الجامعة الصيفية الرابعة تضخ الدماء الجديدة …في جسم الجمعية -متابعة: صباح غموشي

احتضنت المدرسة العليا للتجارة بالقليعة أيام12/13/14شوال 1438هـ الموافق لـ 6/7/8 جويلية الجاري الجامعة الصيفية الرابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعلى غرار سابقاتها من الطبعات استهدفت هذه الطبعة شريحة محددة في الجمعية، وهي فئة الشباب المعوّل عليها في حمل لواء الصلاح والإصلاح، وتحمّل الأعباء والمسؤوليات وتنفيذ الرؤية المستقبلية 2031، وقد اختارت لها شعارا يحقق الهدف، بإذن الله، وهو ” شباب متميز لجمعية رائدة”.
ومن البداية كان واضحا أنَّ شباب الجمعية على موعد هام مع التدريب المباشر على تسلّم المشعل باقتدار وكفاءة..فأوكلت مهمة تنظيم الجامعة الصيفية للجنة الشباب والطلبة التي حضرت ونظّمت ونفذت مختلف أطوارها بحيوية وتميّز واضح، بإشراف وتوجيه وتأطير معرفي من شيوخها وكهولها، فكان هذا التمازج الذي ميّز جميع فعاليات الجامعة الصيفية الرابعة.
الجلسة الافتتاحية انطلقت صبيحة الخميس السادس من جويلية متأخرة عن موعدها بعض الشيء، وقد ميّزها حضور الرئيس الشرفي للجمعية فضيلة الشيخ آيت علجت محمد الطاهر، وكذا رئيس الجمعية الدكتور عبد الرزاق قسوم وأعضاء بعض الجمعيات، وبطبيعة الحال ممثلي الشباب والطلبة ورؤساء الشعب الولائية من عديد ولايات الوطن، كما كان هناك حضور لوسائل الإعلام والإذاعة الوطنية والصحافة المكتوبة.
وقد تداول على منصة الجلسة الافتتاحية كلّ من رئيس الجمعية الذي تمحورت كلمته المقتضبة بإظهار الوفاء لروح الفقيد الشيخ الزبير طوالبي الثعالبي -رحمه الله-، مشيرا إلى تصادف الجامعة الصيفية مع مناسبتين هامتين هما: عيد الاستقلال وعيد الشباب، معرجا، بنظرة سريعة على موضوعات ومحاور الجامعات الصيفية الثلاث السابقة، وترابطها للارتقاء بعمل الجمعية، ثم كلمة ترحيبية من مدير المدرسة العليا للتجارة بالقليعة البروفيسور عبد العزيز سبوعة، ثم كلمة لممثل الشباب والطلبة حمزة معزوز، وبعدها كلمة مدير الجامعة الصيفية الأستاذ مخلوف بوقزولة رئيس لجنة الشباب والطلبة في المكتب الوطني لجمعية العلماء، وقد أشار إلى الأهداف المسطرة للجامعة الصيفية في طبعتها الشبابية الحاضرة ، ليختمها الشيخ آيت علجت بدعاء مبارك وكلمات توجيهية رقيقة طيبة .
واللافت للانتباه من اول وهلة الحضور الشبابي المميز، تحضيرا وتنظيما وافتتاحا بالقرآن الكريم ، وأيضا تنشيطا لسائرفعاليات الجامعة طيلت الأيام الثلاثة، كما تابعنا وشاهدنا ذلك .
وبعد الجلسة الافتتاحية عقد الدكتور قسوم لقاء إعلاميا مع وسائل الإعلام بيّن فيها محاور وأهداف ومضامين الجامعة الصيفية ، كما بيّن بعض مواقف الجمعية في عدد من القضايا الراهنة .
بعدها انطلقت جلسات تفاعلية متعددة تناولت مختلف القضايا التي تساهم في تنوير شباب الجمعية وتفعيلهم بديكور شبابي وتنشيط شبابي .
كانت البداية مع الدكتور محمد دراجي بمداخلة عن موضوع “تعدد المشارب ومنهج الجمعية ” أكد فيها على أن الجمعية “مدرسة متميزة وفريد من نوعها بتفتحها على كل الحركات الدينية والإسلامية في مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي، ولكن مع تميزها باستقلالية فريدة، ومواءمة بين ما هو ديني ووطني”. ثم كانت مداخلة الدكتور بلقاسم عدوان من جامعة باتنة في موضوع “العمل الجمعوي ـ الجماعي “قدمها بأسلوب مميز وجد طريقه الى عقول الشباب سريعا، حيث حاورهم بالعلم والمنطق العلمي معتمدا مقاربة مميزة في النظر الى الزمن في بعديه الحياتي العادي والسّنني الممتد، وطالبهم بالعمل على إعادة تشكيل معارفهم والنظر بشكل مختلف إلى المفاهيم المتداولة التي ، للأسف كما قال تزيد عقل المسلم تأزما وتخبطا. ثم فتح النقاش للقاعة حيث ابدى الكثير آراءهم في تدخلات متنوعة من الشيوخ والشباب معا، في نقاش راق وتساؤلات مشروعة عن المفاهيم المتعددة التي عرض لها الاستاذان المحاضران .كما كانت الفرصة جيدة بالنسبة للشباب للتعبير عن افكارهم وتساؤلاتهم وما التبس عليهم وحاولوا فهمهم في سياق الظروف والملابسات المتعددة التي تشكل محيطنا الثقافي والفكري الحالي .
وهكذا كانت المداخلات التالية من أساتذة ودكاترة متخصصين من شيوخ ومفكرين لبوا دعوة الجمعية الى هذه الخيمة العلمية والمعرفية الرائعة اي الجامعة الصيفية الرابعة ، وقد تناولت الجلسة الموالية “حقيقة التدين ” مع الشيخ محمدمكركب والدكتور عبد المجيد بيرم في موضوع” الشباب والقيم ” فيما دارت الجلسة العلمية التفاعلية الموالية مداخلتين ثريتين لكل من الدكتورين عمار طالبي عن الثوابت والمتغيرات في مرجعية فكر الجمعية ” وعبد الحفيظ بورديم في المحور ذاته، وكانت الجلسة محاولة للإحاطة بمسألة المرجعية في فكر وأدبيات الجمعية وما ينبغي فهمه وإدراكه من الشباب في هذا المجال.تلته جلسة تفاعلية اخرى وهي الرابعة استعرض فيها كل من الدكتورين عبد العزيز شلي رئيس شعبة قسنطينة وعمار جيدل الكاتب والباحث الأكاديمي المعروف حول “رؤية البصيرة 2031 “التي انبثقت عن الجامعة الصيفية الأولى للجمعية والتي انعقدت اشغالها قبل ثلاث سنوات .
اليوم الثاني …
تميز اليوم الثاني من اشغال الجامعة الصيفية بالورشات التكوينية ـ التدريبية في عدد من الموضوعات والقضايا مثل: التخطيط الاستراتيجي والتخطيط والعمل الجماعي الخ ..وقد توزع الشباب من الحضور على خمس ورشات هي: ، إدارة المنظمة التطوعية ، اطرها الدكتور بدر الدين زواقة ، وورشة “القيادة فن ” والتي أطرها الدكتور يحي باكلي ، وورشة التخطيط أطرتها الاستاذة صباح غموشي ، وورشة التنظيم أطرها الدكتور محمد سحنون وورشة التحفيز والتفويض وقد اطرها الاستاذ مداح بن عودة .ونشير إلى أن أشغال الورشات ميزها تفاعل كبير من الشباب الذين يمكن القول : إنهم وجدوا ضالتهم في طرح أفكارهم ومشاريعهم وعبروا عن طموحاتهم ورؤاهم ، وقد اضفى كل ذلك مزيد حماسة واهتمام وتحفيز على الشباب ، فكانت تساؤلاتهم وتدخلاتهم الدالة على قوة انشدادهم لما كانوا يستمعون اليه من المؤطرين ، الذين عملوا بدورهم على الاستجابة لكل ذلك بمزيد من التوجيه والتسديد والتصويب وتوجيه طاقاتهم إلى ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم،وقد لاحظنا اهتمام الأساتذة المحاضرين بالرد الواضح الوافي على ما يُطرح من تساؤلات وتعقيبات سعيا منهم لإيضاح كافة الجوانب ذات الصلة بالموضوع المطروح من طرف كل واحد منهم، كما كانت للأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس الجمعية حضور بالتوضيح والرد بين حين وآخر ما يُطرح من انشغالات وقضايا .
وفي مساء اليوم الثاني أي يوم الجمعة ، وبعد أداء صلاة الجمعة بإمامة الشيخ الفاضل آيت يونس بن سالم نائب رئيس الجمعية والتي جعلها خاصة بالمناسبة (عيد الاستقلال والشباب ـ والجامعة الصيفية للجمعية )؛ والتي رسخ فيها مجموعة المفاهيم ذات العلاقة بين الاستقلال والكفاح الثقافي والعلمي والتربوي الشامل الذي خاضه الشعب الجزائري، وفي طليعتهم الشباب الذين كانت استجابتهم كبيرة ، وقدموا التضحيات اللازمة لتحرير الوطني وتحقيق استقلاله وسيادته .
بعد العصر استأنف الحضور أشغال الجامعة بالقاعة الكبرى للمحاضرات في جلسة علمية تفاعلية تناولت موضوع دراسة نتائج الاستبيان الذي طرحته لجنة الشباب والطلبة قبل انعقاد الجامعة بأسابيع ، بهدف البحث عن اهم النقاط التي تلخص حاجات وانشغالات الشباب واهتمامات واجتياجات وهموم وطموحات شباب الجمعية خاصة ، وعموم الشباب الجزائري .تلى ذلك لقاء فكري تفاعلي راق شارك فيه الدكتور سليم قلالة الباحث والكاتب المعروف في موضوع ” العولمة والتحديات الجيوسياسية ..” تحدث فيه عن تحديات “العقل ” و”الغذاء” و”الأمن ” وقد اعتبرها تلك التحديات جزءا مما يطرحه الواقع الحالي والمستقبلي على وطننا، على مدار العقود القليلة القادمة ، وأكد على ضرورة الاهتمام بالاستراتيجيات والمستقبليات والاستشراف لشجذ قوى العقل في شبابنا ، وأن الحرب المعتمدة منذ بعض الوقت والتي ستتعمق هي “حرب العقول ” ودعا المحاضر إلى القراءة الدقيقة والجادة للمراجع الأساسية في علم التخطيط والاستشراف والاستراتيجية حتى لا نكون ضحايا لحروب لا ترحم الضعفاء .وقد شارك في هذه المؤانسة العلمية التفاعلية الدكتور يحي بكلي تحدث فيها أساسا عن مخرجات ورشته التي قدمها في الصباح عن ” صناعة القيادة ” و”فن القيادة ” أشار فيها هو الآخر إلى المعارف الضرورية في هذا المجال وحفز الحضور على اهمية قراءة أهم المصادر في مجال صناعة القيادة والقادة ،مبرزا دورهذا الفن في تحقيق نتائج كبيرة في مجالات النشاطات الإنسانية المختلفة ، في إدارة المؤسسات، والمنظمات، والشركات والأفراد. كما أكد على أن ما كتبه بعض العرب في هذا المجال ليس سوى هوامش على متن ، للأسف ، صنّاعه وكاتبوه هم الغربيون وخاصة الأمريكان .وربما كانت هذه اللفتة مهمة في التحفيز على تحسين الأداء المهاري في مجال اتقان اللغات الأجنبية خاصة الانكليزية .
تحدث الدكتور عبد القادر صماري وبدرالدين زواقة في الجلسة الموالية عن التحديات الا قتصادية والاجتماعية ، حيث أفاضا في بيان تلك التحديات وأنواعها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي ـ المعرفي ، وكانت الدعوة صريحة أيضا منهما من أجل استكمال النقص الكبير لدى الشباب في فهم واستيعاب ما يتعلق بقضايا الاقتصاد والاجتماع والنفس والاتصال ؛لأهمية ذلك لمن يريدون ممارسة أدوارهم في مجال الإصلاح والتغيير .
جمعت بعد هذه الجلسة التي عرفت نقاشا مميزا ، الأساتذة قاسم حجاج ، ومولود عويمر، ويونس قرار، وعبد اللطيف سيفاوي وقد تحدثوا على مدار أكثر من ساعة عن مجموع التحديات في مجالات : تكنولوجيات الاتصال(وسائط التواصل الاجتماعي ) ، التحديات الثقافية والتاريخية ، التحديات التربوية ، التحديات الإعلامية وإعلام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سواء منه الإعلام الإلكتروني أو الورقي أو الثقافي والدعوي .
وما ميز الجلسات التفاعلية هو التجاوب الكبير من الحضور شبابا وكهولا، وهو ما يدل على أهمية ترسيخ هذا الخط (التفاعلي) ـ الأخذ والرد ـ في اللقاءات العلمية والثقافية ، أي أعطاء مزيد من الوقت للمحاضرين من جهة وللمعقبين والسائلين والسائلات من جهة أخرى من أجل الإحاطة بالموضوعات المطروحة والخروج بما يفيد الجميع وبما يحقق الهدف وهو توسيع مساحة الوعي والمعرفة في الأذهان والعقول .
صبيحة اليوم الثالث ـ الأخير ـ إعداد برنامج تكويني للشباب من خلال ورشات متنوعة توزع عليها الشباب وتناولت الجوانب الشرعية والتزكية والتربية النفسية ، والهُوية والمرجعية ،والمعاملات والآداب والأخلاق، وتنمية المهارات الفردية والنشاطات السنوية للطالبات ، والترفيه والتربية الصحية وقد أطرها أساتذة من الشباب أنفسهم مع الاستئناس بآراء الأساتذة . وكانت نهاية الأشغال في جلسة ختامية ميزتها التكريمات (كتب الشيخ ابن باديس وآثاره )وهدايا رمزية بسيطة وتلاوة التوصيات وكلمة رائعة من الشيخ آيت سالم بن يونس فيها تذكير وموعظة وتحفيز، وبيان لمسؤوليات الشباب في عملهم الدعوي والديني والوطني الكبير الذي ينتظرهم في الجمعية خدمة لدينهم ووطنهم .وسننشر نص الكلمة ان شاء الله مستقبلا . كما كانت لإحدى الحاضرات في الجامعة ممثلة للطلبة أسماء عبيكش كلمة كان لها تأثير على الحضور ؛ وقد لخصت موقف الشباب ووعيهم وتحفّزهم للقيام بواجبهم العلمي والثقافي والأخلاقي في البناء ، ليكونوا خير خلف لخير سلف بعون الله .
لقد حققت الجامعة الصيفية الرابعة التي خُصصت للشباب صيغة من صيغ التواصل المتكامل بين الأجيال ، وصنعت ذلك الجسر الجميل بين الأجيال وأكدت أهمية توريث الأفكار والعلم والعمل والتجربة بين شيوخ الجمعية وشبابها .ويُسجل للأساتذة الأفاضل دورهم المعرفي الكبير في إيصال الحقائق والأفكار والمعطيات ، بل وتحفيز الشباب على طرح الأسئلة والبحث والاجتهاد ، مما يشكل ربطا نبيلا بين جيلين ويحقق التكامل الذي هو أحد أهم الأهداف في المجتمعات الواعية المتبصرة ..

Exit mobile version