فأحسن تأديبنا، وتأنيبنا، فكيف نرضى بعيدا عنه، عن أي بديل؟ وكيف يجرؤ بعض المارقين عن أصالتنا، بالنيل من عراقتنا، وحضارتنا؟

لتكن، إذن، هذه الأعياد مجتمعة والتي نحيي ذكراها، كالمولد النبوي الشريف، ونوفمبر الخالد، وتدشين الجامع الأعظم، لتكن ملهمة لنا، لإنقاذنا مما نحن فيه من تيه ومن ضلال، فتغدو الأمة التي حلم ببنائها آباؤنا وأجدادنا الأبطال ماثلة للعيان.

لنستلهم من مولد محمد صلى الله عليه وسلم القدوة في الأخلاق والسلوك، ولنأخذ من نوفمبر، أسمى معاني الجهاد، والوطنية التي يحسدنا عليها حتى الملوك، ولنجعل من الجامع الأعظم، الجامع المحمدي الذي يغدو اسما على مسمى، فنرتفع جميعا في إسلامنا، وفي معاملاتنا، وفي تطبيقاتنا للدين، كما فعل الصحابة فكانوا كالذهب المسبوك.

ففي الحملة المسعورة التي يشنها علينا الأعداء درس، في رص الصفوف، والتآخي بالمعروف، وتحقيق الوحدة، بأقوى مما هو مألوف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى