مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أعلام

محمد العيد آل خليفة.. سَيّدُ الشّعَرَاء

محمد العيد آل خليفة.. الشاعر الملهم الذي عانق الجمال، والصّوت الجهوري الذي حلق في الآفاق، وقلم الصّدق الذي جعل الشّعر وَقْفا للوطن، فهو يتعفف في شعره حتى عن خاصة نفسه، فلا يتحدث من وُجدانه إلا عن أمل لشعبه يتعهّد نموَّه، أو فرح لأمته ينثر عطره.


محمد العيد آل خليفةهو محمد العيد بن محمد علي بن خليفة[1]، من مواليد مدينة عين البيضاء (ولاية أم البواقي) في 27 جمادى الأولى 1323 هـ الموافق لـ 28 أوت 1904 م؛ واستهل سبيل العلم بحفظ القرآن الكريم في الكتّاب، والتحق بالمدرسة الابتدائية لمدينة عين البيضاء أين تمدرس على يدي الأستاذين: الشيخ أحمد بن ناجي الصائغي والشيخ محمد الكامل بن الشيخ المكي بن عزوز.

وفي عام 1918، تنقل محمد العيد مع أسرته إلى مدينة بسكرة، أين تحصّل على ختمة القرآن المباركة وهو في الرابعة عشرة من عمره؛ وواصل دراسته في حلقات المشايخ علي بن ابراهيم العقبي، الشريف والمختار  بن عمر اليعلاوي والجنيدي أحمد مكي، فنهل من “الأصول” و”التوحيد” و”الفقه” و”النحو” و”المنطق”؛ وفي 1921، شدّ الرحال إلى تونس، والتحق بجامع الزيتونة، كما واضب على دروس “الخلدونية” بصفة حرة، فأخذ الحساب والجغرافيا وغيرهما من العلوم، وبقي مداوما إلى أن تحصّل على شهادة “التطويع” من الزيتونة”.

وفي 1923، رجع محمد العيد إلى بسكرة بعد أن ألمّ به مرضٌ منعه عن مواصلة إرواء شغفه إلى العلم، ولكنّ شاعر الجزائر ظل يختلف إلى حلقات العلوم في مدينته، فأفاد من “الحساب” و”الفلك” على يدي الشيخ المختار اليعلاوي، وأخذ “التفسير” و”البلاغة” عن الشيخ البشير الإبراهيمي العقبي، واشتغل بالتدريس في المدارس الحرة، وبدأ ينشر بعض قصائده في صحف مختلفة أهمّها: “صدى الصحراء” (للشيخ أحمد بن العابد العقبي)، “المنتقد” و”الشهاب” (للشيخ عبد الحميد بن باديس).
وذاع صيت محمد العيد في الأوساط التّعليمية والثّقافية، فدعي إلى الجزائر العاصمة ليتولى مهمّة التدريس بمدرسة الشبيبة الإسلامية في عام 1927؛ وفي خلال هذه الفترة، أسهم في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان من أبرز أعضائها، وظلّ ينشر المعارف في قاعات الدرس، وينثر عطر شعره في جرائد “الشريعة”، “السنة”، “الصراط”، “البصائر” وهي جرائد تابعة لجمعية العلماء، أو جريدتي “المرصاد” و”الثبات” اللتين أسسهما محمد عبابسة الأخضري.
وفي 1940، عاد محمد العيد إلى بسكرة ليقضي عاما بمدارسها الحرة، ثم يدعوه واجب التعليم إلى مدينة باتنة، فيتولى الإشراف على مدرستها العربية من 1941 إلى غاية 1947؛ وبعدها يتنقل إلى عين امليلة مدرسا ومديرا لمدرسة “العرفان” التي أدارها والده من قبل، وظل صابرا مع شعبه ضد اضطهاد الاستعمار، واثقا بأن بذرة الخير لها ثمرتها المقبلة.
ومع اندلاع ثورة التحرير المباركة في نوفمبر 1954، ألقى المستعمرون القبض على محمد العيد، وزجوا به في السجن، وكانت تهمته آنذاك أنه من أبرز أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ولم يطلق سراحه إلا ليتم اعتقاله من جديد بتهمة تقديم دروس “تحريضية” على الثورة بالمسجد المجاور لمدرسة “العرفان”، ليعود إلى سجن عين امليلة في جوان 1955، ثم ينقل إلى سجن الكدية بقسنطينة، إلى أن يفرج عنه، ولكن بـ”تحديد” إقامته في بسكرة، ليبدأ محمد العيد مرحلة “الإقامة الجبرية” ويعيش معزولا عن المجتمع، ممنوعا من التواصل مع الناس[2]، ويبقى رهينة رقابة صارمة إلى غاية استقلال الجزائر عام 1962، ليخرج من سجنه إلى رحاب الحرية مغرّدا بروائع الأشعار، ويشارك في مسيرة البناء والتشييد شاعرا مفوّها ومثقفا عظيما ظل واثقا أن بذرة الحريّة لا يمكنها إلا أن تنمو وتزدهر.
 
  • إرهاصات ثورة التحرير الوطني  في شعر آل خليفة

ظلّت جذوة الثّورة على المستعمر مستعرة على الدّوام، ولم تكن نارها تخمد إلا لتستعر من جديد عبر كل مناطق الجزائر، وبقي الجزائريون يترقبون السّانحة التي يتخلصون فيها من ربقة المحتلّ بصفة نهائية، ويتواصون بواجب الحفاظ على الوطن.

وكان شاعرنا واحدا من الذين وقَفُوا جهودهم للحفاظ على تلك الجذوة مستعرة في القلوب، فظلّ يلقي إليها بروائعه، ويبثّ إليها من لواعجه وآلامه، ويحركها بآماله وأحلامه كي تزدهر وتكون نورا إلى الحرية، ولقد كان واضحا أن شعر محمد العيد آل خليفة، كان منذ صباه متوجها توجها خالصا إلى القضية الوطنية، ومثال ذلك قصيدة “أسطر الكون”[3]، وهي من بواكير الشاعر، يقول فيها:
 
وقلت لهم:      من يعشُ عن نفع قومه        أقيّض له جيشا من الكلــمات
 
وما دام خير الناس إنما هو خيرهم لأهله ولقومه، فإن محمد العيد كان حريصا على نفع قومه، بل إنه يقيّض جيوش القوافي ضد من يعرض عن إفادة قومه ونفعهم، ولم يدع أي مجال للشكّ منذ مطلع القصيدة في ذلك، من خلال التعبير عن حالة الإحباط التي يعيشها بسبب سوء أحوال الجزائريين..
 
وأقرأ من آي الشقاوة أسطرا                       على صفحات الكون مرتسمات
فسطر عياييل أمضّهم الطوى                      عراة على لفـــــــــــــح الأثير عراة
وسطرُ أيامى يصطرخن توجعا                    من البــــــــــؤس لا يفتأن مكتئب
اتوسطرُ يتامى مرهقين تكبّهم                     على جـــــــــرف البلوى يد العثرات
 
هذه هي حال الجزائريين، وهذا هو الكون المسطّر كما يقرأ الشاعرُ عليه سمات البؤس والشقاء، وكأن قدر الأطفال (العياييل) أن يقرضهم الجوع ويقابلون لفح الحرّ عُراة بلا وقاية، لا يجدون برفقتهم غير أيامى وأرامل صامتات على الأذى، ولكن جوارحهن تصرخ في صمت فترسم الحزن.. هي حال الشقاء التي تعصف باليتامى وتلقي بهم إلى مكاره الحياة، بل تلقي بهم إلى بلايا قد يخسرون معها آخرتهم كما يخسرون دنياهم بالشقاء.. فهل هذا البؤس قضاء وقدر؟ هل هي أسطر الكون التي لا يمكن مخالفتها؟.
         
طبعا، ليست هي الأسطُر الطبيعيّة، فالشّاعر يلاحظ أن هذه الأسطر البائسة، فوقها سطرٌ آخر مختلف.. سطر لخلق من الظَّلَمَة الجُناة بلغت جناياتهم المدى حتى كأن الليل البهيم أقل سوادا من جناياتهم، فهل يمكن التصديق بأن هذا الكون ليس غير سيف مصلت في وجه بني الإنسان؟ ولماذا لا تتداول السنوات إلا بالمصائب والملمّات التي لا تصيب أولئك الجناة وتخصص حصرا للمستضعفين؟
 
جناة يرى الرائي من الليل مسحــة             على سطرهم والظلم كالظلمات
فهل كان هذا الكون سيفا مشطبا                يمثـــــــــل بالأرواح والمهجات؟
وهل كان هذا الكون سوطا مبرحا              يدعّ بني الإنســـــــــــان بالسنوات؟
 
إن الشاعر يدرك تماما أن الوضع الذي يعيشه الجزائريون ليس قضاء وقدرا، وأن أسطرَ الكون ليست سيوفا مشرعة ضد مجموعة من البشر لحساب مجموعة أخرى، ولكنه يقدم صورا مختلفة عن بؤس الجزائريين كي يخلص إلى الدليل الحيذ على أن المصير لا يمكن أن يتحدد إلا بقرار واحد، ولذلك يعود ليعلن بأن أسئلته عن “أسطر الكون” ليست خروجا عن جادة الصواب، فيقول:
 
تبارك ربّ العرش لست بملحد                   أحاول طمـــس الحقّ بالشبهات
ولكن وجداني ينمّ بحســـــــرة                    إلى القلب أن يوحي له بشكاة
 
هي الحسرة على الوضع إذن، وهي حسرة موغلة في العمق حتى أن الوجدان لا يقولها صراحة، وإنما ينمّ بها سرّا إلى القلب.. هي شكوى من أوضاع الجزائريين التي ينبغي أن يرفضها كل جزائري، ويعمل على تغييرها..
 
هكذا كان محمد العيد آل خليفة في بواكير أشعاره، خلال العشرينيات، وليس يمكن لقارئ قصيدة “أسطر الكون”، أن يخطئ في تصوّر توجّه الشّاعر الثائر على أوضاع فرضها المستعمرون الجناة على أمّته[4].
 
وإذا لم يكن ديوان محمد العيد مرتبا ترتيبا تاريخيا يتيح للقارئ تتبع أثر الأحداث في شعره، فإن تواريخ النشر على الجرائد لها فوائدها الجليلة في إلقاء الضوء على الظروف العامة التي أحاطت بكل قصيدة، فتقدم مكنونها الثّوري واضحا جليّا لا يحتاج إلى دليل، فالشاعر لا يرضى بالوضع، ويوجه سهام نقده لاذعة على كل المستويات، ومثلما يرفض ظلم الجناة، فإنه يرفض تواكل المظلومين، وتقاعسهم عن المطالبة بحقهم، كما يرفض المفاهيم الخاطئة التي توطدت في أذهان النائمين وهو يقول:
 
يخالون آيات الحضـــــــــــارة بينهم            عجائب غيب أو طيـــــــــــوف خيال
وتمضي الليالي الســـــود تجهد سيرها          وهم بين مسلـــــوب الشعور وسالي
وهم بين منهدّ العزيمـــــــــــة خائر            وآخــــــــر من كل المواهب خالي
أفيقوا فهذا الدّين بين ربوعكــــــــم           تنازله الأحــــــــــــــــداث شرّ نزال[5]
 
لقد توطّد في قلوب النائمين على حقوقهم أنهم لا يمكن أن يبلغوا الحضارة لأنها من عجائب الغيب الذي لا يقدرون عليها، فخارت عزائمهم وضيعوا مواهبهم بعد أن استسلموا للاستلاب، واقتنعوا بالعجز، وهؤلاء ينبغي لهم أن يدركوا أن الحضارة ليست طيفَ خيال، وأنهم في مقدورهم أن يعيدوا أمجادهم.. هؤلاء ينبغي لهم أن يفيقوا مما أصابهم من وَهَنٍ، لأن الخطر بلغ آخر قلاعهم، وصار يتهدّد الدّين السّمح في الجزائر..
 
بهذا الأسلوب الناقد، يستحثّ محمد العيد الهمم، ويحرك الضمائر بحثا عن خيط أمل تتعلق به الأمة لتتخلّص من الهوان الذي حلّ بها؛ فيوجّه سهام شعره إلى المستعمر تارة، ويستصرخ النائمين تارة أخرى وهو يفضح المكائد ويذود عن القيم السامية.
 
ولا يفوّت الشاعر أي سانحة للحديث عن مآسي شعبه، فيقف على رأس السنة الجديدة متسائلا:
 
غشيَ الليـــل أم جلا؟                   لســـــت أدري بما تــــــــلا[6]..
قد مضى العـــــامُ مدبرا                  وأتى العــــــامُ مقبـــــلا
 
وهكذا حالُ الأعوام عند الجزائريين، تُقبل وتدْبر دون أن يعرفوا إن كان ليلا يغشى ونهارا تجلى، أو نهاية وجلاء للظلمة، وفي كل حال، فالأعوام تتواتر وتتعاقب كالأثواب التي تتحول إلى خرق بالية، ومجمل القول في كل عام أنه «كان حولا محوّلا»، ولكن، على الرغم من كل ذلك، فإن الشاعر أعدّ الصبر الجميل على الكل حادثة قد يأتي بها العام الجديد.
 
ويزدهرُ أُوار الثّورة في شعر محمد العيد آل خليفة في قصيدة “يا ليل” المنشورة بـ”البصائر” سنة 1951، ومطلعها يقول:
 
يا ليـــــــل طلت جنـــــاحا            متى تريـــــــــني الصّبـــــاحا[7]
 
إنه الليل الطويل الذي لا يعرف الجلاء.. ليل الاستعمار المظلم.. ولكن الشاعر يعرف كيف يمزج الليل الواقعي بالليل المجازي، ويجعل الأرق والسهاد عنوانا للقلق المتجذر في نفس تهفو إلى إشراق الصباح.. نفس تأنف من البقاء في سجن طال مكوثها به حتى ظنت أنها لن تبرحه أبدا.. نفس لم تعد تعرف إن كان الصباح فعلا يعقب الليل، أم أنه انتظار يطول، ويقول:
 
وقد أرى الجــــــدّ أجدى            فأستحــــــبّ الكفاحا
وقد أرى الصبـــــــر أولى          فأطمئــــــن ارتيـــــــاحا
وقد يهــــــــــمّ فؤادي                بأن يطيـــــــــر جمــــــــاحا
وقد أسرّ بكــــــائي                  وقد أضـــج نواحا
 
هكذا نفس الشاعر تعيش التيه في ظلمة الليل، فلا يكون شفاؤه وهناؤه إلا مع أول نسمات الصباح، ولا يقرّ له قرار إلا مع صياح الديك..
 
وتمضي القصيدة قوية متماسكة حتى يبلغ بها محمد العيد أوجها، وهو ــ وفق ما يقتضي منهجه ــ ينتقد الأوضاع ويرفض أساليب التفكير ويدعو إلى العودة لما ينفع الأمة، ثم يختم قائلا:
 
يا ليـــــــــــــل كم فيك عاد                      داس الحمى واستبــــــــاحا
إلى مـــــــتى أنــــت داج                        تغـــــشى الربى والبـــــــطاحا
نفسي إلى الفجـــــر تاقت                        متى أرى الفجــــــر لاحا؟
متى جنـــــاحك يطوى                           يا ليل طلت جنــــــاحا
 
إن أمثال هذه القصيدة كثير في ديوان الشاعر محمد العيد آل خليفة، فهو يقترب من معاني الحرية في كل ما يشكّل الحياة، ويبحث عن شعاع نور في كل ما يحيط به، حتى أنه يناجي البحر ويسأله عن سبب هياجه على البرّ دون أن يكون جنى ذنبا، ثم يمرّر رسالة الثورة سلسة واضحة حين يقول:
 
لعلك مغتـــاظ عليه لأنه         كثـــــير الرضا في النائبات له صبر[8]
 
وظاهر أن الشاعر استغل هياج البحر ببراعة، ليقدم صورة مقلوبة عن الوضع في الواقع، فالغيظ ينبغي أن لا يكون من “الرضا” و”الصبر” على النوائب، ذلك أنهما فضيلتان من مكارم الأخلاق، ولكن الشاعر أمعن في تقديم الوجه الآخر لهاتين الفضيلتين فأخرجهما من الحسن إلى القبح، فالصبر جميل كما يقول المثل، ولكنه يفقد جماله حين يكون صبرا على الاستعمار، ليصبح خليقة وضعت في غير محلّها، وتصير مجلبة لغيظ البحر وهياجه..
 
إن الطبيعة بظواهرها كلها إنما هي دعوات يومية إلى التحرر من نير الاستعمار، والتخلص من الليل البهيم.. كل ما يحيط بالانسان يومياته إنما يحثه على الثورة ضد الفرنسيين والانتصار للعقيدة السمحة.. ويبلغ الحزن مداه في سبتمبر 1954، مع زلزال الأصنام (الشلف حاليا)، فيقف الشاعر مذهولا متسائلا:
 
ويح الجزائـــر ما دهاها ما لها                     تدعـــو دراك وتستغيث رجالها
ويح الجــزائر أصبحت مكروبة                    ولهى تئن، فمن يكــــون ثمالها
مفجــــوعة ثكلت فتاة برة                          حسناء شوهت المنـــون جمالها
تذري على الأصنام صيّب دمعها                  وتردد الزفــرات مما نالها[9]
 
إنها لحسرة كبيرة، وفاجعة عظمى ألمت بالأمة الجزائرية، ولكن الحادثة لا ينبغي أن تمرّ هكذا، فإذا عرف الجزائريون كيف يقابلون الحزن بشجاعة، فإنهم ينبغي أن لا يفوّتوا العبرة، وأهل النهى هم من ينتبهون إلى ضرورة الاعتبار.. وعلى هذا ينبغي التساؤل عن السبب الكامن وراء البلوى التي خسفت بالديار وأزهقت الأعمار.. أليس من الممكن أن يكون الزلزال بسبب نفوس معينة يصفها الشاعر بقوله:
 
فالنفــس لم تتـــرك غرائز خبثها                         والآدميـــة لم تدع صلصــــالها
وبنو الجــــــــزائر في سفاسف عيشهم                   خلف اللذائذ ينشدون وصالها
ترجـــو الجزائر أن تناضل حرة                         عن حقها، فيعرقلـــون نضالها
وتحــــــولت حكامـها ظلامها                             وتبدلت أنصــــارها خذالها
فلذاك أنـــــذرنا الإلــه برجّــــة                           في كل يوم نسمـــع استفحالها[10]
 
هذا هو السبب الموضوعي الوحيد إذن للبلوى، وهو السبب المباشر لكل المآسي التي يعيشها الشعب الجزائر.. هناك أناسٌ يعرقلون طموح الجزائر إلى الحرية بانغماسهم في سفاسف الأمور، وحرصهم على الملذات الزائلة، فلا شكّ أن الزلزلة إنما هي إنذار من الله قد يستفحل أكثر، لذلك يجب الانتباه والاعتبار مما حدث حتى لا يتكرر.
 
ومع هذا الواقع الأليم، يحافظ الشاعر على خيط أمل، فالخير باق في أمّة محمد  إلى يوم القيامة، ويرسم صورا رائعة عن تضامن الجزائريين وهبتهم ــ هبة رجل واحد ــ إلى نجدة المكروبين، وها هي فتاة تصرخ من تحت الأنقاض، فيتسابق المنقذون إليها، ويسارعون إلى نجدتها من الموت..
 
خفّوا إليها كالوعـــــول تسابقت             نحـــــــو المكانس كي تجير غزالها
واستنقــــــذوها من مخالب موتها          والخــــوف يوشك أن يثير خبالها
فنجت وصحّت بالعلاج وأصبحت         برعايـــــة الإسعاف تحمد حالها[11]
 
ولم يكن الشاعر محمد العيد آل خليفة يترك مناسبة تمرّ دون أن يسجل دعوته إلى ترسيخ الوحدة بين ابناء الوطن الواحد، وإحياء الأمجاد، كما يعبر عن رغبته في رؤية يوم يسطع فيه نجم النهضة، وينتصر فيه روح الحرية، وقد ظل ملتزما بدعوته هاته يردّدها في الاحتفاليات على اختلافها، كمثل قوله في احتفالية بذكرى المولد النبوي الشريف:
 
فردّوا مجــــد ماضيكم                وحوطــــوه بأرصاد
وقــــوا أنفسكم نا                    ر عـــداوات وأحقادي
زيد الخصــم إيقادا                    لها من بعــد إيقاد
أتنشقــون أضدادا                    وما أنتـم بأضداد[12]
 
ومثل ذلك قولُه:
 
يا شباب العلى اعتصــم بالتآخي       زانـك الله في العلى من شباب
انشـــر السنة الكريمة واعمل           بهداها، وخــذ بحد الكتاب
إن تكن قد بنيت في الناس مجدا       فاحــــرس المجد من دواعي الخراب[13]
 
ومثلما كان للشاعر حضوره في الحياة اليومية داعيا إلى نهضة مبشرا بالحرية، كان له حضوره القوي في الردّ على عتاة المستعمرين، ومثال ذلك تلك القصيدة العصماء التي ردّ بها على “آشيل” الذي ادعى في مقال أن «القرآن كتاب مثير للحروب وعنوان على الهمجية والكراهية»، فقال محمد العيد:
 
هيهــــــات لا يعتـري القرآن تبديل        وإن تبــــــــــــــــدّل تـــوراة وإنجيل
قل للذين رمــــــوا هذا الكتاب بما         لم يتفــــق معه شـرح وتأويل
هل تشبهون ذوي الألباب في خلـق       إلا كما تشبـــه الناس التماثيل[14]
 
في قلب ثورة التحرير.. من المنفى
 
لم يكن أقسى من الإحساس بالغربة في حضن الديار، فقد كان أسود جيش التحرير الوطني يصنعون ملحمة الفداء في الجبال، والشّاعر محمد العيد يتحرّق شوقا، من “منفاه”، إلى معانقة الشّهادة في سبيل الله..كان محمد العيد آل خليفة في بسكرة مُحاصرا بحكم الإقامة الجبرية، ولكن شوقه إلى ميادين القتال تعالى على كل الجدران العازلة، وامتد ليعانق القلوب عبر كامل الوطن العربي.. هو الشّوق الذي عبّر عنه مالك حداد[15]  قائلا:
 
«محمد العيد.. لازلت أحتفظ بذكرى تلك القاعة في دمشق، ولقد كان ذلك أثناء الحرب التحريرية.. تلك القاعة التي وقفت وكلها حميّة وتقدير وإعجاب لسماع هذا الاسم، في تلك الظروف الدقيقة حيث كان من الصعب جدّا التمييز بين الجزائر والشاعر (…)»[16]..
 
لقد بلغ صدى شوق محمد العيد ولوعتُه بالحرية إلى حلب واللاّذقية وبيروت وفق شهادة مالك حداد بعد أن لمس السّمعة الطيبة التي يحظى بها الشاعر في كل أصقاع الأرض:
 
«أتذكّر ذلك الشاب العالم السوفياتي الذي حمل عليّ بأسئلة عن ابن عين البيضاء، ونحن في موسكو نتحدث عن الأدب الجزائري، وأتذكر كذلك ذلكم الأستاذ بكيِّطو (I.Kioto) الخبير الممتاز باللغة العربية، وهو يقرأ عليّ أبياتا من الذي أسماه أحد النقاد الأمريكيين: “المشعل”»[17].
 
ظل الشّاعر محمد العيد آل خليفة معزولا عن الناس، ممنوعا عن رفاق السلاح، ولكن ثورته كانت قد بلغت الآفاق، وحلّقت في الذّرى، فلم تكن كلماته تُلقى في الجموع إلا وتفرض السّكوت.. إنه “السكوت” الذي يحيط بالشاعر فيستحيل إلى وطن، وتتحوّل العزلة إلى إسهام حقيقيّ وحضور قويّ في عمق القضيّة الوطنيّة، وها هو الشاعر المنفيّ بعد خمس سنوات من اندلاع ثورة التحرير المباركة، يقف شامخا صامدا، ويناجي “أبا المنقوش”[18] بقصيدة تنضحُ حزنا من العزلة، وتتوثب شوقا إلى النّضال..
 
أبا المنقــوش هل تدري بحــــالي                 فأنت اليوم جـــاري في الجبال       
ببسكــرة النخيل حططت رحلي                   وأنت بأرضها حامي الرحــــــــــال
رأيتك مشـرفا أبدا عليها                           كإشـــراف الوليّ على العيال
رماني حــــول سفحك موج دهري                أسيرا بعد أحــداث طوال
فعشتُ به كيونسَ في سقام                         لدى قومي، ولكن في انعــزال[19]
 
إنها نيران العزلة تقضم من صبر الشاعر وحِلمه، فلا يجد غير “بومنقوش” يناجيه بما يعتمل في فؤاده، ويشكوه الأيام وتقلباتها وقد ألقت به إلى الأسر بعد الحوادث الجسام التي شهدها..إن الشاعر في هذا الموقف لا يختلف عن الجبل، وكل واحد من الرّواسي الشّامخات يرغب في أن يكون درعا حاميا لكل المجاهدين عبر الوطن، ولكنه ثابت كالوتد لا يقدر على الحركة، فإذا خاطبه الشّاعر إنما خاطب عمق الرغبة في التّخلّص من الأسر من أجل حمل السلاح والوفاء بعهوده للوطن.
 
كان محمد العيد آل خليفة في منفاه يرسم ثورة كبرى يعيشها بكل جوارحه، ويعيش الحرمان منها، والحرمان من الناس أنفسهم، فقد كان الاستعمار الفرنسي يشدد عليه الخناق ويحرمه من الناس إلى درجة أن إقامته صارت أشبه بالقبر، ولم يبق غير شموخ “بومنقوش” ليجدد عزيمته وصبره على المكاره، فيتوجه إليه متسائلا:
 
متى يأتي ــ بربّك ــ نصــرُ شعب          يقاسي كل ألــوان النّكال
مضت حجــج له خمس شداد               وموطنــه بنار الحــــرب صالي
أكل عصـوره أمد اضطهاد                وكل عهـوده أمد احتلال؟
لقد بذل الفدى ثمنا وضحى                بكل دمّ عزيــز منه غالي
فهـل آن الأوان له ليحظى                 بما يرجو المجاهد من منال؟[20]
 
ليس أشدّ صبرا من الجبل، فهو الذي يعلم الناس الصمود، وهو الراسخ الذي لا تزحزحه الرياح، فلماذا لا يسأله الشاعر ــ وهو في عزلته القاتلة ــ عن حال الشعب الجزائري؟ هل يأتي يوم ينال فيه جزاء صبره وكفاحه؟
 
ولا يترك محمد العيد آل خليفة السؤال الصعب دون جواب، فالسؤال ــ في عمقه ــ إنما هو إثارة لحميّة القتال وإذكاء لروح الثورة، أما جبل “بومنقوش” فهو ذلك الصبر الذي تأصّل في قلب الشاعر، وهو ذلك الأمل المتألق من أعماقه، لذلك يأتي بالجواب قويّا سلسا يتغلغل إلى عمق النفوس ويضفي عليها من ثقته وبأسه:
 
فقال:  أجل، سيلقى الشّعب غزّا                        ويرقى بالفــدى رُتبَ الجلال
معـــــاذ الله أن يشقى ويبقى                      رهيــن الذلّ يوطأ بالنعال
ترقّب خير مولــود جديد                         بمولـــده تمخّضت الليالي
فإنّ الثــورة اكتشفت مداها                       ولاح لها التحــرّر كالهلال[21]
 
هذه هي قوّة محمد العيد، وهذه هي البشرى التي يحملها إلى الشعب الجزائري، فقد لاح هلال الحرية وبدا نورها في الأفق، ولم يعد هناك من سبيل للعودة إلى الوراء، وإن الله سيجازي صبر الجزائريين بالعزة والرقيّ.
 
لقد ظل الشاعر محمد العيد آل خليفة ثابت الجنان في عزلته، واثقا أن النصر معقودٌ براية جيش التحرير الوطني، كان يعرف أن الحريّة طرقت باب الجزائر مع أول إعلان للثورة التحريرية المباركة، ولكن أيام الظلم مضنية طويلة، وليس من علاج لتلك الرقابة الخانقة التي كانت تحيط بالشاعر غير التعلّق بخيط الأمل حتى يبلغ منتهى الثقة، ويتفجر الشعر يانعا من صدر أثقلته الوحدة، وأنهكه انتظار شعاع نور، فيرى الطائر “أبا بشير” يقتحم عليه عزلته غير آبه بالرقابة المشدّدة التي فرضتها إدارة الاستعمار.. “أبو بشير” اخترق العزلة وكسر جدار الصمت، ودخل منزل محمد العيد مبشرا بانفراج الهمّ ونهاية الأزمة، فتفاعل معه الشاعر وحيّاه وأكرمه، فجعل من زيارته تلك قصيدة مفعمة بالشوق والحبّ والانتصار، وخاطب أبا بشير بلهفة ولوعة.. لهفة تحقق الأمنيات، ولوعة البعد عن الأحداث:
 
جزمت بقــرب إطلاق الأسير             غداة سمعت صــوت (أبي بشير)
فقمـت مرحّبا بنزيـــل يمن                عليّ بكل إكــرام جدير
وجئت أبثــه نجواي سرّا                  ومن للحــرّ بالصوت الجهير
أناجيــه بآمالي وحالي                     وأستفتيـه عن شعبي الكسير
كما ناجى الأمير أبو فـــراس             حمامتــه بشعر مستثير[22]
 
هذه مناجاة أسير لأبي بشير تجمع كلماتها التفاؤل النابع من الثقة بأن الثورة المباركة منتصرة لا ريب؛ والشوق إلى التعرف على أخبار الشعب المكافح لأجل حريته؛ والإحساس بأن نصر الجزائر صار قاب قوسين أو أدنى، وفيها يستمع محمد العيد إلى أبي بشير وهو يقول:
 
فقـال:  لقد أتيتك من بعيد                             فأصــغ إليّ وارو عن الخبير
كما أصغى (سليمــانٌ) قديما                        إلى أنبـاء هدهده الصغير
سيحمد شعبك العقبى قريبا                          ويحــرز نصره بيد القدير
ويشهـد بعث دولته فيرضى                        ويحـظى بالهلاليّ المنيــر[23]
 
هي بشرى صريحة بالخلاص من الاستعمار، وإن ألقاها محمد العيد على لسان أبي بشير، فإنها الحقيقة التي تختلج بصدره، ويكاد يلمسها في واقع الحال، ولكن العزلة تحول دونه، والمنفى يمنعه عن أعزّ أمل في قلبه، لذلك يعود إلى الوصايا على لسان أبي بشير:
إذا كان الوفــــــــــــــــاق له دليلا                    فمجلـــــــــــــوب إلى خيــــــــــر كثير
وإن كان الشقـاق له سبيلا                             فمنكــوب بشـرّ مستطير
فقم واهتف بوحدتـه وحرّض                         عليها، فهي كهـــــــف المستجيـــــــــر
وكن عبــدا لها واطلب رضاها                       ولو بالصبر والذلّ المرير
أذانات السـلام غدا تدوّي                              فيسكــت صوتها صوت النفير
كأني بالجـــزائر في ابتهاج                           بنصـرتها على الباغي المغير[24]
 
إن الشّاعر ينتصر على المنفى بلسان أبي بشير، ويقفز على كل الحواجز إلى سماوات الحرية، فيستمع إلى عصفُوره، ويرضى بأن يكون عبدا لوحدة شعبه يحرّض عليها، ويدعو إليها ويعيش لأجلها، لأن صفّ الشعب الواحد هو وحده الكفيل بتحقيق النصر الكبير.
 
وليس ينبغي لمن هو مؤمن بأن النّصر صار وشيكا أن يسمح للشّكّ بالتّسلل إلى نفسه، فالضحايا، وإن بلغت أعدادهم الآلاف، فإنما هم الشهداء الذي يعبِّدون الدرب إلى الحرية، ويضمخون الانتصار بدمائهم الطاهرة، وما الدماء إلا ضريبة المطلب الأسمى..
 
وما شعب الجــزائر غير شعب                             سخيّ بالفـــدى حرّ الضمير
وحسبك ثــورة الأحرار حكما                              أخير منه في العهـد الأخير
لقد ضحى بثورتــه فأضحى                                بها في الصبر منقطــع النظير
ولا ترعجْـــك آلاف الضحايا                               وما أجراه من دمه الغزير
فتلك شهادة الشّهــداء فيه                                  وذلك أجــر مطلبه الكبير[25]
 
هكذا عاش محمد العيد آل خليفة في عزلته الجبرية بمدينة بسكرة، لا يحلم إلا بانتصار يخرج بالجزائر من ظلمات الاستعمار إلى سعة الحريّة والسيادة الوطنية.
 
  • نبض الوفاء

وأشرقت شمس الحرية على ربوع الوطن، فتحقّق ذلك الحلم الذي راود القلب المرهف أكثر من نصف قرن، وقف فيها محمد العيد شعره على القضية الوطنية، ناصحا بالصبر والعمل، موجها إلى الفضائل والقيم، داعيا إلى الحرية ومبشرا بها، فلما بسطت إرداة الشعب الجزائري يدها على التاريخ، وأقامت الدولة الجزائرية المستقلة، بقي شاعرنا ثابتا على مواقفه، لم يسمح لشعره بأن يحيد عن قضية الوطن، وظل وفيا لذكرى الشهداء لا يترك مناسبة إلا ويعود إليهم منوّها بتضحياتهم، معترفا بفضائلهم، فيجعل منهم منارات هدى إلى مستقبل واعد.

 
حين يتسمّع القارئ إلى نبض الأوزان في قصيدة “لا أنسى”، يدرك حتما أن محمد العيد آل خليفة كان يرسم المستقبل بألوان ثورية لا يرى المستقبل إلا في آمال أولئك الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن، فيقول:
 
إن الشباب إذا سما بطموحه                 جعـل النجوم مواطئ الأقدام
في كل قلب منه قلب مجـاهد                   وبكل نفس منه نفس عصام
الثـورة العظمى كسبنا نصرها                 والجبهـة اكتسحت قوى الإجرام
شعــــب الجزائر كله أبطالها                  من حــارث فيها ومن همّام
 
إلى أن يقول:
 
فاسأل نوفمبـر عن بنيها إنه                          أدرى بثورتهم على الأروام
قد دكّ فاتحـُه المعاقل فاتحا                           فغدا بذلك غـرّة الأيـام
واذكــــر بـ(باتِنَةَ) الفدى المأثور عن                ثـوار (أوراس) رفيع الهـام
فهــــــم الليوث تلقنوا درس الفدى                عن (مصطفى بوالعيد) في الآجــــــــــــام
هم نكّلوا بعدوهـم وتكتلوا                             في البأس ضـرغاما إلى ضرغام
حتى تولى نصـف (مارس) فانتهى                  ما مارسوه من الكفاح الدامي
واحتل (يوليـو) عرشه الاسمى على                 أسس الضحايا من بني الأعمام
البائعين نفوسـهم لله في                               سـوق الجهاد بجنة الإنعام[26]
 
وهكذا، فإن تصوّر محمد العيد آل خليفة لـ”الحياة” مجملة إنما ينبع من الولاء لأولئك الذين افتدوا مستقبل الشعب بأرواحهم، وارتقوا إلى سماوات الخلود راضين مرضيين.. إنهم شهداء الأمة الذين يقف لهم محمد العيد وقفة إجلال واحترام فيقول:
 
رحـم الله معشر الشهداء                   وجزاهم عنا كريم الجزاء
وسقى بالنعيـم منهم ترابا                  مستطابا معطــر الأرجاء
هذه في الثرى قبـور حوتهم                 أم قصـور تسمو على الجوزاء؟
لا تخَل معشرا قضــوا في سبيل الله موتى، بل هم من الأحيــــــــــاء
إنهم عند ربهم حـول رزق                     منه في نعمة وفي سرّاء[27]
 
بقي محمد العيد آل خليفة على عهده الذي قطعه أول مرة، فجعل الوطن قضية حياته، وجعل شعره وقفا عليه، فلا يترنم بوزن ولا يصوغ قافية إلا ونبضها الوطن.
 
  • محمد العيد.. الإنسان

إذا أردت أن تعرف محمد العيد حق المعرفة، فيجب أن تمعن النّظر في عينيه.. هذا الشّرط وضعه مالك حداد لمن يريد أن يقترب من محمد العيد آل خليفة، ويتحسّس عالمه الممعن في الشاعرية..

 
«أمعن النظر في عينيه.. خصوصا في عينيه، فإن له نظرات طفل، ولكن نظرات الطفل ليست سوى هذا السلم المختار، وهذه الطهارة المقررة، وهذه “الطيبة المخترعة” التي يقرأها جورج مونان (Georges Mounin) عند الشعراء، وهي نظرات تتحدث كذلك عن “الطيبة المتجددة كليا”..»[28].
 
ولم نجد أحسن وصفا لمحمد العيد الإنسان مما شهد به مالك حداد، وهو الذي أتاحت له الظروف ــ كما قال ــ أن يلتقي أشهر الشّخصيات في عالم السياسة والثقافة عبر كثير من الأقطار، ولكنه ــ إذا استثنى نهرو ــ لم يشعر مطلقا بقدر ما شعر به في حضرة الشاعر محمد العيد آل خليفة من سُلطة رُوحية، وهدوء  مطلق ناجم عن الخشوع، فوصفه قائلا:
 
«هو لا يتكلف في حديثه، يفكر فيما يقول، ويقول ما يفكر، فالتأمل والتفكير عنده من عادات العمل.. إنه يحدّد ويصف نفسه دفعة واحدة بأنه “شاعر مناسبات”، وهذا ما ذكرني بـ”غوتة” (Goeth) الذي يؤكد أن كل قصيدة حقيقية هي من شعر المناسبات (…) إن محمد العيد يفرّق بين “الإعجاب” و”الكرامة” ويرفض أن يحشوَ إنتاجه بشخصه وبترجمته، فـ”الشعر” عنده هو “العفة”، و”الفن” هو “التواضع”، ومحمد العيد يغيب وراء إنتاجه (…) هو خادم الشّعر وعاشقه»[29].
 
إن الحسّ الثّوريّ المتدفق في شعر محمد العيد، إنما ينبع من إيمانه العميق بأن المنهج القويم وحده هو سبيل النجاح، وطموحه إلى خير أبناء شعبه إنما هو عقيدة راسخة، فقد توطّن لدى الشاعر أن الانتصار على المستعمر لا يكون إلا بالتزام منهج القرآن الكريم، والحفاظ على الهوية الثقافية العربية الإسلامية، وليس ما يميّز الجزائريين عن المستعمرين الفرنسيين أحسن من اللغة العربية، فيقول:
 
لا تهملـوا هذا اللسان ففقدكم                              في فقده، ودوامكم بدوامـــــــــــــــه
فكأنما هو عقـد درٍّ، فائقٌ                                رصفا، وعلم النّحو سلك نظامه[30]
 
وعلى هذا، كان من الطبيعي أن يسخّر محمد العيد كل جهوده لتعليم الناشئة، فهو يزيد في سواد الرافضين للاستعمار كلما بذر حرفا عربيا في الصدور، وهو يعمّق الثورة المقبلة مع كل طفل يشبّ محتفظا بلسان أمته، والشاعر في كل هذا لا يرجو غير رضى ربّه ونصر شعبه، فيقول:
 
سألــزم بيتي قـانعا بمعيشتي                                رفيقا لكتْبي قابسا بعـض نورها
وأخرج من بيتي لتعليـــــم فتية                               بمدرسة آوتهمُ في حجورها
فإن أثمـــر التعليم فيهم ثماره                                 فذاك منى نفسي وأقصى ســـرورها
وإن تكن الأخرى، فحسبي غنيمةً                           براءة نفسي، واحتساب أجــــورها[31]
 
  إن موقف الشاعر محمد العيد آل خليفة واضح في هذه الأبيات التي تبدو عهدا قطعه على نفسه، وموقفا اتخذه لحياته، ونذْرا تحمّل مسؤوليته، فإما يرى ثمرات التعليم تزهر بالحريّة، وإما هي “الأخرى” التي لا يسميها ويأنفُ أن يذكرها في صلب حلمه الجميل لأنه لا يريدها، ولكنها تبقى احتمالا قائما مخيفا.. فإن كانت الأخرى، فيكفي الشاعر أنه بذل جهدا، وطلب لأمته المجد من مستقرّه، محتسبا عند الله محاولته، ولقد صوّر الشيخ محمد البشيرالإبراهيمي خلق الشاعر محمد العيد، ومثابرته على النجاح أحسن تصويرحين قال:
 
«من يعرف محمد العيد، ويعرف إيمانه وتقواه وتديّنه وتخلّقه بالفضائل الإسلامية، يعرف أن روح الصدق المتفشية في شعره إنما هي من آثار صدق الإيمان وصحة التخلق، ويعلم أنه من هذه الناحية، بدعٌ في الشعراء»[32].
 
إنه محمد العيد، القلب الذي لم يعانق النّبض إلا بالجزائر، لا يتساهل في صغيرة ولا كبيرة في خدمة الوطن، وهو حتى حين سُئل عن الجرائد التي يكتب لها، جاء جوابه ــ كما وصفه مالك حداد ــ خافقا وجميلا..«لا أنشر إلا في جرائد بلادي.. إن صحافتنا فقيرة وضعيفة، فوجب علينا نحن الجزائريين، علينا نحن الشعراء الجزائريين أن نغذيها»[33].
 
هذه هي القوة التي تصدّى بها محمد العيد آل خليفة لمستعمر غاشم، هي قوة الإيمان، وقوة الصبر، وقوة الصدق، وقوة البصيرة، مجتمعة في نفس تتوق إلى الحرية والانعتاق، ولا سلاحَ لها غير كلمة الحق ونكران الذات.
 
  • بين الناس

ليس صعبا على قارئ شعر محمد العيد آل خليفة اكتشاف دماثة أخلاقه وحسن معاشرته، وإخلاصه لإخوانه وخلاّنه، ووقوفه إلى جانبهم في السراء والضراء؛ وليس صعبا أن يتبيّن القارئ من خلال شعر محمد العيد أن معاملته السّامية لكل من حوله، وحبّه الجمّ لأبناء وطنه وأبناء العروبة قاطبة، إنما هو حبّ تتوهّج جذوته من عمق الحرية التي يشعر بها ويرغب في تحقيقها للجميع، فتراه يهنئ بصدور كتاب، ويهنئ بافتتاح مدرسة، ويهنئ بمناسبة دينية يتخذها معلما لانطلاقة جديدة على درب التحرر من نير الاستعمار..

 
وإذا كان شاعرنا في أيام الإقامة الجبرية محروما من لقاء الناس ممنوعا عنهم، فإنه كان يأنس لآل خمّار.. احميدة وبلقاسم خمار اللذان كانا يخفيان الشاعر في “كاليش”[34] وينقلانه بعيدا عن أعين الجنود الفرنسيين لقضاء بعض الوقت برفقته[35]، كما كان يتلقى رسائل المجاهدين وجريدة “من جبالنا” التي يصدرها جيش التحرير الوطني بالجنوب[36]، ولم يكن  شاعرنا يتأخّر عن مشاركة الجزائريين أفراحهم وأقراحهم، فتراه بلبلا يصدح للأوقات السّعيدة يريد لها أن تدوم، وتسمعُه لحنا شجيّا في الأوقات الصّعبة، يواسي المصاب ويهوّن الصّعب، وعلى هذا، فإن محمد العيد خصّص جانبا هاما من شعره لـ”الإخوانيات”، فهو يهنئ ــ على سبيل المثال ــ الأستاذ الطيب العقبي والسيد عباس التركي بإطلاق سراحهما بعد أن سجنا ظلما من طرف الاستعمار الفرنسي، ولكنها ليست تهنئة عادية تنتهي عند العقبي والتركي، وإنما هي رسالة مضمّنة إلى الشعب الجزائري كله، إذ يقول:
 
مضت لكما في الدّهر أيام محنة                         وساعات عسر بالأماثل تلحق
بها يمحص الله المحقين في الورى                      ويسحق دعوى المبطلين ويمحق[37]
 
إن محنة العقبي والتركي هي تمحيص من الله حتى يعلم الصادقين والمجاهدين، وهو أمر جار على كل الجزائريين جميعا، وبه يتم سحق الادعاءات الفرنسية الباطلة.. وظاهر أن التهنئة هنا إنما هي إذكاء لروح المقاومة، وتعزيز لفريضة الكفاح، ويبدو هذا واضحا في رائعة “قدوة للشباب”[38] التي قالها محمد العيد تهنئة لمحمد الصالح الصديق بصدور كتابه “أدباء التحصيل”، فالكتاب الذي استحث قريحة الشاعر مهمّ، وأهميته أنه يقدم “القدوة” للجزائريين الذين ينبغي أن يسيروا على هدي الشيخ الصديق في حفظ الفصحى بما هي المميّز الوحيد عن المستعمر الغاشم..
 
وعلى نفس المنهج يقول محمد العيد قصيدةً في تقريظ مسرحيّة “المولد” التي ألّفها الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، ويعود بها إلى قضية الوطن كما هي الحال في كل قصائده، فيقول:
 
إن الجـزائر أنجبتك محقّقا                    متحليا بالصـدق في الأقوال
عــزّت بمثلك في الشّباب فأصبحت       مثل اللباة تعز بالاشبال[39]
 
وكذلك الحال مع الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ محمد سحنون والشيخ جلول البدوي وكل الذين تجمعه بهم قضية الوطن.
 
  • في الذاكرة..

ويحفظ التّاريخ ــ كما هي طبيعته ــ ذكرَ أكابر الرجال الذين يصنعونَه، لذلك يبقي اسم محمد العيد آل خليفة خالدا في سجلّ الأمجاد الجزائرية، وتبقى حروفه مشرقة على مدى الأيام كالدّرر تتوسط تيجان الحرية؛ ويكفي أن الشيخ محمد البشير الإبراهيمي يشهد له بأن شعره «رافق النهضة الجزائرية في جميع مراحلها، وله في كل ناحية من نواحيها، وفي كل طور من أطوارها، وفي كل أثر من آثارها، القصائد الغرّ والمقاطع الخالدة، فشعره  سجل صادق لهذه النّهضة، وعرضٌ رائع لأطوارها»[40].

 
أما مالك حداد فقد عرفه عاشقا للعربية محبا لعلومها، تهفو إليه أضواء الشهرة فيعفّ، وتصبو إليه أمجاد الدنيا فيختار سعة الآخرة، حتى أنه قال فيه:
 
«.. هو الملهم، وهو “المشعل”.. يعرف جيّدا أن  الكلمات في القصيدة لا تساوي شيئا، وأن سحر الشعر أن يكتفي بذاته، فالوردة لا تفسّر عطورَها، والنجوم لا تعرف أسماءَها.. بقدر ما هو حقّ أن الشعر يحملنا حتى إلى الكلمة الأزلية.. إلى أقصى ذلكم السكوت الذي يعرف كيف يحدثنا جيدا»[41].
 
وللشيخ الطيب العقبي شهادته العزيزة في حقّ شاعرنا الكبير، فقد وقف على رأس الأشهاد يوم ألقى محمد العيد قصيدة “استوح شعرك”[42] وقال: «تعلمون أنني لم أقبل رأس مخلوق في حياتي، غير أنني قبلت هذا الأسبوع رأس شاب أجاد فنّ الخطابة هو الفضيل الورتلاني، واليوم أقبّل رأس شاب آخر نبغ في فنّ الشعر حتى وصل الغاية منه وهو الأستاذ محمد العيد»..وهي القصيدة نفسها التي تحدث عنها فرحات بن الدراجي في مقال نشره عن المناسبة، قال فيه: «كان للقصيدة تأثير كبير في نفوس الحاضرين، فبكى الناس وبكى الشاعر معهم.. هذه أول مرّة شاهدت فيها شاعر العروبة والإسلام في الجزائر يَبكي ويُبكي»[43].
 
إن للشاعر محمد العيد آل خليفة مكانته المرموقة بين العلماء الأجلاء، والشعراء المفوّهين، إذ لا يمكن التأريخ للشعر الثوري بالجزائر والوطن العربي دون الاستفتاح باسمه، كما لا يمكن إغفال منصبه العلمي المرموق في علوم اللغة، إذا وضعنا في اعتبارنا أن محمد العيد انتخب عضوا بمجمع اللغة العربية بدمشق في 1972، ولكن صفة الشاعر وحدها هي التي تلازم اسم محمد العيد.
 
ويعترف الدكتور عبد الله ركيبي أن محمد العيد كان «صوتا فريدا متميّزا في التعبير عن الحركة الإصلاحية وأهدافها، وسياستها وتوجهها، واستطاع أن يطبع القصيدة العربية في هذا الاتجاه بطابع خاص.. وضوح في الرؤيا وثبات في المواقف»[44].
 
أما الدكتور شكري فيصل، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بدمشق، فقد نوّه بشاعر الجزائر، وأشاد بشعره، فقال:«من الصعب أن نتحدث عن الالتزام الفكري وحده، وعن الانتاج الفنيّ وحده، وعن الحدود النفسية وحدها، إن كل ذلك متصل متشابك، معقّد، يقود بعضه إلى بعض، ويتكامل بعضه مع بعض ليؤلف هذا النسيج الذي اسمه في أذهاننا وصورته في عيوننا محمد العيد، ليكون هذا الإنسان المكافح والشاعر، أو هذا الشاعر الإنسان المكافح (…) الإنسان الذي التزم في الشعر لخير الجزائر ونهضتها والذي عرف رأي القرآن في الشعر عن طريق المفهوم النقيض وأنهم ألئك الذين يقولون ما يفعلون»[45].
 
إن شعر محمد العيد آل خليفة إنما تنزّل سلسلا عذبا حبّا في الجزائر، وإيمانا بعدالة قضية الجزائريين، فقد انطلق  كما يقول مصطفى بلمشري «من صميم المجتمع ثورة وجهادا من أجل تحطيم قيود الاستغلال، فنفخ في شعبه لهيب الوطنية فثار لاقتلاع جذور الطغيان وتطهير الأرض الزكية من رجس العدوّ»؛ وإن شعره  سيبقى منارة هدى للأجيال، وجذوة محبّة تتوّقد في قلوب الأحرار والشرفاء.
 
  • إلى رحاب رحمة الله..

عاش محمد العيد آل خليفة متواضعا لله، لا مطمح له في الحياة سوى عزة شعبه وكرامة وطنه، وكان من تواضعه أنه بقي صابرا لا يعرف سبيلا إلى طبع ديوانه الشعري الجليل ليضعه بين أيدي الجزائريين الذين أحبهم، إلى أن تولت الدولة الجزائرية طبع الديوان، بعناية كريمة من الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، وكان من تواضع محمد العيد، وهو من هو مكانة ورفعة وشأنا، أن أضاف إلى ديوانه مقطوعة شعرية جعلها خاتمة له، ووسمها بعنوان: “اعتراف بجميل”، يقول فيها:

 
سيحمد ديــواني لـ”أحمد طالب”                   يدا منه طـولى قدمته لينشرا
تحمّــل أعباء الوزارة قادرا                     فأورد عن رأي سديــد وأصدرا
ووكّل بالديــوان أكفأ نخبة                      بتبصــرة أعطى بها القوس من برى
لقد أدلجت والصـدق رائد ركبها، فلا ريب عند الصبــــــــح أن تحمد السرى[46]
 
عاش محمد العيد آل خليفة ناصحا بالخير داعيا إلى الصلاح، رافضا كل أشكال الظلم والاستعباد، لم ينبض قلبه الطاهر إلا بمحبة شعبه ووطنه، وبقي ثابتا على العهد، إلى أن توفي بمستشفى مدينة باتنة يوم الأربعاء 07 رمضان 1399هـ الموافق لـ31 جويلية 1979م، ونقل جثمانه الطاهر إلى بسكرة حيث دفن بمقبرة (العزيلات) بعد يومين من وفاته.
 
وترك محمد العيد آل خليفة مكتبة عامرة بأعمال جليلة، بينها ديوان شعري ضخم يفوق عدد صفحاته 600 صفحة، من القطع الكبير، طبع أول مرة عام 1967، وصدرت منه طبعات كثيرة مختلفة بينها طبعة دار الهدى التي اشتغلنا عليها، وهي مطبوعة في 2010.وفي مكتبة محمد العيد مسرحية شعرية بعنوان: “بلال بن رباح”، طبعت بالمطبعة العربية الجزائرية سنة 1938؛ ولديه من المقالات والقصائد المنثورة عبر الصحف الوطنية كثير لم يكتب لها أن تجمع بعد، وإن كان  محمد بن سمينة أنقذ “العيديات المجهولة”، وهي مجموعة كبيرة من قصائد مجهولة لمحمد العيد، وذكر ابراهيم لقان أن المادة الشعرية التي جمعها بن سمينة تغطي جميع مراحل حياة الشاعر ما بين 1920  إلى 1974.
 

رحم الله محمد العيد آل خليفة ولقاه نظرة وسرورا، وجزاه بمنّه وفضله خير الجزاء عن الجزائر والجزائريين جميعا.. آمين

كتب: محمد كاديك


الهوامش:

[1] – اعتمدنا في هذا التعريف على: محمد العيد آل خليفة، دراسة تحليلية لحياته؛ محمد بن سمينة؛ محمد العيد آل خليفة، رائد الشعر الجزائري في العصر الحديث؛ أبو القاسم سعد الله؛ ومراجع أخرى وجدنا بها تفاصيل السيرة متشابهة في معظمها.

[2] ـ مما يروى عن محاكمة الشاعر محمد العيد آل خليفة التي جرت في قسنطينة عام 1957، أن المدعي العام للمحكمة استدل بأشعار “المتهم” كي يثبت أنه ساهم في الإعداد للثورة.

[3] ـ آل خليفة، محمد العيد؛ ديوان محمد العيد آل خليفة، دار الهدى ـ عين مليلة؛ بدون طبعة، 2010، ص 16.

[4] ـ صنف ديوان محمد العيد آل خليفة قصيدة “أسطر الكون” في قسم “أدبيات وفلسفيات”، وأردنا أن ننوه هنا بأن القصيدة وإن بدا عليها الحسّ الفلسفي، فإن أسئلتها لا تصبو إلى ذلك مطلقا، وإنما هي تحريك للهمم وتنبيه للضمائر من أجل رفض الأوضاع البائسة التي فرضها المستعمر على الجزائريين.

[5] – محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 18 و19. من قصيدة “صدى الصحراء”.

[6] – قصيدة: عامان مقبل ومدبر، الديوان، نفسه، ص 29. نشرت سنة 1933.

[7] – الديوان، سبق ذكره، ص 45.

[8] ـ ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص

[9] – الديوان، سبق ذكره، ص 66.

[10] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 68.

[11] – نفسه، ص 68.

[12] – ألقيت القصيدة بنادي الترقي، ونشرت بـ”البصائر” سنة 1937؛ المصدر نفسه، ص 74.

[13] – الديوان، سبق ذكره، ص 84.

[14] – نفسه، ص 81.

[15] ـ- مالك حداد، لقاء مع محمد العيد، نشر في المنبر الثقافي لجريدة “النصر” في عددها الصادر يوم السبت 13 ماي 1967، وترجمه إلى العربية علي بن وجيت، وقد تحصلنا على النسخة المترجمة من المقال بفضل السيدة خديجة مرابط، حرم السيد عبد الرحمن نجل الشاعر محمد العيد آل خليفة.

[16]–  مالك حداد، سبق ذكره.

[17] – نفسه.

[18] – جبل “بومنقوش” القريب من مدينة بسكرة.

[19] – ديوان محمد العيد، سبق ذكره، ص 388.

[20] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 388 و389.

[21] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 389.

[22] – نفسه، ص 385.

[23] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 386.

[24] – نفسه، ص 386.

[25] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 387.

[26] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 221 و222.

[27] – نفسه، ص 397.

[28] – مالك حداد، سبق ذكره.

[29] – نفسه.

[30] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 86 ـ 87.

[31] – نفسه، ص 468.

[32] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 06.

[33] – مالك حداد، سبق ذكره.

[34] – مركبة يجرها حصان واحد.

[35] – وفق رواية السيدة خديجة مرابط، حرم السيد عبد الرحمن نجل الشاعر محمد العيد آل خليفة.

[36] – عائلة الشاعر تحتفظ بالجريدة والرسائل التي كان الشاعر يتلقاها من المجاهدين الذين يعتبرونه الأب الروحي للثورة وفق شهادة السيدة خديجة مرابط.

[37] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 358.

[38] – نفسه، ص 369.

[39] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره ، ص 367.

[40] – محمد البشير الإبراهيمي، من تقديم ديوان محمد العيد آل خليفة، نفسه، ص 07.

[41] – مالك حداد، سبق ذكره.

[42] – القصيدة مثبتة في الديوان بالصفحة 135، وهي قصيدة قوية مطلعها:

استوح شعرك من حنايا الأضلع                واستجل في القسمات حسن المطلع

[43] – أبو القاسم سعد الله، محمد العيد رائد الشعر الجزائري في العصر الحديث، دار المعارف، الطبعة الثانية، 1968، ص 41.

[44] – نقلا عن: ابراهيم لقان، ملامح مقاومة الاستعمار في شعر محمد العيد آل خليفة، رسالة ماجيستير، جامعة منتوري، 2007، ص 45.

[45] – تصريح د.شكري فيصل نقلا عن ابراهيم لقان، سبق ذكره، ص 47.

[46] – ديوان محمد العيد آل خليفة، سبق ذكره، ص 532.


المقال منشور بكتاب: الكلمة والرصاصة – مثقفون كتبوا الثورة؛ الصادر عن منشورات آناب عام 2014.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى