حوار مع الدكتور عبدالرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مع المشوار السياسي.
رئيس جمعية العلماء للمشوار السياسي:
• ليست لدينا أية مشكلة مع وزير الشؤون الدينية، نحن نتعامل مع المؤسسات لا مع الأفراد، وإن كانت تجمعنا به علاقات شخصية ودية.
• نعتقد أن لا مجال لتطبيق أية إيديولوجية خاصة، خارج القناعات الوطنية..وهي بناء مدرسة جزائرية الانتماء، ثقافية اللسان، إسلامية الروح.
أجرت جريدة المشوار السياسي حوارا قصيرا مع رئيس الجمعية الشيخ عبد الرزاق قسوم الأسبوع الماضي، حول جملة من القضايا، نعيد نشره هنا تمكينا لقراء البصائر الكرام
– بداية مع امتحان شهادة البكالوريا الذي شهد إفطار العديد من المترشحين استنادا إلى فتاوى مجهولة المصدر؟ ما رأي جمعية العلماء المسلمين في هذه المسالة؟
لا يجوز الإفطار في رمضان بسبب امتحان البكالوريا، لأنه ليس عذرا من الأعذار التي تبيح انتهاك صيام رمضان؛ لأن صيامه فَرْضٌ على كل مسلم عاقل بالغ، إلا أصحاب الأعذار المُرخَّص لهم فِي الفطر كالمسافر، والمريض، أو من أشرف على الهلاك بسبب عطش أو جوع، والمرأة المرضع أو الحامل، والشيخ الكبير، والمكره…، أما إذا أفتت جهة معلومة بجواز الفطر فلتتحمل مسؤوليتها أمام الله لأن المفتي موقع عن الله، أما الفتاوى التي تصدر عن مجهول فالأصل في المسلم أن يحتاط فلا يأخذ دينه إلا عن العلماء المعروفين المعتبرين المشهود لهم بالعلم والتقوى. والله اعلم.
– شهدت الجزائر مؤخرا تعديلا حكوميا أبقى على وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، ما رأيكم؟
لسنا في موقع يؤهلنا للحكم على الأشخاص أيا كان موقعهم، فنحن نتجه في أحكامنا دوماً إلى المبادئ لا إلى الأشخاص، فالأشخاص يزولون والمبادئ هي التي تبقى.
ثم إن القائمين بالشأن السياسي هم أعلم بشؤون سياستهم، وبخصوص وزير الشؤون الدينية، ليست لدينا أية مشكلة معه، فنحن كنا وسنبقى –إن شاء الله- نتعامل مع المؤسسات لا مع الأفراد، وإن كانت تجمعنا به علاقات شخصية ودية.
– الحكومة الجديدة شهدت تثبيت وزيرة التربية نورية بن غبريط التي عارضتم إصلاحاتها بشدة، ماذا يعني أن تواصل الوزيرة تنفيذ إيديولوجيتها في المدرسة الجزائرية؟
أعيد ما سبق قوله إجابة عن السؤال السابق، ثم إننا نعارض كل موقف إيديولوجي، يتنافى مع ثوابتنا الوطنية، وبخصوص إصلاحات وزيرة التربية الوطنية، فمواقفنا كانت ولا زالت واضحة، وسبق أن أعلنا عنها أمامها شفوياً، وكتابياً على أعمدة الصحف. بل وإننا ضمنا هذه المواقف في كتابين قدمناهما للوزارة، فصَّلنا فيها، كل ملاحظاتنا وتحفظاننا على ما اعتبرناها أخطاء، وننتظر ردود فعل القائمين على الشأن التربوي بخصوصها، ولكل حادثة حديث.
ونعتقد أن لا مجال لتطبيق أية إيديولوجية خاصة، بأي كان، خارج القناعات الوطنية التي نؤمن بها جميعاً، وهي بناء مدرسة جزائرية الانتماء، ثقافية اللسان، إسلامية الروح.
– ما موقف الجمعية من الجدل الدائر حول مواقيت الصلاة الرسمية في الجزائر، بعد تأكيدات عالم الفلك لوط بوناطيرو أن الجزائريين يصلون صلاة الفجر قبل 40 دقيقة من موعدها، والعشاء بعد 40 دقيقة من موعدها الشرعي؟
يبدأ وقت صلاة الفجر من تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والمراد به هنا الفجر الذي تحل به الصلاة، ويبدأ وقت صلاة العشاء بمغيب الشفق الأحمـر، والمسلم مطالب أن يتحرّى الوقت الصحيح حتى يؤدي صلاته في أوقاتها المعلومة، وقد وضعت الوزارة الوصية رزنامة المواقيت المعتمدة رسميا في الجمهورية الجزائرية بناء على حسابات فلكية قام بها خبراء متخصصون على حد ما صرح به القائمون على الوزارة الوصية وهم وحدهم يتحملون المسؤولية الشرعية أمام الله؛ لأن الموضوع يحسم فيه الخبراء والإدارة الوصية.
– عرفت العديد من المساجد عبر الوطن تكرار المظاهر المؤسفة والتي باتت مألوفة خلال الشهر الكريم، من عراكات بين الائمة والمصلين والنوم في بيوت العبادة …الخ ، أين مكمن الخلل حسب رأيكم؟ وما السبيل إلى تفادي مثل هذه المظاهر التي باتت تسيء إلى بيوت الله؟
المساجد هي بيوت الرحمن التي يدخلها عباده لأداء الصلوات وذكر الله والتسبيح والتفقه في الدين، إذ لها وقارها وحرمتها، والواجب على المسلمين جميعا أئمة ومأمومين أن يحافظوا على سمتها الإيماني ويساهموا في نشر الطمأنينة والرحمة والأخوة فيها ويتجنبوا كل أنواع السلوكيات التي تسيء إليها وتتنافى وأخلاق المسلمين، خاصة في شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، ولهذا جاء في الحديث صراحة أن الغاية من الصيام أن يرفع الإنسان المسلم من درجة القرب من الله حتى يصل إلى مرتبة الإحسان التي تجعل منه عبدا يلتزم بأوامر ربه في السر والعلن، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”، رواه البخاري رقم 1804.
إن رمضان فرصة مواتية ليتخلص فيه بعض الناس من عادات ضارة، وأفعال لا تتماشى مع ما يدعو إليه الإسلام من أخلاق وسلوكيات، وهو فرصة أيضا ليتحصل الـمؤمن على زاد رباني يتقوّى به على مفاتن الدنيا وشهواتها، ومكايد الشيطان ووساوسه، ورغبات النفس ومطامعها.
– أقدمت العديد من القنوات التلفزيونية الجزائرية منذ بداية رمضان على بث برامج خادشة لحرمة الشهر، وكاميرات مخفية لترويع الجزائريين، ما مدى خطورة مثل هذه التجاوزات الدخيلة على المجتمع الجزائري؟ ومن المسؤول عن المحاولات المتكررة لإشاعة الفاحشة وكسر الطابوهات في بلد محافظ مثل الجزائر؟
يُعرف شعبنا الجزائري بأنه شعب مسلم وإلى العروبة ينتسب، كما قال إمامنا عبد الحميد بن باديس، وهذا الانتماء يتضمن قيماً أخلاقية إسلامية نبيلة، ومبادئ إنسانية سامية، وهو ما يكفله الدستور الجزائري، الذي حظي بإجماع الشعب، لذلك فكل ما من شأنه أن يخدش حياء شعبنا، أو يمس بمقدساته مرفوض بجميع المعايير.
ومن هذا المنطلق، فإن إقدام بعض القنوات الخاصة أو العامة، على عدم احترام هذه القيم، هو عدوان على العقل الجزائري، وعلى الضمير الإنساني العميق الكامن فيه. وعلى الدولة التي هي حامية الدستور والإسلام، الذي هو دين الدولة بنص الدستور أن تتصدى لكل من تسول له نفسه، خدش حياء شعبنا، أو محاولة نشر الرذيلة أو الفاحشة بين صفوفه تحت أي مسمى كان.
نحن مع حرية الإعلام الفني، ونشجع الإبداع في هذا الإعلام، لكن بشرط أن لا يكون على حساب مبادئنا وقيمنا وقناعاتنا. فحرية كل فرد تنتهي ببداية حرية الآخرين.
– تعرف الأزمة الخليجية _القطرية تداعيات خطيرة وصلت إلى حد فرض حصار اقتصادي على الإمارة الصغيرة قطر، أولا ما موقف جمعية العلماء من هذه الأزمة، وثانيا ما المطلوب من السلطات الجزائرية اليوم لإخماد نار هذه الفتنة؟
إن موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من أزمة الخليج، وتداعياتها، موقف صريح وواضح كنا سبَّاقين إلى إعلانه لمجرد اندلاع الأزمة، في ندائنا إلى أبناء الأمة الإسلامية، وهو ضرورة تطويق هذه الأزمة، بأسرع ما يمكن، والجلوس إلى طاولة الحوار بين الأشقاء الفرقاء، لنزع فتيل الأزمة، وتفويت الفرصة على أعداء أمتنا.
فأيا كانت اختلافات المواقف الرسمية، فإن ذلك لا ينبغي أن يتسبب في تصدع البنية الهيكلية الاجتماعية، أو الثقافية، أو الاقتصادية، لأن الشعوب العربية على اختلاف مواقفها الجغرافية، تحكمها لُحمة التاريخ، وتربطها أواصر الألفة الأسرية، وأخوة الدين، ولذلك فهذه الاختلافات لا ينبغي أن تفسد للود قضية.
أما موقف الجزائر من الأزمة، فيبدو موقفا مشرفاً حتى الآن، ونؤكد على ضرورة أن تبقى الجزائر حاملة للواء أدب الاختلاف، وحسن الجوار، وبذل المساعي الممكنة للحيلولة دون تفاقم الأزمة.
كما أن الجزائر، وهي بلد الثورة والثوار، مدعوة إلى أن تبقى في موقفها القاضي بعدم تمكين العدو من التدخل في شؤوننا الداخلية، وتقديم العون المادي والمعنوي، لكل جهة يمكن أن تتضرر من تداعيات هذا الاختلاف، وخاصة العمل على عدم إقحام القضية الفلسطينية، وهي قضية الإجماع العربي والإسلامي، في هذا الصراع الذي تدار فُصوله من خارج المنطقة، فالتاريخ صحائف، ويجب أن تخلِّد الجزائر فيها جميل الذكر.
– تضمنت لائحة الإرهاب التي أعدتها السعودية وبلدان عربية أخرى مؤخرا أسماء لعدد من أشهر الدعاة في العالم ومنهم القرضاوي والصلابي، ما رأيكم في هذه اللائحة؟
إن من الخطإ الفادح من وجهة نظرنا، الخلط بين العلماء والإرهاب، فالذي نعلمه أن العالم لا يحمل قنبلة أو سلاحاً، وكل ما لديه هو الكلمة الشريفة التي تعبر عن حرية الرأي، والكلمة الشريفة يجب أن يكون الرد عليها بالكلمة الشريفة.
أما هذا التعصب الخطير، الذي يصنف أي عالم حقيقي، من أي بلد كان، في خانة الإرهاب، فإنه تصعيد خطير، ينبغي على الأشقاء العرب أن يعملوا على إسقاطه من قاموس معاملاتهم.
فحذار، لأن لحوم العلماء مسمومة، وويل لمن يقدم على نهشها.
وعلى كل الهيآت والمؤسسات العلمية أن تتصدى لمثل هذا الانحراف الخطير، لأن مثل هذا الانحراف من جانب الحكام وأهل الرأي، من شأنه أن يجرّئ فئات من الشعب، على نزع الاحترام والتبجيل عن علماء الأمة، وهو ما ينتج التكفير، والتخوين، والتبديع الذي هو سلاح التطرف الذي تعاني منه أمتنا، في واقعنا المتردي اليوم.
نأمل أن يكون رمضان، وهو شهر الغفران والتسامح عامل ألفة، وتسامح، وتسامٍ عن الأحقاد والضغائن.