مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أعلام الجمعيةالجمـــــــعية

الشيخ صالح بن مدور الغسيري

بقلم: الأستاذ الأخضر رحموني

تناول الأستاذ سعدي بزيان في مقالة حملت عنوان: (شاهد على ميلاد الحركة الإصلاحية لجمعية العلماء في الأوراس) نشرت في جريدة – البصائر – العدد 860 الصادر بتاريخ 29 ماي 2017 عدة أسماء كان لها دورها المشهود والمؤثر في انتشار الحركة الإصلاحية بمنطقة جبل احمر خدو بالأوراس، منهم الشيخ عمار بن سي الجودي و الشيخ بلقاسم بن عمار ميموني والشيخ محمد يكن الغسيري والشيخ أحمد بن السعدي ميموني وغيرهم، لكنه أشار في ثنايا مقاله الى أنه (ومع الأسف الشديد لا أملك أي معلومات وافية عن الشيخ سي الصالح بن مدور وهو من قرية أولاد منصور)، لهذا فضلت الوقوف عند محطات بارزة في مسيرة هذا المربي الذي قضى حياته في خدمة التربية والتعليم ونشر العلم على المنابر بمنطقة غسيرة وما جاورها من القرى وبمدينة بسكرة قبل الثورة التحريرية التي كان أحد جنودها الأتقياء المجهولين وبعد الاستقلال، علاوة على نشاطه المعتبر في حقل الإصلاح الاجتماعي. ويكفيه فخرا أنه أحد تلامذة باعث النهضة الوطنية في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس.

المولد و النشأة:

ولد الشيخ الصالح بن أحمد بن بلقاسم بن أحمد بن علي بن مدور يوم الجمعة 29 ربيع الثاني 1334هـ الموافق لـ 03 مارس 1916 بقرية السلوم التي تعرف حاليا بقرية أولاد منصور التابعة لبلدية غسيرة دائرة تكوت من ولاية باتنة.

كان والده موالا وفلاحا، لا يملك مسكنا قارا، فهو يتنقل بمواشيه أربع مرات في السنة الى حيث المراعى بمنطقة غسيرة بسفوح جبل أحمر خدو التي يحدها من الغرب جبل الأخضر ومن الجنوب مشونش ومن الشمال آريس ومن الشرق تكوت.

ولد داخل اعشوش وهو عبارة عن كوخ من خشب العرعار، مغطى بشجر الإكليل والحلفاء، وضعته أمه السيدة الفاضلة عائشة بن عمر على فروة صوف في المكان المسمى (الدار سلدان) أين يستقر الموالون خلال فصل الشتاء. وهو يقع شمال وادي غسيرة بالجهة المعروفة بسامر وتعني بالأمازيغية الأرض المقابلة للشمس.

اختار له والده اسم الجموعي تيمنا باليوم الذي ولد فيه، ولكن غيره باسم الصالح عند تسجيله في الحالة المدنية حتى يكون صالحا في حياته المستقبلية.

تربى في بيئة صعبة على يد والدته التي كانت تقوم بملء الماء بالقربة من المنابع الطبيعية، وتجمع الحطب من الجبل القريب، وتطحن الشعير والقمح بوسائلها التقليدية، وتقوم بكل عمل شاق من أجل التكفل براحة ابنها وسعادته.

دخول كتاب القرية:

لما بلغ ثلاث سنوات ،استقر والده بالقرية، واختار حرفة الخياطة باليد ثم بالمكينة، حتى يخفف عن نفسه أعباء التنقل مع المواشي. وساعده الاستقرار على الالتزام الديني، فكان كثير التردد على المسجد، رغم ثقافته البسيطة.

ومن حسن حظ مترجمنا، أنه لما بلغ خمس سنوات من عمره ،أدخله والده الى مكتب القرآن بالقرية. قائلا له (إني وهبتك لله، لا أريد منك أية إعانة على تكاليف هذه الدنيا، فتجرد لحفظ القرآن الكريم وتعليمه للناشئة).

