مسك الختام: النقد – بقلم كمال أبوسنة

النقد البناء وسيلة مهمة لتصحيح الأخطاء، وتقويم الاعوجاج، وترتيب الأولويات، وتوجيه السفينة في مجراها نحو مرساها بأمان وسلام…
ولكن ليس كل النقد بناء، فكثير منه منبعه الهوى أو يصدر عن صاحب لسان طويل، وعمل قليل، أو كسول قابع في قوقعته لا يرى إلا المواقع المظلمة على قلتها، ويغض البصر عن المواقع المضيئة على كثرتها ذهولا منه، أو في أحوال أخرى اصطيادا في المياه العكرة..!
إن الذين يسعون لتسفيه جهود العاملين في ميادين الخير والإصلاح حسدا من عند أنفسهم أو مرضا قد ران على قلوبهم، هم معول إبليس اللعين الذي يضرب به كل بناء مشيد، لهدمه باسم النصيحة التي أصبحت تُعطى وهي فاقدة لشروطها وآدابها..!
هناك فئة من الناس يحدثون ضوضاء عالية حول قضايا كثيرة لها علاقة بالدعوة والإصلاح الشامل، وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة، ماضغو أقوال لا أبطال أعمال، وهذا ما عطل سير قوافل، وشغل الناس بالنوافل، عن الفروض والأصول..!
إن الاقتراحات والأمنيات كثيرة العدد، غير أن تحقيقها يحتاج إلى العتاد والمدد، وتضافر الجهود لترجمتها على أرض الواقع، لأن الكلمات لا تحقق الرغائب إن فقدت السواعد العاملة، والأموال المُنْفَقَة في سبيل الله بسخاء دون الخشية من ذي العرش إملاقا، لإعلاء كلمة الحق، فالسابقون الأولون من سلف هذه الأمة ما كانوا ليؤدوا أمانة تبليغ الرسالة وتصل إلينا دعوة التوحيد لو لم يكونوا من العاملين المضحين بالنفس والذهب، فالمتكلمون فيهم كانوا فاعلين، والفاعلون كانوا كثيرين، فعن أبي أمامة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}؛ هذا حديث حسن صحيح.
وقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-:” إذا أراد الله بقوم سوءا منحهم الجدل، ومنعهم العمل”.
وقال معروف الكرخي-رحمه الله-: “إذا أراد الله بعبد خيرا فتح عليه باب العمل وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد بعبد شرا أغلق عليه باب العمل، وفتح عليه باب الجدل”.
ومهما يكن من أمر فإن الساحة، ولله الحمد، لا تخلو من قائم بالحق، وداع إلى الرشد، ومدافع عن الثوابت والقيم، وساع بالليل والنهار في سبيل نصرة دين الله، وإن الأيام القادمة لحبلى بالخير إن شاء الله.

Exit mobile version