الهند التي فقدناها/ بقلم سليم قلالة
لم نفقد الهند كحليف استراتيجي للحضارة الإسلامية نهاية الأسبوع الماضي عندما زار رئيس الوزراء الهندي الكيان الإسرائيلي ولم يضع قدمه في الضفة الغربية حتى بروتوكوليا، إنما فقدناه منذ سنة 1947 عندما انفصل المسلمون عن الهند وأسَّسوا جمهورية باكستان الإسلامية ثم انفصل البنغاليون عن باكستان وأسسوا بنغلاديش (1971)، وتركوا بقية المسلمين أقلية (بما في ذلك كشمير) في الدولة التي كانت تضم كل شبه القارة الهندية، وكان بإمكانها أن تُصبح أكبر دولة يتجمَّع فيها المسلمون في العالم.
في تلك الفترة (منتصف القرن الماضي)، نجح الاستعمار البريطاني في كسر نواة صلبة لتحالف مرتقب بين العالم الإسلامي وشبه القارة الهندية، وبدأ في تفكيك ذلك التقارب الكبير بين الهند والعالم العربي فيما عُرف بحركة عدم الانحياز التي كان من بين أقطابها جواهر لال نهرو الزعيم الهندي الشهير مؤيد حركات التحرر الرافض لقيام الكيان الإسرائيلي على أساس ديني مثلما رفض انفصال الباكستان عن الهند انطلاقا من نفس المبدإ… وهاهي أدوات الاستعمار الجديد اليوم ونحن نعيش بداية القرن الحادي والعشرين، تنجح مرة أخرى، في تأجيج الصراع بين بلاد المسلمين والهند من خلال قضايا إقليمية وعرقية لا حدود لها وعلى رأسها كشمير… كما تنجح في إحداث كل الانقسامات الممكنة بين المسلمين أنفسهم، لتُعَبِّد الطريق لبلد كبير مثل الهند، ليس لإقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي فحسب، بل لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية معه، والقيام بزيارة من أعلى مستوى هي الأولى في تاريخ هذا البلد، وصفها “نتنياهو” بالتاريخية ولم يتردد في قول ذلك.
وهي بحق تاريخية من وجهة نظر الكيان الاسرائيلي لأنها أكدت تفوُّقه وأثبتت عجزنا عن الاستفادة من التاريخ أو العمل على تصحيح مساره.
لقد كتب مالك بن نبي- رحمه الله- في منتصف القرن الماضي عن واقعة انفصال باكستان عن الهند أنها: “لم تكن إلا الوسيلة التي أعدَّتها السياسة المعادية للإسلام من أجل إحداث الانشقاقات المناسِبة في جبهة كفاح الشعوب ضد الاضطهاد الاستعماري” (في مهب المعركة ص 74). وقد كانت بالفعل كذلك، وهاهي القوى الاستعمارية الجديدة اليوم تُعمِّق الجرح، وسياسات الحكومات العربية والإسلامية المتناحرة مشرقا ومغربا، تزيده عمقا وتدفع بدولة صاعدة مثل الهند إلى إدارة ظهرها لمجموع هذه الحكومات بعد أن رأتها متناحرة متقاتلة فيما بينها يحاصر بعضها بعضا، وتصف مقاومتها الوحيدة المتبقية ضد الكيان الإسرائيلي في غزة بـ”الإرهاب”.
هل نلوم الهند، أم نلوم أنفسنا؟ أليس من واجبنا اليوم أن نُدرك طبيعة الخلل الذي تعرفه أمتنا المنقسمة على ذاتها، ونوقف هذا الانهيار الكبير الذي تعرفه، إذا ما أردنا أن نُبقي الأمل قائما في أن نُحيي ذات يوم تلك الجبهة التي كانت حصنا منيعا ضد الاستعمار والصهيونية وكانت فيها الهند معنا وليست ضدنا؟