وفي الوقت نفسه أوقف ابنه الأكبر مصطفى عن التعليم، حتى يستعين به على شؤون الحياة وتقلباتها. وكان من بين زملائه في مكتب القرآن، ابن قريته محمد بن أحمد يكن الغسيري أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المعروفين، والسفير السابق بالمملكة العربية السعودية وبدولة الكويت.

التعلم بالزاوية:

واصل صالح بن مدور التعليم القرآني حتى بلغ أحد عشر سنة من عمره، ثم أدخله والده إلى زاوية المرابط أحمد بن الصادق بقرية أولاد ميمون التي تقع على بعد ثلاثة كيلومترات عن القرية، مما أجبره على  المكوث بها مع الطلبة الجوالة، الى غاية إتمام تعليم و حفظ القرآن كله، وكان يزور عائلته مرة في الأسبوع، حيث أن صاحب الزاوية حسب العادات المتوارثة هو من يتكفل بالمأكل مجانا، أما اللباس فعلى الأهالي، كما تقدم له الهدايا قدر المستطاع في كل مناسبة، خاصة خلال الأعياد و المواسم الدينية ، نظير تعليم أولادهم في الزاوية.

وبعد قضاء خمسة أعوام في الزاوية، ختم القرآن الكريم وجمعه في صدره عن طريق المعلمين النصحاء القائمين بالتعليم على نفقة صاحبها أيضا، منهم أحمد بن مخلوف بولطيف وخلاف ورياشي.

السفر الى مدينة بسكرة:

بعد مرض زميله محمد يكن بصدره وعينه في سنة 1930، أخذه والده الى الطبيب الحاج لخضر ملكمي من العائلة المعروفة بالتداوي بالأعشاب القاطنة بحي رأس القرية بمدينة بسكرة، وبعد العلاج وشفاء الولد، تقرر البقاء في حي رأس القرية عند المحسن العربي بن عبدي الذي تكفل بتموينه، وكان يدرس القرآن على يد المعلم الحاج محمد الصغير جودي.وبقي مترجمنا يدرس بزاوية القرية.

وعند حلول فصل الصيف زار محمد يكن زميله بالزاوية، ورغبه في السفر معه عند العودة الى مدينة بسكرة، فاستأذن من والده، فوافق على رغبته، وهكذا انتقل إلى بسكرة سنة 1930 لاستكمال حفظ القرآن على الشيخ محمد الصغير جودي، وقد تكفل بتموينه الحاج عبد الله جودي. وكان معه في الكتاب زميلان من عرشه هما سالم عمار من غوفي و يوسف بن فيالة.

الالتحاق بمدرسة الإخاء:

عند افتتاح مدرسة الإخاء في شهر أكتوبر 1931 بمدينة بسكرة، والتي تأسست بمبادرة من جمعية خيرية كانت تضم مجموعة من المحسنين يتقدمهم الحاج الحفناوي دبابش والقاضي الشيخ محمد بن الساسي والسيد خبزي بن عمارة، واختير لإدارتها الشيخ محمد خير الدين، انتسب إليها رفيقه محمد يكن، وفي أول سنة 1932م التحق أيضا مترجمنا  بهذه المدرسة الحرة.

وتعلم على يد الشيخ محمد خير الدين وبلقاسم بن عمار ميموني وعمر بن البسكري ومحمد بن الحاج إبراهيم الطرابلسي، كما كان في الوقت نفسه يدرس القرآن لأبناء قرية رأس القرية.

في سنة 1933 انتقل زميله محمد يكن الى جامع الأخضر بقسنطينة للدراسة عند الشيخ ابن باديس رفقة الطالب مسعود الصحراوي، وبقي صالح بن مدور ببسكرة، وتكفل المحسن العربي عبدي بمعيشته والإيواء، مقابل تعليم أولاده.

