على هامش تصريح مدير جامعة باب الزوار -بقلم: د. جمال ضو*…

طلب مني بعض الإخوة التعليق على ما جاء في تصريح مدير جامعة باب الزوار والذي تحدث فيه عن إشكالية طلبة المدن الداخلية مع اللغة الفرنسية التي يدرس بها في الجامعة..
استمعت لكلام الرجل ..وبغض النظر عن كونه يصور طلبة المدن الداخلية وكأنهم كائنات قادمة من عالم آخر ويختلفون اختلافا جذريا عن باقي سكان الجزائر..ولا أدري صراحة هنا ما المقصود بالمدن الداخلية…هل هي الجنوب ؟ أقصى الجنوب؟ المدن الداخلية باستثناء مدن الشمال الكبرى و كذلك المدن القريبة من العاصمة؟…
أقول بغض النظر عن هذه القضايا التي تناولها من دون إدراك حقيقي لتركيبة المجتمع الجزائر أو نتاج عجز في التعبير باللغة العربية…إلا أن كلامه فيه شيء من الحقيقة والتي يراد بها باطل عموما..أقول عموما لأنني لا أعرف خلفية الرجل ولا نواياه ولهذا آخذ كلامه على محمل أنه خال من أي خلفية ويتكلم بمنطق تقني وبيداغوجي بحت…
الآن ما الذي أغلفه السيد المدير ومن ينسجون على نسجه…؟
أولا ..ربما يعلم الجميع اليوم أن أغلب من يدرسون في جامعة باب الزوار ليسوا من مدن الجنوب أو المدن الداخلية..بحكم أن التسجيل في هذه الجامعة ليس وطنيا وأيضا إذا التحق بها طلبة من الجنوب أو من المناطق الداخلية فإنهم يكونون أصحاب معدلات عالية…
ثانيا..أدعو مدير الجامعة أن ينشر احصائيات النجاح والرسوب والمعدلات للسنة الأولى جذع مشترك في مختلف التخصصات مرفقة أيضا بالمدن التي ينحدر منها هؤلاء التلاميذ ومعدلاتهم في الباكلوريا..وهذا يمكننا من إجراء مقارنة ومعرفة تأثير كثير من الأمور..هذا أيضا سيساعد على التعرف على مدى مصداقية نسب النجاح في الباكلوريا في كل ولاية…
ثالثا..صحيح أن عدم إتقان لغة التدريس يصعب من مهمة التحصيل العلمي وفي بعض الأحيان بشكل يجعلها منعدمة تماما في بعض التخصصات..ولكن هذه الحجة سلاح متعدد الأوجه..فمن ناحية نسب النجاح والتحصيل متدنية في جميع الجامعات الجزائرية ومن دون استثناء..أكانت تلك التي تدرس بالعربية في التخصصات العلمية أو تلك التي تدرس بالفرنسية..بل إن تجربة الامتحان المشترك لجامعات الشرق الجزائري للسنة أولى علوم دقيقة حصلت فيه جامعة ورقلة على المرتبة الأولى!..مسابقة المنح إلى الخارج في الرياضيات منذ سنوات فازت بها طالبات وطلبة من القبة يدرسون بالعربية!,..
الوجه الآخر لهذه الحجة هو لماذا لا يتم التدريس بالعربية أصلا في الجامعة؟..او لنقل التحول إلى العربية في التدريس وبشكل منهجي ومنذ سنوات..بدل جدار الفصل العنصري الذي يخفي وراءه كثيرون عوراتهم العلمية…أو آخرون أحقادهم على اللغة العربية…
أما إذا قلنا أن العربية لا تصلح ( دعنا نسلم جدلا) فلما لا يتم الأنتقال إلى الأنجليزية ؟ وهكذا نكون قد استعملنا لغة العلم والتكنولوجيا بشكل مباشر وأختصرنا الطريق إلى منابع العلم الحقيقية …وإذا كانت الحجة أن أغلب الأساتذة لا يستطيعون التدريس بالأنجليزية ( وهذه حقيقة) فإن المشكلة الآن انتقلت وأصبحت على مستواهم، وهذا الوجه الثالث لحجة اللغة، فإذا كان الأساتذة لا يتقنون الأنجليزية فالسؤال كيف يمارسون البحث العلمي ويكتبون المقالات ويقرأونها….لأنه لا يعقل أن يكون الأستاذ معوقا في لغة العلم والتكنولوجيا وفي نفس الوقت قادر على ممارسة البحث العلمي بشكل جيد..فهذا أمر أشك فيه صراحة…من يتلعثم في القراءة والكتابة باللغة الأنجيليزية لن يستطيع مجاراة ما يكتب وينشر فهما ودراية…
قبل أن أختم هذا التعليق أشير إلى أنني تعرفت على طلبة ماجستير من جامعة باب الزوار أغلبهم لا يستطيع كتابة جملة واحدة صحيحة بالفرنسية ولا يستطيعون القراءة بها أو فهم كتاب في تخصصهم بشكل حسن (ليس جيدا فقط) ..بل انني عرفت طالبا في الماجستير ومن الجنوب حصل على الماجستير من جامعة باب الزوار لا يعرف حرفا تقريبا في الفرنسية ومستواه لا يمكن تخيله علميا ولكنه درس هناك ونجح وحصل على الماجستير وكتب مذكرة الماجستير بالفرنسية….والسؤال كيف استطاع هذا الطالب أن ينجح ويدرس هناك؟..هذه أحد أوجه معضلة التعليم العالي الحقيقية..
أخيرا..إن مشكلة لغة التدريس في جامعاتنا وخيارتنا اللغوية الاستراتيجية ما هي إلا إنعكاس لأزمة الشرعية القائمة منذ الاستقلال وفقداننا للسيادة على هذا الوطن…لأن الفوضى اللغوية في هذه البلاد وبعض البلدان العربية أو كلها تقريبا ماهو إلا إنعكاس للوضع السياسي وضياع البوصلة الحضارية لهذه الأمة…البقية مجرد تفاصيل.
• أكاديمي وباحث أستاذ التعليم العالي ـ جامعة حمة لخضر ـ الوادي *
…