مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

جهاد دائم، من عصر التمائم إلى عهد العمائم

بقلم الدكتور عبد الرزاق قسوم

هناك مقولات فكرية، في البناء الوطني أُجبرت على التضايف، والتعايش، والتكامل والتفاعل، من أجل بناء الإنسان المتوازن، وتكوين المواطن المتميز المتباين، وتنشئة المجاهد الثابت المتعاون.

إن هذه المقولات، التي هي بمثابة اللقاح والتطعيم الذين يلقح بهما الطفل منذ ولادته، لتحصينه ضد داء فقد المناعة، وإحداث الأصالة فيه والقناعة، بحيث إذا انعدمت مقولة واحدة، انعكس ذلك على الطفل، بسوء الطباعة، وفساد البضاعة، إن هذه المقولات الفكرية، ثلاثية مقدسة تتجلى في الإيمان، والوطنية والجهاد.

فالإيمان، القائم على العقيدة الصحيحة، المنزل بعلم وفهم على القريحة، هو الضامن لبناء الفئة المؤمنة الصالحة الملتزمة بالشريعة الصريحة.

وكذلك الشأن، في الوطنية، إن هي خلت من التقديس، والتسييس، والتلبيس أنتجت لنا المواطن الخالي من التقليد الشنيع، وذهنية القطيع، واتباعية الزعيم الوضيع.

أما الجهاد، فهو تتويج للإيمان الصحيح، والوطنية الحق، ينمو بنموهما وينقص بنقصانهما، ذلك أن الإيمان يكسب الجهاد الثبات، والوطنية تحصنه من الغزو، والإنسلاب والشتات، وتمده بقيم الإقدام والشجاعة وسمو التضحيات، فإذا اجتمع في المواطن الإيمان، والوطنية والجهاد، كانت القاعدة الصلبة للبناء الوطني، المضاد للزلازل، والمستعصي على عملية الهدم، بمختلف المحاول.

 لذلك، يحق لنا، ونحن نحيي ذكرى يوم المجاهد، أن تزن بمعيار الثلاثية الفكرية المقدسة، لنرى مدى الاستجابة، وندرك إلى أي حد، كانت الصلابة والنجابة، والحرابة.

ولقد تفطن لهذه المقولات الفكرية الهامة، أساطين الإصلاح التربوي في بلادنا،  فاعتنوا بتنشئة الجيل الصاعد على هذه القيم، ليجعلوا منهم بناة للأمم وحماة للذمم، ورعاة للشيم.

فالذين، دخلوا بالجهاد من هذه الثلاثية هم الثابتون، اليوم، على المبادئ، لم يتزلزلوا، ولم يتزعزعوا، لأنهم أُشربوا، الوطنية مع حليب الأمهات، وفتحوا أذهانهم وأسماعهم، على حفظ وفهم الآيات، وترنمت ألسنتهم بالعذب من الألحان، والأناشيد، والمدائح، وأطيب الكلمات.

لقد ربينا في هذا الجو المفعم بالإيمان والروح الوطنية، والإعداد للجهاد.

فكنا نتغنى في طفولتنا، بنشيد:

بلاد الشام أوطاني *** من الشام لبغدان

ومن نجد إلى يمن *** إلى مصر فتطوان

فلا حد يباعدنا *** ولا دين يفرّقنا

لسان الضاد يجمعنا *** بغسّان وعدنان

كما كنا نترنم بنشيد الزعيم المغربي علال الفاسي رحمه الله:

إلى كم نعيش بدون حياة؟

     وكم ذا ننام عن الصالحات؟

  فوا حسرتاه على حالنا

وماذا استفدنا من الحسرات؟

ولطالما أنشدنا نشيد شاعر الإصلاح محمد العيد آل خليفة:

بمحمد أتعلق *** وبخلقه أتخلق

وعلى البنين جميعهم *** في حبه أتفوق

ذلك – إذن-  كان  هو المصل  الذي طُعّمنا به في طفولتنا، فنقلناه، إلى تلاميذنا عندما أعلن الجهاد، إعدادا واستعدادا، وانقيادا،  فكان من الأناشيد ما سلي لمحمد العيد آل خليفة:

صوت بعيد المدى هل يجاب

ناداكم للندى بالرقاب

إلى الفدا إلى الفدا يا شاب!

وكذلك نشيد:

يوم نُدعى للجهاد *** نصبح الجند الشداد

ونؤدي للبلاد *** كل حق مخلصين

قد حملت البندقية *** ولها عندي مزية

فهي في الخطب بلية *** تقتل الخصم المبين

إن هذه النماذج الذي يحفظها أطفال مدرسة الشبيبة ببئر مراد راس وقد أصبحوا اليوم رجالا، هي التي مكنت من الانخراط يومها في الجهاد،  وحصّنت المجاهدين بالدعم المادي والمعنوي، لمواصلة الجهاد وتحقيق النصر.

فعندما كان أول لقاء إلى بالجهاد، كان في مسقط رأسي بمدينة المغير،  وذلك في الشهور الأولى لاندلاع الجهاد، كان ذلك في بيت أحد الشهداء، سي عمار شهرة رحمه الله.

فقد أخذني إلى بيتهم، يومها الشهيد موسى شهرة، وهناك وجدت مجاهدين من الرعيل الأول هما:  المجاهد الشهيد ابن القطاري، والمجاهد الشهيد عميرة قرندي، رحمهما الله. ومما قال لي المجاهد ابن القطاري آنذاك، أن الاستقلال الذي نجاهد من أجله هو ليعيش أمثالكم من المثقفين في عزة، وكرامة، وسعادة، وهناء.

كانت تلك العبارات هي الحقنة الحيوية، والبلسم الناجع، الذي دفعني إلى الانخراط في الثورة، فأيقظ عقلي، وتضاعف وعيي…

واليوم نحن نحيي ذكرى يوم المجاهد، أفلا يحق لنا أن نسأل: لماذا أفرغ مفهوم الجهاد من محتواه، وحاد عن هدفه، ومقصده ومبتغاه؟

لماذا وجدنا، بعض المجاهدين، ينخرطون  في العصابة؟ ويتواطئون مع الأعداء في نسج المؤامرات، وتدبير كل أنواع الحرابة؟

ولماذا يتخلى البعض عن مبادئ الوطنية الثانية، وقواعد الإيمان القانتة، وأصول الجزائر الثابتة؟

ذلك لأن خلا ما، قد وقع منذ النشأة فأحدث الخلل، وسبّب الزلل، وضاعف من العِلل.

فتحبه إلى المجاهدين الأصلاء، الثابتين الصلحاء، ودعوة إلى تجنيد الإخلاء وذويهم النبلاء، من أجل العلو بالوطن وإنقاذه من أيدي، المخربين والعملاء.

وإن البقاء في النهاية لن يكون إلا للصلحاء، وجهاد دائم من عصر التمائم إلى عهد العمائم.  

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى