مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

أنوار الأقصى في العقول أشعّت من مآذن اسطنبول

أ.د. عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

امتزجت نداءات، وأنوار منبر الأقصى في الحقول والعقول، مع تكبيرات مآذن مساجد اسطنبول، فاستجابت السماء بالقبول وألبست المدينة، مدينة الفتوحات والفاتحين، حلة ثلوج بيضاء، غسلت بها آثار الزائرين من الضيوف الثقلاء.
كانت العاصمة السياحية لتركيا على موعد مع منبر الأقصى في مؤتمره الدولي الثالث للعلماء والخطباء والدعاة، الذي صادف انعقاده، هذه السنة، النصف من شعبان.

كان ذلك يوم الجمعة الثامن عشر من مارس الذي رمز إلى مجموعة من الأحداث التاريخية كالإسراء والمعراج، وتحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة، وكلها ذات أبعاد دينية وحضارية، انعكست إيجابا على واقع المسلمين وعلى الإنسانية قاطبة.
اكتظ مسجد «تشامليجا» وهو أعظم مسجد في مدينة اسطنبول اكتظ بالوافدين من كل أنحاء العالم، من أمريكا إلى أفغانستان، ومن اليمن السعيد، إلى الجزائر، بلد المليون شهيد.
جمع القدس في اسطنبول صفوة من الفاعلين في الساحة الإسلامية، ومن المكتوين بنار القدس، والقضية الفلسطينية.
كان حظ الجزائر من هذا التمثيل وفدا ثقيلا تكوّن من كاتب هذه السطور، بوصفه رئيسا للجمعية، مصحوبا بالأخوين الفاضلين، الشيخ نور الدين رزيق عضو المكتب الوطني، والدكتور محمد الدراجي عضو المجلس الوطني للجمعية.
وهكذا تبين أن القدس لا تزال تجمعنا، بفضل موقعها الديني في ربطها للأرض بالسماء مع كل الأنبياء، وبصمود مرابطيها ومرابطاتها، في باحات الأقصى، مقاومة لمخططات الأعداء.
شدّد العلماء، والدعاة، والخطباء في تدخلاتهم على الدرس المستفاد من هذا اللقاء، فنبه الشيخ احمد العمري، وهو رئيس لجنة القدس في الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أن العلماء والخطباء، والدعاة المعنيين بقضية القدس هم ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾ [سورة: الأحزاب، الآية:39].
كما ذكّر الشيخ العمري بضرورة الاستجابة لأمر الله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [سورة: الأنفال، الآية: 60].
كما خاطبنا الأسد المرابط على القدس الشيخ رائد صلاح، من رحاب القدس، حيث خاطب سلاطين العلماء، لا علماء السلاطين فناشد هؤلاء، بالقيام بواجب النصرة للأقصى، مؤكدا على أن أبناء وبنات القدس سيظلون صامدين، رغم كل ما يطوّقهم من قمع، وما يلحقهم من تعذيب وتنكيل.
وعلى منواله، سار إمام الأقصى الشيخ عكرمة صبري، الذي منعه العدو من الخروج من بيت المقدس، فشدد على نفس الصمود والثبات.
لقد أجمع المتدخلون، على أن مسيرة الأحفاد هي امتداد لمسيرة الأجداد، وإننا لا نحسن البكاء أو العويل، وإنما نستلهم القوة، والثبات من قوة وثبات قضيتنا العادلة.
قال المتحدثون للعلماء «أيها العلماء! أنتم صمّام الأمان، وأنتم السياج الواقي، وأنتم الأمل لمواجهة الأمراء المطبعين، تجددون عهد صلاح الدين الأيوبي، ونور الدين زنكي، والزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، الذي قال كلمته المشهورة: «لن تتحرر جنوب إفريقيا، حتى تتحرر فلسطين».
هكذا كان الجو السائد في تركيا، وتحديدا في اسطنبول، التي احتضنت لقاء العلماء والدعاة والخطباء، وذكرنا هؤلاء العلماء بوعد الله، من أن تحويل القبلة كان امتحانا لإيمان وإرادة المسلمين: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [سورة: البقرة، الآية: 143].
والتاريخ هنا، يعيد نفسه، فقضية فلسطين وعاصمتها القدس، هي امتحان اليوم لإيمان، ووطنية، وصدق انتماء كل مسلم وكل عربي، وكل إنسان شريف حر.
«فمن خانكم في المحراب، لا تأمنوه في أي باب» كما قال أحد علماء الجزائر.
وإذن، فإن مؤتمر منبر الأقصى الذي تتجدد كل سنة مواعيده، هو النداء الذي يتجدد في ضمائرنا وعقولنا، بتجديد الوعي الجماعي، من أن فلسطين وعاصمتها القدس، لن تتحرر بالخطب والكلمات، ولكن هذه الخطب والكلمات هي مقدمات سليمة، لحشد الدعم، وتخصيص الوقف، وإمداد المقاومين في غزة، والقدس بما يحتاجون إليه من غذاء، ودواء، وغطاء وكل ما يمكنهم من المقاومة، والمداومة، والقضاء على محاولات التصفية للقضية بالتطبيع، والتنازل، والمساومة.
إن في ذمة المسلمين، والعرب، للقدس عهد شرف، أن يصوم كل واحد عن بعض الاحتياجات اليومية، ليقدم ثمنها إلى إخوانه وأخواته المقاومين، والمرابطين، والمسجونين، وذلك أضعف الإيمان.
كما أن في ذمة العلماء والخطباء لفلسطين واجب الإبقاء على القضية الفلسطينية حيّة في عقول وضمائر الجميع، فلا عزة بدون غزة، ولا بقاء للأمة بدون فلسطين، ولا وجود لفلسطين بدون القدس.
فقد وفى الفلسطينيون، والمقدسيون وفّوا بما وعدوا الله، فكانوا ذوي بأس شديد: ﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾ [سورة: الإسراء، الآية: 05]
إن ما قدمه منبر الأٌقصى الدولي، هو خطاب فصيح وصريح، وهو أن يكون في كل بلد، ولدى كل مؤسسة إسلامية، وفي قلب وعقل كل مسلم ومسلمة، مئذنة لمنبر الأقصى، لإنعاش الهمم، وإحياء الذمم، والإبقاء على مقومات الأمم.
فالملتقى الذي انعقد في اسطنبول ينبغي أن يتجدد في كل بلد مسلم، وفي كل بلد عربي، فالقدس ليست من اختصاص علماء تركيا وحدهم، وإنما هي واجب في عنق كل مسلم ومسلمة، يذودون عن حياضه، ويعملون لتحقيق مقاصده وأغراضه.
فالله الله في فلسطين، وفي القدس، أولى قبلتنا، ورمز وحدتنا، وباعثة نهضتنا، إنها أرض المنشر والمحشر، وبوابة السماء إلى العالم الآخر.
فإذا ضاعت – لا قدر الله- القدس أو فلسطين فاعلموا أن الأمة كلها ستضيع، ومعاذ الله أن يضيع حق وراءه مقاوم، فتلك ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ [سورة: الأحزاب، الآية: 62].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى