مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أعلام

العلامة الشيخ نور الدين عتر في ذمة الله

بقلم الدكتور عبد المجيد بيرم

فقدت الأمة الإسلامية علما من أعلامها و أحد ورثة الميراث النبوي في هذا العصر العلامة الشيخ الدكتور نورالدين عتر -رحمه الله تعالى – ورفع درجاته في الآخرة وعوض الله المسلمين أمثاله و أخلف عليهم،

والشيخ سليل بيت علم وصلاح فشيخه العلامة الشيخ عبدالله سراج الدين الذي جمع بين العلم الغزير والتقوى و الصلاح، وهذا ما كان عليه شيخنا رحمه الله ،مع التواضع الجم.

وقد ترك وراءه مجموعة من المؤلفات والتحقيقات في التفسير وعلوم القرآن والحديث وعلومه وفي الأخلاق والفكر، أثرت المكتبة الإسلامية والبعض منها لا يزال مقررا في كليات الشريعة والآداب والمعاهد الشرعية في سورية وخارجها، وتخرج على يديه أجيال من طلبة العلم في سورية وفي بلاد العرب والمسلمين، فضلا عن عامة النّاس ممن انتفع به واستفاد منه وأخذ عنه لما كان يلقيه من تعليم وارشاد في مساجد دمشق وغيرها.

ومن حرص الشيخ عتر -رحمه الله – على نشر العلم تلبيته واستجابته لدعوة كريمة من طلبة العلم بالجزائر لتأطير دورة علمية لمدة أسبوع في مسجد أحمد حفيظ “المدرسة” بـبلوزداد، الجزائر العاصمة في أواخر سنوات عمره .وقد كانت له زيارات سابقة للجزائر مع افتتاح المعهد العالي لأصول الدين بالعاصمة في مطلع الثمانينات .

وقد شرفت أن أكون أحد طلابه في كلية الشريعة بجامعة دمشق وتتويج مسيرتي العلمية بالإشراف العلمي في إعدادي لرسالة الماجستير وكذا لرسالتي التي أعددتها لنيل درجة الدكتوراه. ولا زلت احتفظ بملحوظاته العلمية والدقيقة في كل فصولها وأبوابها،كما شرفني بكتابة تقريظ لكتابي “الرواية بالمعنى في الحديث النبوي وأثرها في الفقه الاسلامي”، بعد تقييدي بإضافات نافعة وملحوظات قيمة على الكتاب ومن فضائل الشيخ عتر -رحمه الله – أنه كان من الأساتذة الذين يهدون مؤلفاتهم لطلاب العلم ولا أذكر اني اشتريت كتابا من كتبه بل جميع كتبه من إهداءاته فجزاه الله خير الجزاء.

ومما تميز به الشيخ عتر -رحمه الله تعالى – أنه كان يكلف بعض طلابه –ممن توسم فيهم الجد والاجتهاد -ببعض الأعمال العلمية ويقوم بتدريبهم على القيام بتحقيق أوراق من مخطوطات أو تكليفهم بمعرفة اسم صاحب المخطوط بعد قراءته. وهذا كله رغبة  منه على التحصيل والإفادة فجزاه الله خير الجزاء.

ومن غيرة الشيخ عتر على القرآن والسنة وحرصه على الفهم السليم لهما بعيدا عن التحريف والتأويل المتعسف أنه كان يسافر أسبوعيا من دمشق إلى حلب لتدريس علوم القرآن والحديث بكلية الآداب في جامعة حلب واستمر كذلك لسنوات، مع ما في السفر من معاناة، وهذا حرصا منه على نشر العلم وتعليم أبناء المسلمين دينهم، وسد الطريق في وجه من يريد أن يعبث بعقول الطلبة أو يلقنهم مفاهيم مغلوطة عن القرآن والسنة. فلم تكن نفسه تطاوعه أن يتخلى عن مكان يرابط فيه وينافح عن الدين، وهذا ما أفضى به لي في أحد لقاءاته.

ومما يجدر ذكره والإشادة به في هذا المقام أنه في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، كان الشيخ نور الدين عتر يصلى صلاة الجمعة في مسجد المحمدي بمزة فيلات بدمشق الذي كان يخطب فيه العلامة المحقق الشيخ عبدالقادر الارناؤوط –رحمه الله- وصادف في تلك الجمعة، بأن كان موضوع الخطبة ردّ الشيخ الأرناؤوط على محامي أقحم نفسه فيما لا يحسنه في رده لأحاديث صحيحة، وقال ما معناه’ وكان الأجدر في حقه أن يسأل أهل العلم، وهم كثر في هذه البلاد، ومن هؤلاء العلامة نور الدين عتر الأستاذ بكلية الشريعة ‘وكان يشير إليه وهو على المنبر، وكرّر ذلك مرارا، ولما أقيمت صلاة الجمعة قدمه ليصلي بالناس فصلى الشيح عتر صلاة الجمعة، وهكذا توزعت الجمعة بين علمين من حملة ميراث النبوة. وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذووه.

ومن إكرام الله أن جعل البركة والنفع في مؤلفاته ذلك أني كنت في كل رحلة للبقاع المقدسة اشعر بمرافقته لي من خلال، كتابه القيم في المناسك على المذاهب الأربعة والكتاب الآخر الذي قام بتحقيقه لابن جماعة “هداية الناسك في المناسك… ” في ثلاث مجلدات.

وإنيّ لمقر بتقصيري وعجزي عن الوفاء بحق شيخي وأستاذي الذي تبناني علميا وأفدت من علمه وسمته وهو الذي أثنى عليه علامة وقامة من أمثال الشيخ الدكتور محمد أبوشهبة –رحمه الله – في مقدمة الكتاب “منهج النقد”.

فرحم الله الشيخ الدكتور نور الدين عتر رحمة واسعة وجزاه الله خيرا على ما قدم للأمة، وأسكنه فسيح جنانه. وإنا على فراقك –يا شيخنا -لمحزونون، ولا نقول إلاّ ما يرضي الله، إنا لله وإنا اليه راجعون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى