
علمتني التجارب (4)
———————
جمعٌ ممدوح!!!
—————
علمتني التجارب أن أكثر الأساليب تأثيرا في السامعين – المختصين منهم وغير المختصين – هو أسلوب الإثارة والوعظ والقصص المثير، وضرب الأمثال، ونحو ذلك .
وهو، وإن لم يكن مناسبا للبحوث العلمية المتخصصة ، فقد يستفاد من أثره وتأثيره لاقناع الناس بما يريده منهم الباحثون ، ولحملهم على العمل بما توصّل إليه الدارسون .
أقول هذا الكلام عن ملتقيات كثيرة ، وندوات ، ومحاضرات عديدة حضرتها ، فوجدت المتكلمين باعتبار ما ذكرتُ ثلاثة أصناف :
– صنف يحسن الوعظ والإثارة وتحريك العواطف ، مع شيء من الضعف في المعارف والمعلومات.
– وصنف لا يقدر على ذلك، وقد ينكر ذلك، وإنما يحسن قراءة بحثه أو بحث غيره ، وفي أغلب الأحوال يعرض البحث المفيد بأسلوب ليس فيه من أساليب التأثير شيء ، إنما يسرد معلومات متراصفة ، وكلمات متتابعة .
– وصنف يجمع بين الأمرين بشكل لا يطغى فيه أحدُهما على الآخر.
فلاحظت بل تيقنت أن أنفعهم للحاضرين هو الصنف الثالث الذي يعرض الدرر والفوائد ولكن في قوالب تحببها إلى قلوب الناس، وبأساليب تأخذ بالألباب، وينشر الدرّ بشكل ينبه الناس إلى قيمته ، ويشد انتباههم إلى أهمية ما يلقى بين أيديهم .
وعليه رغبت أن أنبه نفسي وأنبه المتكلمين في المحافل وفي كل الميادين إلى أن يضيفوا إلى جهد تحضير محاضراتهم ودروسهم جهدا آخر لكيفية إيصال فوائد ذلك إلى الناس وترسيخها في أذهانهم ، ودفعهم إلى القناعة بها ، والعمل لها ، والدعوة إليها ، ولا بأس بأن يهتموا بشيء من الدربة على ذلك
فإذا اقتنعت – أيها القارئ – بما أقول لك فذاك ما أبغي، وقد تحقق والحمد لله، ثم خذ – بعد ذلك – هذه النصيحة بقوة واحمل نفسك عليها محمل الجد .
ودعني – بعد ذلك – من الأمراض المفسدة لصلاح الكلام ، كألفاظ الغرور والإعجاب بالنفس ، واحتقار جهود السابقين ، أو ككثرة المدح للساسة والمنظمين ؛ لأن ذلك يحوّل المدح إلى قدح ويقلب ذكر الفضل إلى ملل وضجر ، ودعني – كذلك – من المحاضرين الذين لا يُحضِّرون . ويتكلمون بأيِّ كلام ، لا لشيء إلا لأنهم يحبون أن يتكلموا ، سامحهم الله.
دعني من كل ذلك؛ وخذ بنصيحتي ، وراقب مولاك في نواياك ، ولا تنس أن الله لا ينظر إلى المظاهر والأشكال ، إنما محل نظره القلوب والأحوال.
عبد الحليم قابة