لنتفق بداية على عدة حقائق ثم لنا بعد ذلك أن نختلف في التفاصيل ما شئنا . الموضوع الذي بين يدي موضوع يؤرقني كثيرا ويجلب لي الكثير من الأحزان والشعور بالإحباط من هذه المرحلة التي تمر بها الأمة اليوم والتي أقول بأنها تسر العدو وتغضب الصديق لكني قبل أن أدخل في صلب الموضوع أرغب في مناقشة هادئة مع قضية كرس الكثيرون منها جهدهم ووقتهم وأرى أنها قضية فاشلة بامتياز، ولو أن الفشل اقتصر على أصحابه لهان الأمر، ولكنه فشل أصاب قطاعا عريضا من الأمة، وخاصة فئة الشباب الذين يبحثون لهم عن قدوة ومثل يقتدون به ويسيرون على خطاه.
هذا الفشل تمثل في تصدي عدد من كتاب الأقلام ومن أولئك الذين يريدون أن يصبحوا كتابا من زاوية الهجوم الشرس على بعض رموز الدعوة إلى الله حيث ساءهم نجاح بعض الدعاة إلى الله ولأنهم أعداء النجاح ثم هم في الوقت نفسه لهم نصيبهم من الحضور في المشهد الدعوي فقد وجدوا في توجيه نقد ساخر مغلف باسم الحرص على الإسلام أحيانا والحرص على الداعية أحيانا أخرى.
أقول وجدوا فرصة في ضرب هذا الداعية أو ذاك ومحاولة التقليل من شأنه ما أمكن، والسؤال الكبير من المستفيد من هذا الهجوم الضاري على رموز الدعوة الذين لا يزالون بيننا أحياء يواصلون جهدهم ليل نهار في تعليم الناس، وإصلاح علاقتهم بدينهم.
من المستفيد من كل تلك الآلاف من الصفحات على شبكة الانترنت التي تمطر بالكره لبعض رموز الدعوة إلى الله، الخالية من التهذيب والرد المنهجي على سلوك هذا الداعية أو ذاك، أو على قول له، أو رأي لم يعجب كتاب الأقلام المهزوزة، والتي يعاني أصحابها من ضعف في الضمير، وتمزق في الولاء والانتماء لله ولرسوله!!
إننا باسم مصلحة الإسلام ذبحنا الأخوة الإسلامية، وقدمناها على طبق من ذهب للعلمانيين والتغريبيين الذين يدعي بعض كتاب النقد غير الهادف أنهم معهم على خلاف !!
إن ما يفعله بعض المنتسبين للدعوة من هجوم كاسح على رموز الدعوة، كالشيخ سلمان العودة أو الشيخ عائض القرني أو الداعية عمرو خالد من تضييع لمعنى القدوة والمثل برأيي لا يقل فتكا عن دور العلمانيين والتغريبيين الذين لا يرون في الإسلام نموذجا صالحا للحكم في الحياة!!
بل إني أزعم أن ما هو متوفر على شبكة الانترنت من طعن وتشويه وسخرية وهمز ولمز لبعض الدعاة إلى الله من المنتسبين للدعوة، يفوق في حجمه وخطورة أثره ما يفعله بعض العلمانيين والتغريبيين.
وكمثقفة متابعة لما يجري في المشهد الإعلامي على شبكة الانترنت أقول تذبح معاني الإخاء الإسلامي في اليوم مائة مرة أو يزيد من قبل أولئك الذين لا هم لهم إلا تسقط فلتات لسان هذا الداعية أو ذاك وكأن الأمة لم يعد لها من شغل إلا أن تنتقد أسلوب هذا الرجل أو خطوة معينة قام بها، فإذا بالدنيا تقوم عليه ولا تقعد وبدلا من أن نساندهم وندعو الله لهم بالخير والثبات تحول بعض كتابنا لحساد من الدرجة الأولى، وحين لم يصيبهم من النجاح ما أصاب تلك الفئة من الدعاة بدؤوا في التقليل من شأنهم عسى ولعل أن يأتي النقد ببعض الغنائم المسروقة من وعي الأمة، ومن رصيد ثقة أبنائها الجدد بوجود دعاة صالحين يساهمون في إضاءة المشهد الثقافي وتسليط بعض الضوء عليه.
نعم ما هو متوفر في بعض المواقع من نقد غير نزيه لبعض رموز الدعوة، لا يصب في النهاية إلا لصالح فكرة تقويض الإسلام من حياتنا العامة ودين ليس فيه رموز ولا قدوات ولا مصلحين ولا مفكرين دين عاجز بامتياز.
إن ما يحدث اليوم من تشويه لصور الدعاة في عيون الشباب، هو إحباط لمشروع كبير وواعد وهو إعادة دور المصلح والمفكر إلى حياتنا الإسلامية من جديد.
نعم نحن بحاجة إلى جهود هؤلاء الدعاة، وبحاجة إلى أن نحب الصالحين في الله، وقلب لا ينبض بحب الصالحين قلب خرب، وإن رابط صاحبه في المسجد، وصام نهاره وقام ليله!!
قال عليه الصلاة والسلام: “وهل الإيمان إلا الحب في الله والبغض في الله”، وقال في حديث آخر: “يحشر المرء يوم القيامة مع من أحب”، وأسأل ثم أعيد السؤال من المستفيد من تهوين صور الدعاة الكبار الذين خطوا نجاحهم بمواصلة العمل ليل نهار؟!!
من المستفيد من كل هذا النقد الجارح من كل هذا الاستخفاف بكل داعية يشق طريقه للنجاح فإذا وصل القمة برزت معاول من بيننا تضرب وتضرب دون كلال!!
لو كان نبي الله حيا بين أظهرنا، ورأى ما هو متوفر على شبكة الانترنت فسيرى عليه الصلاة والسلام كرها غير مبرر، وحسدا يذهب بالحسنات ويقوض جهود الإصلاح في الأمة!!
أين هي مصلحة الإسلام في أن لا يكون لنا رمزا واحدا حيا نحترمه ونقدره ونثق به وبإخلاصه لدينه ؟!! أين هي مصلحة الإسلام في تتبع عورات وسقطات كل داعية هذا إن كان الهجوم في إطار تعداد السقطات ولم يتجاوز إلى التأويلات والتفاسير الغريبة وابتسار النصوص واختيار بعض الكلام والإعراض عن الآخر رغبة في التشويه، وإمعانا في تمزيق صورة الداعية وتشويه دوره.
ثم لماذا لا تحضرون لنا أيها الساخرون من كبار الدعاة قممكم وقدواتكم الحية، أين هم أعلامكم، أين هم رموزكم، ولماذا لا يظهرون في التلفاز ولا يستضافون في البرامج الحوارية، ولا من خلال الصحف ولا الإذاعات.
أين هم قممكم الذين لا يخطئون، ولا يذنبون، ولا يصدر عنهم إلا أفعال الملائكة؟!!
أين هم الملائكة الأحياء الأنبياء الذين تتبعون، و لماذا لا تباع كتبهم بمئات الآلاف كما تباع كتب الشيخ عائض القرني على سبيل المثال؟!!
لماذا لا نعرف منكم يا أصحاب الكتابات المريضة إلا السخرية والاستهزاء متذرعين بمصلحة الإسلام، وكأن الإسلام دين طوباوي لا يستطيع أحد أن يتمثله أو يعيش وفق مبادئه؟!!
أين هي مرجعياتكم العلمية، وكتبكم الغنية التي سمحت لكم بان تقضموا من ظهور الدعاة كل يوم قضمة، ولن يطيب لكم عيش حتى تسمعوا أن هذا الداعية ترك المكان فارغا وترجل؟!!
لن يرضيكم شيء إلا أن تجدوا كبار الدعاة قد أظهروا لكم الاستسلام وانقلبوا على أهدافهم وهيهات أن يحدث ذلك!!
إن الذي كنا ننتظره منكم إن كنتم مهتمين بمصلحة الدعوة، هو أن تقدموا نقدا منهجيا هادفا، وتعليقات رصينة وواعدة تساعد على جمع الصفوف وتأليف الأرواح لكن ما نراه من طعن في هذا، وسخرية من ذاك، ولمز وتقليل من شأن الدعاة العاملين لهو أمر مخيب للرجاء ويستحق أن يدان. بطبيعة الحال لن يتقدم أداء الدعاة بدون ملاحظات منهجية سليمة وإضافات لإثراء جهودهم وهذا كنا ننتظره ونرتجيه من عامة المسلمين.
وحينما أقول كنا بضمير الجمع، فالمقصود هو كافة الأشخاص الذين ينتظرون خطوات عملية أكبر وأسرع في الإصلاح، وتطوير حياتنا الثقافية والعلمية وفي سائر أوجه الحياة، وهذا الأمر لن يحدث بالسرعة التي نتمناها وهناك من يجتهد في تكسير أشرعتنا، ورمي البوصلة من بين أيدينا، ويصر على أن يحرف مسار السفينة بل ولربما حدثته نفسه بأنه الأجدر بالقيادة والتجديف!!
رويدكم كتاب النقد الأسود، رويدكم توقفوا عن كل هذا الحسد عن كل هذه الضغائن واذهبوا لأقرب طبيب نفسي واعرضوا عليه مشكلتكم.
لا بأس أيها الكاتب الذي لا يرى في الأفق مصلحا يستحق الاحترام، لا بأس أيها الكاتب اليائس من وجود قمم أحبت هذا الدين، وأعطته من قلبها ووقتها الشيء الكثير!!
لا بأس أيها الملتحف بلحاف الشعور بالعجز وقلة الحيلة، أن تذهب لأقرب طبيب نفسي، وتقول له أنا شخص حاسد أعاني من مشاعر سلبية مزمنة ضد الناجحين من العاملين للإسلام!!
احك له مشكلتك، وأخبره بأنك لم تحصد النجاح الذي كنت تتمناه فوجدت أن سبيلك الوحيد لبلوغ ما كنت تأمل أو للتنفيس عن إحباطك هو السخرية من الدعاة الناجحين !!
أرجو لك الشفاء العاجل من مرضك، فالحسد يقتل صاحبه، ولأننا ما زلنا ننتظر من بعض المحبطين أن يتعافوا من أمراضهم فأقول لك أيها الكاتب الحاسد لعل بعض جلسات الاستشارة تخفف عنك ما تشعر به من ضيق الحسد، واعلم أيها الكاتب المريض أن الحياة فانية، وأن حق الأخوة الإسلامية يمنعك من التمادي في هذا الدور المريض.
آخر السطور إذا كان لدى قرائي الكرام وصفة مجربة للخلاص من شرور حسد النفس وأمراضها، فليتهم في التعليقات يكتبون لنا بعض الحلول عسى ولعل أن يغشى شبكة الانترنت بعض السكينة/ وعساها أن تتنفس قليلا بعض نسائم الحب الطاهر، الذي ليس فيه غل ولا غش ولا حسد.
ولعل شيئا من التنادي للسيطرة على الأقلام العابثة يجنبنا ظهور ابن أبي دؤاد الذي تسبب في سجن الإمام أحمد ابن حنبل، أو ظهور ابن أبي ليلى الذي تسبب في سجن أبي حنيفة، أو في تلك النهاية المأساوية للخليفة الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما ذكر أحد علماء المدينة عبارة ندم كبير بعد مقتل عثمان، وقال لأتباعه: “أدعو الله أن يبرئني من دم عثمان”، فقالوا له: وكيف تكون مذنبا وأنت عالم؟!! قال: أرى أن ذكر مساوئ الرجل قد تؤدي إلى قتله.
إعداد:هبةرحالي
المصدر:العصر(الالكتروني)