بين رغبة السفر ورفض الوالد:

في آخر سنة 1934 عند عودة محمد يكن من قسنطينة إلى بسكرة، زار أهله بالجبل بعين الكرمة مجبر، ورغب صديقه الصالح بن مدور في الذهاب معه الى الجامع الأخضر للدراسة، وبعد استئذان والده رفض الفكرة من أساسها، مبررا ذلك بالخوف عليه من اليهود، حيث وقعت في تلك السنة فوضى بين العرب واليهود والتي خلفت سقوط موتى من الطرفين، وإضرام الحرائق بالدكاكين وهي المعروفة بأحداث 05 ماي 1934. واقترح عليه الالتحاق بزاوية الشيخ علي بن عمر بطولقة أو الدراسة بالزاوية الحملاوية بتلاغمة، غير أن مترجمنا صمم على الذهاب، وخالف رأي والده.

الدراسة عند الشيخ ابن باديس:

في بداية الموسم الدراسي في أول أكتوبر سنة 1934، وبعدما زوده المحسن العربي بن عبدي بالألبسة ومبلغ مالي يكفي حاجته، سافر مع زميله محمد بن أحمد يكن الذي أخذه عند الشيخ عبد الحميد بن باديس، وتم تسجيله ضمن قائمة التلاميذ، وعين له الإقامة بمسجد بومعزة، ومكث يدرس بالجامع الأخضر مدة أربع سنوات على الشيخ ابن باديس وغيره من المشايخ، وكان كبقية التلاميذ يدرس 11 درسا في اليوم.

وفي آخر عام 1938 غادر مدينة قسنطينة وتوقف عن الدراسة بالجامع الأخضر اضطرارا لفقدان البلغة، ورجع الى قرية أولاد منصور.

التدريس والإمامة بقرية تحمامت وتفلفال:

وفي أول أفريل 1944 جاءته جماعة من عرش أولاد سي أحمد من تحمامت طالبة منه الذهاب معها للقيام بتعليم الأولاد والإمامة والفتوى، وأجرته تتمثل في غلل أملاك المسجد، وقدموا له إعانة قبل مجيء فصل الحرث. غير أن الأحوال الجوية كانت صعبة في سنة 1946، فقد يبست البساتين وعم الجفاف المنطقة، ومما زاد الأوضاع سوءا آثار الحرب الكونية المدمرة، مما أجبره على التوقف عن التدريس، ورجع الى قرية أولاد منصور بعائلته وولده الأول عبد الوهاب رحمه الله في آخر عام 1946.

وفي هذه السنوات التى تولى فيها تعليم القرآن، حفظ على يديه بسيدي بركات 25 طالب قرآن، وحفظ بقرية الريف 15 طالبا.

التدريس والإمامة ببريكة:

تم استدعاء الشيخ صالح بن مدور من طرف الشيخ محمد خير الدين مدير مدرسة التربية والتعليم ببسكرة، فانتقل إليها في أول مارس 1947م، وتولى التعليم المدرسي مع عدد من المعلمين إلى مارس 1949م حيث تم تحويله من طرف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى مدينة بريكة من أجل رفع النزاع الذي كان واقعا بين معلمي المدرسة وإمام المسجد بسبب الاختلاف في المواقف السياسية للأحزاب، فذهب وتولى صلاة الجمعة والدرس للكبار في المسجد ،مع القيام بالتعليم بالمدرسة أولا لوحده، ثم مع مدرس آخر، ومكث مدة أربعة أشهر إلى أن زال الخلاف والتأم الجمع، وتأسست جمعية جديدة يرأسها السيد باعلى عيسى، وقد زاره خلال هذه الفترة الشيخ محمد الغسيري كمفتش للتعليم.

في مدرسة التربية والتعليم ببسكرة :

في آخر سنة 1952 انتقل مرة أخرى إلى مدينة بسكرة بطلب من جمعية مدرسة التربية والتعليم، وتولى التدريس بالمدرسة الجديدة الواقعة بسوق الحشيش والتي دشنها الشيخ محمد البشير الابراهيمي سنة 1952م، وزاول التعليم بها تحت إدارة الشيخ علي مغربي ثم الشيخ أحمد السرحاني، الى جانب زمرة من المعلمين منهم: الشيخ محمد العابد الجلالي، والأستاذ محمد الصادق مراوي ـالمحامي ـ، والشيخ بلقاسم بن عمار ميموني، والشيخ الشاعر أحمد الطيب معاش، والشيخ بلقاسم القماري، والشيخ محمد مغزي بخوش، والشيخ محمد الشريف بلال القنطري. كما أنه كان قبل الثورة عضوا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ويملك بطاقة عالم.

ومن المؤيدين للكشافة الإسلامية الجزائرية، ويشجع تلامذته الأناشيد الوطنية الحماسية.

مشاركته في الثورة:

كما كان الشيخ الصالح بن مدور يقوم زيادة على مهمته التربوية والحرب قائمة، بالتسبيل في الثورة ،بصفته المكلف بشؤون المكتب المالي، حيث تأتيه الحوالات المالية من العمال الجزائريين بفرنسا ومن عدة جهات بناحية الأوراس ،فيتولى تسجيلها و تقديمها للمسيرين مثل مصطفى بن بومعراف والأمين ميموني.

كما كان أمين سر الشهيد العرافي بركات رئيس المنظمة المدنية لجبهة التحرير ببسكرة من أخر عام 1958 إلى مارس 1961.

وحتى بعد غلق مدرسة التربية والتعليم في أواخر سنة 1957 بقي يواصل عمله الجهادي كمسبل .واستقر بقرية أولاد ميمون في عام 1959.

وفي عام 1960م فتح دكانا للتجارة بثمن بعض المحسنين بالقراض مع مواصلة عمله لفائدة الثورة.

وكان يلتقي مع أفراد من جيش التحرير منهم الفضيل وعرامي ومحمد الطاهر وغيرهم.

 

نشاطه التعليمي بقرى غسيرة و ببسكرة:

في آخرعام 1964 رجع الى التعليم بطلب منه، بعد حصوله على الأقدمية فيه لمدة 18 سنة و ثمانية أشهر بمستوى شهادة الباكالوريا -رتبة مدرس- فعلم سنة واحدة بتكوت ثم سنة 1965 بغوفي ثم بكاف العروس من 1967 الى 1969.

بعدها انتقل إلى مدينة بسكرة بطلب منه، فعلم سنة 1970 بمدرسة البنات بجنان لاندو، ثم حول إلى مدرسة بركات عبد الرحمن في آخر سنة 1970 م وبقي بها إلى أول مارس 1977 تاريخ حصوله على التقاعد.

نشاطه السياسي والخيري والفتوى:

منذ الاستقلال والشيخ صالح بن مدور يقوم بالفتوى الشرعية مجانا في كل وقت، ويسافر مع الناس إلى الأرياف والقرى التي يقع فيها النزاع. لم يكن يبخل على أحد إلا لعذر مبرر، ولا يرد محتاجا. كما تولى رئاسة الجمعية الدينية على مستوى غسيرة، ومن الأعمال التي قام بها تسجيل أملاك الأوقاف لكل مسجد بغسيرة، وكل الوثائق المتعلقة بهذا الملف توجد في مقر العدالة لدائرة أريس وبمقر مديرية الشؤون الدينية بباتنة، كما أشرف على بناء مسجد قرية تفلفال، ومسجد قرية كاف العروس، ومسجد حي بن عمارة بسطر الملوك بمدينة بسكرة.

بالإضافة إلى عضويته بقسمة حزب جبهة التحرير الوطني بتفلفال وعضويته في المجلس الشعبي البلدي مع المرحوم نزار، وانتخب العضو الأول في مجلس البلدية برئاسة السيد شرارة.

توقفت عن هذا النشاط الإداري في سنة 1990، بعد توليه إمامة مسجد سعد بن أبي وقاص بحي ابن عمارة ببسكرة متعاقدا لمدة ست سنوات زيادة على الإفتاء.

وفاته:

توفي الشيخ الصالح بن مدور -رحمة الله عليه – بمدينة بسكرة يوم السبت 15 جمادى الأولى 1430 ه الموافق 09 ماي 2009 م، ودفن بمقبرة حي العالية في موكب جنائزي حضره تلامذته و أصدقاؤه من الأئمة والعلماء، قد صلى عليه وأبنه الشيخ محمد يخلف إمام مسجد قوراري ببسكرة. فطيب الله بالرحمات ثراه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى