أعلام الهدى: “الشيخ عبد الرحمن شيبان” -رحمه الله-

بقلم: د. سعيد بويزري

أولا: المولد والنشأة
ولد عبد الرحمن شيبان في الثالث والعشرين من شهر فيفري سنة 1918 ببلدة الشرفة دائرة مشدالة التابعة لولاية البويرة. حفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ اللغة العربية والتوحيد والفقه بمسقط رأسه بالزاوية السحنونية بالزواوة وبني وغليس على الضفة الشمالية لوادي الصومام. وفي العشرين من عمره شدّ الرحال إلى جامع الزيتونة بتونس سنة 1938 ونال شهادة التحصيل في العلوم سنة 1947 وإلى جانب ذلك كان يقوم بالنشاط الثقافي وترأس جمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين بتونس.
ثانيا: بعد التخرج
بعد عودته من رحلته في طلب العلم، عيّنه رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الإمام المرحوم البشير الإبراهيمي أستاذا للبلاغة والأدب العربي بمعهد عبد الحميد ان باديس بقسنطينة سنة 1948، فكان يغوص بحثا عن البيان والمعاني والبديع في شعر المتنبي وقد صنّف من أساتذة الطبقة الأولى بالمعهد (مستوى شهادة العالمية 1954 بقرار المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين) بجانب كل من الشيخ النعيمي وأحمد حماني وعبد المجيد حيرش وعبد القادر الياجوري.
شغل الأستاذ شيبان وهو في الجزائر عدة مهام:
1- عضو عامل في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
2- عضو في لجنة التعليم العليا المكلفة بإعداد مناهج التربية والتعليم والكتب المدرسية بمدارس الجمعية المنتشرة في أرجاء الوطن.
3- محرر في الجرائد الجزائرية: النجاح .المنار والشعلة…
4- من الكتاب الدائمين في جريدة البصائر لسان حال الجمعية بتكليف من الإمام الإبراهيمي فكان من مقالاته:
– جهاد أدبي أو فلسطين والشيخ الإبراهيمي (ماي 1948).
– ماذا تنتظر لإمداد فلسطين.
– الإسلام شريعة الجهاد و الاجتهاد .
– المعهد ومستقبل الأدب الجزائري (1949).
– الجزائر للجزائريين ( 1955).
– الذكرى الخامسة عشرة لبطل الجزائر ابن باديس (1955).
– القضية الجزائرية قضية حرية أو موت (1956).
ثالثا: جهاده في الثورة
عند اندلاع الثورة المباركة سنة 1954 التحق بها الشيخ شيبان وأصبح من المجاهدين في المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني وعضوا في لجنة الإعلام للجبهة ومشاركا في تحرير جريدة “المقاومة الجزائرية” لسان حال جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني. وفيها كتب عدة مقالات هامة تحت ركن “صفحات خالدة من الإسلام” يسقط فيها الماضي على الحاضر ومن بينها:
– بين بدر 624 وفاتح نوفمبر 1954.
– أسماء بنت أبي بكر الصديق أول مجاهدة عربية.
– كفاح الجزائر بين الماضي والحاضر.
– البطل الخالد الإمام ابن باديس.
– أين يوجد الشيخ العربي التبسي.
– ولست أبالي حين أقتل مسلما (عن استشهاد الصحابي خبيب بن عدي ومقارنته بشهيد المقصلة أحمد زبانة).
وبعد مسيرة طويلة في الكفاح الإعلامي بين إخوانه المجاهدين عين مستشارا لرئيس بعثة الثورة بليبيا سنة 1960.
رابعا: أعماله في عهد الاستقلال
– عند افتكاك الحرية والاستقلال من بين أنياب الاستدمار الفرنسي بدأت معركة على نطاق آخر وهي مواجهة أبناء البلد ذوي الاتجاه اللائكي فجمع نخبة من أعضاء جمعية العلماء ومعلميها لإحباط دعوة تجعل اللائكية أساسا للدستور الجزائري المقبل نشرته الصحافة الجزائرية الناطقة بالفرنسية في 09 أوت 1962، فكان الرد الحاسم بتوجيه نداء إلى الشعب الجزائري للتمسك بدينه. ونشرته صحيفة بريطانية في أواخر أوت 1962.
– انتخب عضوا في المجلس الوطني التأسيسي في فجر الاستقلال سنة 1962 حيث كان مقررا للجنة التربية الوطنية.
– كان من أعضاء اللجنة المكلفة بإعداد دستور الجزائر حيث ساهم مساهمة ايجابية مع مجموعة من النواب من أهل العلم والجهاد في جعل الإسلام دين الدولة واللغة العربية اللغة الوطنية الرسمية.
– عّين مفتشا عاما للغة والأدب العربي والتربية الإسلامية في مؤسسات التعليم الثانوي الرسمي وصنّف في درجة حملة “شهادة الليسانس” بمرسوم رئاسي في مارس 1964.
– كان نائبا للمرحوم الشيخ البشير الإبراهيمي في رئاسة اللجنة الوزارية المكلفة بإدراج المعلمين والأساتذة الذين كانوا في التعليم العربي الإسلامي الحر.
– تولى رئاسة اللجنة الوطنية المكلفة بالبحث التربوي التطبيقي والتأليف المدرسي للمرحلتين الإعدادية والثانوية حيث أشرف على تأليف نحو عشرين كتابا في القراءة والأدب والنقد والتراجم والبلاغة والعروض والتربية الإسلامية.
– شارك في ندوات في التربية والتعليم باليونسكو وكان له شرف المشاركة في الوفد الذي ترأسه معالي الدكتور “أحمد طالب الإبراهيمي” وزير التربية الوطنية سنة 1966، ومن المواضيع الأساسية المطروحة هي اعتماد لغة رسمية خامسة تضاف إلى اللغات العالمية الأخرى منها العربية والصينية والهندية والفارسية ولكن كانت إيران هي أكبر المرشحين لترسيم لغتها كلغة عالمية. فسعى الشيخ شيبان إلى الاتصال بالوفد الإيراني لإقناعهم بسحب ترشيحهم فاقتنع الوفد الإيراني وسحبوا ترشيحهم لصالح اللغة العربية (البصائر ع.304 بتاريخ: 04/09/2009).
كما سعى مع وفود عربية لإقناع الوفد الأمريكي الذي عارض على ترسيم اللغة العربية يؤيدهم في ذلك الاعتراض بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ونجح الشيخ في هذا المسعى أيضا وذلك صدر في هذه الدورة 14 قرار اعتماد اللغة العربية اللغة الخامسة الرسمية لهيئة اليونسكو بأغلبية 50 صوتا ضد 11وامتناع 10 عن التصويت بعد مناقشات دامت عدة أيام.
خامسا: الشيخ شيبان في جمعية العلماء المسلمين
لقد كان للشيخ عدة مهام وأفضال على الجمعية وعلى الجزائريين وتسلم عدة مناصب منها:
– عضو في المجلس الإسلامي الأعلى والمشاركة في الندوات العلمية والدينية والتربوية داخل الوطن و خارجه.
– وزير للشؤون الدينية لمدة ست سنوات (1980-1986) حيث أشرف على تنظيم 06 ملتقيات سنوية للفكرالإسلامي منها: ملتقى للقرآن الكريم، فالسنة النبوية، الاجتهاد، الصحوة الإسلامية، الإسلام والغزو الثقافي، الإسلام والعلوم الإنسانية.
– عضو من المؤسسين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي ممثلا للجزائر.
– ساهم مساهمة فعالة في تأسيس معهد أصول الدين بالعاصمة (كلية العلوم الإسلامية).
– بذل جهدا في افتتاح “جامعة الأميرعبد القادر للعلوم الإسلامية” بقسنطينة. وتعيين الداعية المصلح الإسلامي المرحوم الشيخ محمد الغزالي رئيسا لمجلسها العلمي وتمكينه من إلقاء دروسه المتلفزة المتمثلة في “حديث الاثنين”.
– طبع آثار إمام النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس وفي طليعتها: “مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير”، و”مجالس التذكير من حديث البشير النذير” وهي مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي نشرها في افتتاحيات مجلته الشهاب.
– شجع قراءة صحيح البخاري رواية ودراية في مساجد العاصمة وفي أرجاء الجزائر.
– ترأس بعثات الحج الجزائرية إلى الأراضي المقدسة (1980-1986).
سادسا: بعد التقاعد
ساهم الشيخ شيبان في تجديد نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ 1991 بعد صدور الإذن بتكوين مختلف هيئات المجتمع المدني حيث كان النائب الأول لرئيس الجمعية الشيخ أحمد حماني ورئيسا لتحرير البصائر لسان حالها. وكان مداوما على إلقاء دروس دينية في التفسير والحديث والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي في المساجد والمراكز الثقافية في العاصمة وغيرها.
وقد تولى رئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وإدارة جريدة البصائر الأسبوعية منذ سنة 1999 وعلى صفحاتها دافع كما لم يدافع أحد قبله عن الجمعية ورد الشبهات عنها في سلسلة من المقالات تحت عنوان “حقائق وأباطيل”.واسترجع في 27 جانفي 2002 نادي الترقي التاريخي الذي ولدت في أحضانه جمعية العلماء المسلمين بالعاصمة، فاستأنف نشاطه بمحاضرات أسبوعية وعلى ضوء ذلك بعث تراث الجمعية المتمثل في جرائدها: الشريعة، السنة، الصراط، الشهاب، والبصائر كاملة (12 مجلدا). وأسس وبإشرافه على شعب جمعية العلماء في مختلف الولايات.
سابعا: إجازاته
وقد أجازه بمروياتهم العلمية وأسانيدهم العلماء الآتية أسماؤهم: العالم المكّي المرحوم محمد العلوي، فضيلة العلامة مفتي سوريا الأسبق المرحوم أحمد كفتارو، سماحة الدكتور محمد الحبيب بلخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.
ثامنا: وفاته
بقي الشيخ يحمل على كاهله عبء السنين وعبء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى أن وافته المنية وانتقل إلى جوار الله في صبيحة الجمعة 12 رمضان 1432هـ الموافق لـ 12 أوت 2011م عن عمر يناهز الثلاثة والتسعين سنة من عمره.
رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته.
Exit mobile version