مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

إلى أين يتجه مصير العالم الإسلامي؟

بقلم الدكتور عمار طالبي

من يتأمل أوضاع العالم الإسلامي منذ قرنين في انتقاله من النوم إلى اليقظة، ومنها إلى التّيه مرة أخرى والذبذبة، بعد أن حاول التخلص من أعدائه الذين تحكموا في مصيره، ومزقوه كل ممزق بحركات تحريرية جهادية بعد تلك القبضة على مصيره وحركته يوم أن تداعت عليه الأمم الغربية في مؤامرة سايكس-بيكو واتفاقياته، والذهاب إلى فصل العرب عن الأتراك، وما إلى ذلك من المواد التي نصت عليها اتفاقيات سايكس-بيكو، وما رافقه من وثائق، ونصّت عليها الخرائط التي وقّع عليها السير مارك سايكس، وجورج بيكو، وقسمة الشرق الأوسط إلى خمس مناطق تحت هيمنتها، وبعد سقوط الخلافة العثمانية، سيطرت بريطانيا وفرنسا ثم سيطر الأمريكان ووقع السعي لتدمير الأمة، وهكذا اتفق مستشار الديوان البريطاني السير مارك سايكس ونظيره فرنسوا جورج بيكو، على مشروع السيطرة والنفوذ على الشرق الأوسط، وعلى بقاء قناة السويس في حوزتهم، ووعد بلفور في نوفمبر 1917 بإنشاء كيان يهودي في فلسطين، وخدعوا العرب، وأطاحوا بمصدّق في إيران 1958، وكانت مصلحتهم الكبرى في البترول: فكانت إيران من نصيب بريطانيا، والسعودية من نصيب الولايات المتحدة، ووقع بعد ذلك دفع صدام ضد الخميني، وشجع الغربيون الأفغان العرب عندما غزا السوفيات أفغانستان، واستعملوا طالبان في حرب عصابات ضد السوفيات، ووقع استغلال المسلمين، ولما رحل السوفيات تنكّر الغرب لهؤلاء، ثم حاربهم لسنين عددا في تحالف أمريكي غربي، ويتفاوضون معهم الآن وكانوا في نظرهم إرهابيين يجب مقاومتهم، وهم يحذرون من المسلمين ويرونهم يهددونهم، وفشلت ثورة المسلمين من أجل استغلال الهند، سنة 1857 والقضاء على شركة الهند الشرقية البريطانية، وتم لبريطانيا احتلال الهند، والقضاء على الدولة الإسلامية المغولية، وجاءت هولندا لاستعمار اندونيسيا، وجاءت الحرب الضروس للخليج، لتدمير العراق، وجيشه، وذبح رئيسه، وتفكيك دولته، إلى طوائف متصارعة، وأحزاب تزعم أنها إسلامية كذبا وبهتانا، وما هي إلا مليشيات، وجاء حكام العراق على رؤوس دبابات أمريكية وهلك المجتمع العراقي، وامتد إلى هلاك سوريا، ودخول الاتحاد السوفياتي بقواعده العسكرية برا وبحرا.

ونرى اليوم الأمم الغربية وبعض العرب والروس تتداعى إلى ليبيا، تتصارع من أجل مصالحها المتنافرة وحشد المرتزقة من كل مكان.

وهذه تركيا يهددها الاتحاد الأوربي، وينحاز إلى اليونان، وجاء بعض العرب مرة أخرى ضد الأتراك، وتحالفوا مع إسرائيل، كما تحالفوا مع الانجليز من قبل، ونرى اليوم دولة إسرائيل وبرامجها التجسسية، وقواعدها تمتد إلى اليمن إلى أرخبيل سوقطرى لوضع قواعد استخباراتية، وعسكرية، أدخلتها الإمارات العربية إلى هذه المنطقة الحساسة الإستراتيجية، فهي تطل على المحيط الهندي، وباب المندب، والقرن الإفريقي، وغدا تطالب إسرائيل باليمن بدعوى أنها كانت فيها فرقة يهودية اضطهدت المسيحية، وأحرقوا النصارى في حفر نارية ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴿٤ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴿٥ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴿٦﴾ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ البروج/4-7.

وأذنت السعودية بمرور طيران إسرائيل في أجوائها في حين حرّمتها على قطر، وهذا تطبيع واضح، يدمر سمعة السعودية لدى الرأي العام للعالم الإسلامي، وليس لها أي مبرر ولا اعتذار، فقد انجرت للتطبيع وخاب ظننا فيها، على أنها تحمي الحرمين وأخاهما المسجد الأقصى، دخلت إسرائيل اليمن مجانا للسيطرة على البحر الأحمر، وباب المندب، للتجسس على إيران، وعلى باكستان، وتتحالف مع الهند ضد باكستان في نزاعها مع الهند التي ضمت إليها كشمير أخيرا بغير حق، وغدا تطالب بخيبر، فهل تحمي أمريكا المملكة ضد إسرائيل؟

قُسّمت السودان وضاع جنوبها الغني منها، وكان لإسرائيل سعي في ذلك، لها قواعد في أرتيريا، وموّلت سدّ النهضة في أثيوبيا ضد مصر، في حين تظن مصر أنها بمنجاة من عداوة إسرائيل، إنها تسعى وغيرها إلى تقسيم مصر إلى جنوب، وإلى شمال، كما فعلت في السودان، وهي الآن تراود السودان ليلتحق بالإمارات.

إن المسلمين اليوم هم الضحايا، وأغلب المهجرين واللاجئين في العالم مسلمون، يضطهدون في بورما، وهم مسلمو هورينقيا، يذبّحون ويحرقون، والإيغور في الصين، تحرق مساجدهم، ومدارسهم، ويجمعون في محتشدات ليرتدوا عن دينهم، وثقافتهم، أما فلسطين التي يقتل شبابها كل يوم، ويحاصر أهلها في غزة، وتنهب أراضيهم، ويتعدى على المسجد الأقصى وغيره، وتقصف منازلهم باستمرار، فأيّ سلام هذا الذي تتوهّمه الإمارات؟

ماذا تريد الولايات المتحدة التي تحشد قواها السياسية والمالية، والأسلحة لخدمة إسرائيل، وتأييدها تأييدا مطلقا، وتحتقر الفلسطينيين، وتستهين بمشاعر العالم الإسلامي كله، وتسعى جاهدة لتطبيع العرب والمسلمين مع هؤلاء المعتدين الإرهابيين الصهاينة تريد إهانة المسلمين.

إن الشعوب العربية الإسلامية تشعر بهذه المظالم الفادحة، والانحياز المطلق إلى حاكم إسرائيل الفاسد، وتحالف ترمب معه بإقامة مؤتمرات صحفية صاخبة، تهيئة للانتخابات الرئاسية، ولا يشعر أدنى شعور بحق فلسطين، ويرسل وزير خارجيته ومستشاره وصهره ومن يدور في فلكهم كسفير الولايات المتحدة في إسرائيل، تريد السلطة الأمريكية أن تمنح فلسطين هدية لليهود، وهم لا يعترفون بالمسيح عليه السلام، ويصفونه [أنه كذاب ساحر]، ولكن بعض المسيحيين تصهينوا واعتقدوا أن المسيح سيعود، وتوهموا أن يدخل اليهود في دينه، كيف لم يدخلوا في دينه وحاربوه من قبل عند ظهوره ثم يقبلون على دينه إذا عاد، من يضمن لهم ذلك؟ قد خدع اليهود المسيحيين البروتستانت، واخترقوا صفوفهم، فأصبحوا خدما لهم وأعوانا، شعروا أم لم يشعروا، إذا ظهرت قوة عالمية أخرى في هذا العالم وأخذت الصدارة كالصين مثلا فإن اليهود ينضمون إليها ويخذلون الإمبراطورية الأمريكية التي أخذت تنخرها العنصرية، ومعاداة الأمم الأخرى في ظل رئاسة ترمب.

إن هؤلاء الشعوب العربية الإسلامية التي احتقرتها الولايات المتحدة، وأيدت من يعتدي على مقدساتهم، في فلسطين جهرة، وظلما جارحا للقلوب، إن ظهر أنها صامتة، لكن النار تحت الرماد، لا نلبث إلا أن نرى وميضها، والمسلمون يملكون المواقع الإستراتيجية في قلب العالم، أوصالهم تمتد في آسيا وإفريقيا، يمر بها الغرب والشرق جميعا، ويملكون الطاقة المتجددة وغير المتجددة، ويعي العالم الإسلامي موقفه من هذا العالم، الذي يعتدي عليه، ويمس كرامته، ويتداعى على دُوله وأراضيه، بقوة السلاح، إن هذا العدوان، وهذه الفظائع، إذا راجعنا تاريخ القرن العشرين فحسب، ولم نمض بعيدا إلى الحروب الصليبية، إنما هي صادرة عن الأنظمة اللائيكية الغربية، فهذا هتلر، وذاك ليوبولد ملك بلجيكا في الكونغو، وموسولوني، وستالين، ولينين، وهؤلاء الصرب الذين أوقدوا نار الحرب العالمية، فمن قتل الملايين من البشر في القرن الماضي غير الغربيين؟ ثم يتهمون الإسلام بالإرهاب، وهؤلاء المحافظون الجدد في أمريكا، ومنهم بوش يتهم المسلمين بأنهم يأجوج ومأجوج، وهو الذي دمّر العراق وأعلن حربا صليبية، وأيده صاحبه طوني بليز، إن بوش يرى نبوءة الكتاب المقدس أخذت تتحقق أمامه.

فهم يدبرون بليل في مخابرهم، ومراكز الدراسات المختلفة لزلزلة العالم الإسلامي وتفكيكه، لتحقيق مصالحهم، ومصالح إسرائيل بالذات.

وهذه الحرب الضروس ضد إيران خشية امتلاك الطاقة النووية، وتسليط العقوبات الظالمة على اقتصادها، وحياة شعبها المعيشية بلا هوادة، في حين يسكتون سكوتا مطلقا على ترسانة إسرائيل النووية، وتتشدّق إسرائيل أنها لا تسمح بامتلاك إيران للطاقة النووية السلمية التي تراقبها منظمة الطاقة النووية العالمية وتفتشها كأنها شرطي العالم.

لقد صدق الأخ الأستاذ أمير نور حينما أصدر كتابا له عنوانه: “العالم العربي على موعد مع سايكس- بيكو جديد” ولعل أن يكون عنوانه: “العالم الإسلامي على موعد مع سايكس-بيكو جديد” أحسن، تتحد ضد العالم الإسلامي أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وإن شئت قلت العالم الغربي كله، وهذا مصداق الحديث النبوي: “تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، وهم مفترسون لشدة ما أصابهم من جوع ووحشية.

من تأمل وضع العالم الإسلامي اليوم يأخذه اليأس من تصرفات السياسة المتهالكة، ولكن إذا أبصر بصرا سديدا ورأي هؤلاء الشعوب التي أخذت تعي ما حولها في الداخل، وفي العالم، وأخذ شبابها يدخل عالم المعرفة، والبحث، ويتخذ لنفسه رؤية جديدة، وما الحراك الجزائري إلا لمحة من لمحات الشباب، وغضب من غضبه، وإن كان لم يكن مجرد غضب وانفعال، وإنما يمثّل لونا من ألوان الثورات الشعبية، في هذا العالم الذي أخذ يتغير إزاء هذا الوباء الجارف الكاسح، وهذه المظالم الكالحة.

نتوقع تغيّرا هائلا، وانقلابا في الموازين، إن تيّار الشعوب لا مردّ له، ولا مدافع إذا هبّت رياحه، فلا يأس، وإنما الأمل ثم الأمل الواعي الفطن السديد العالِم، فيا مسلمون اتحدوا، إنكم أمة واحدة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى