القرضاوي ليس إرهابيا/ بقلم الطيب صياد

خلال الأيام القليلة الماضية؛ تزاحمت الأخبار على جزيرة العرب كما تتزاحم طائرات الشرق والغرب على سماء سوريا، بدأت الأحداث تتسارع بشدَّة وكأنها تجري وفق متتالية فيبوناتشي، تُختَرَق وكالة الأنباء القطرية الرسمية “قنا” وتُنشَر أخبار مفبركة بأسلوب غير ذكيٍّ لينسب هؤلاء القراصنةُ تصريحاتٍ مزيَّفةً إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد تتعلق بحركة حماس وجمهورية إيران والموقف من الكيان الصهيوني ومن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، تصريحات لا يمكن لعاقلٍ مهما كانت درجة عداوته أن يُصدِّقَها لأنها تفقِد أدنى مقوِّمات الحكمة في إقليم مضطرِب وكأنه محمول على كف عفريت!

لكنَّ “وراء الأكَمة ما وراءها” على ما يبدو، فقد تناولت محطَّات إعلامية خليجية ومصرية تلك التصريحات المفبركة على أنها سبْق صحفي وخصَّصتْ له ساعاتٍ من النقاش والتحليل والاستشراف رغم البيان الرسمي القطري أن وكالة “قنا” تعرضت لجريمة اختراق، وأن التصريحات ملفَّقة ولا أساس لها من الصحة، كل ذلك لم يُثْن تلك المنابر الإعلامية عن مواصلة برامجها لتحليل أخبار مزيَّفة بغية إثارة الجمهور ضد “الشقيقة” قطر!!

اجتمع مسؤولون من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر وكتبوا قائمة من 59 شخصًا وصنَّفوا هذه القائمة في خانة الإرهاب، أدرك الجميع بعد نشر تلك القائمة أن العامل المشترك هو الانتماء لتيار الإسلام السياسي.
لم تهدأ تلك الفوضى حتى تعرضت الجهات المُعادية لقطر إلى فضيحة تسريبات هي الأولى من نوعها، رسائل يوسف العتيبة -سفير دولة الإمارات لدى واشنطن- إلى مؤسسات بحثية وأخرى لوزير الدفاع الأمريكي السابق، تناولت بوضوح سعي الإمارات للضغط على قطر وحركة حماس وشبه تأكيد على ضلوعٍ ودعم في الانقلاب الفاشل الذي وقع بتركيا أوت/ حزيران 2016، هنا حدثت صدمةٌ غير متوقَّعة وبدأ معسكر الخفاء في التشكُّل أمام الملإ، حتى جاء تاريخ 5 جوان/ يونيو لتعلن أنظمة السعودية والإمارات والبحرين مقاطعة سياسية اقتصادية حادَّة مع دولة قطر، وبالطبع كان في صفها نظام الانقلاب المصري حيث انضمَّ رئيسه ومسؤولوه مبكِّرًا لمعسكر المقاطَعة.

والطريف أن داعمي هذا المعسكر كانت دولًا لا يعرفها كثيرٌ من المتابعين حتى المثقفين منهم، في غَمرة التحاليل والتعليقات التي حاولتْ قراءةَ هذه المُجريات الخاطفة كانت هناك نظرة تقول إن القضية بالأساس تمسُّ مبادئ الأمة العربية والإسلامية على اختلاف مذاهبها الفقهية والعقدية والفكرية، والذي دعَّم هذه النظرةَ تصريحُ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأنه قد “طفح الكيل وعلى قطر التوقف عن دعم حماس والإخوان والمسلمين”! إذَن جوهر المشكلة ليس كما كنا نظنُّه في أحداث 2014، بل هو أعمق بكثير من ذلك، بدا جليًّا أن الحرب تدور رَحاها على “الإسلام السياسي” بكل مكوِّناته ورموزه.

تمسَّك كثيرٌ من المتعاطفين مع المملكة العربية السعودية بطَرَفٍ من الثوب، وأرادوا أن يُركِّزوا على أن أهم سبب في المقاطعة هو تعاون قطر مع النظام الإيراني الذي يصنَّف -ورقيًّا- على أنه عدوٌّ ويمثل خطرًا على بلاد العرب، لم يكن هذا سببًا مُقْنِعا في الحقيقة حيث يدرك المتابعون ضخامة التبادل التجاري بين الخليج وإيران فضلًا عن سكوت دبي على احتلال طهران لأراضٍ عربية إماراتية! القضية ليست إيران إذَن!

وكما ذكرتُ آنفًا؛ كان تصريح الجبير الذي اعتبرَتْهُ حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مدهشا وخارجًا عن موقف المملكة في دعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، كان هذا التصريح هو مربط الفرس في المعركة كلها.. محاربة الإسلام السياسي برموزه وحركاته هي سبب الحصار العنيف الذي شنَّته تلك البلدان العربية على الجارة الصغيرة قطر.

وبتطوُّر الأحداث في مشهد تراجيديٍّ رهيب؛ تبقى تصريحات قطر متحفِّظة جدًّا لدرجة منع حتى الإذاية اللفظية لدول الحصار، رغم صدور قرار من النائب العام الإماراتي بتصنيف “التعاطف” مع قطر على أنه جريمة يعاقب عليها القانون بما يصل إلى 15 سنة في السجن! جاءت الانفراجة الأولى لصالح قطر من حليف إقليمي قوي هو تركيا، حيث بدَتْ تصريحاتُ المسؤولين الأتراك متعاطفة مع قطر ثم تسارعت هي الأخرى ليوافق البرلمان بإيعاز من الحكومة على قرار نشر قوات من الجيش التركي في الأراضي القطرية -استنادا لاتفاقيات التعاون المشترك بين البلدين-، وقَّع الرئيس التركي على القرار في وقت متأخر من ليلة 7 جوان/ يونيو وأشارت بعض الأنباء إلى إمكانية إرسال نحو 5000 جندي تركي، وقد وصل بعضهم بالفعل إلى قطر، كانت دول الحصار تتوقع انحيازا تركيًّا لصالح قطر لكن ليس بدرجة إرسال جيش بالآلاف وهم الذين لم يستطيعوا حسم مأساة اليمن بالرغم من أنهم يقاتلون -فقط- ميليشيات بِدائية.

رسالة ذئاب الأناضول كانت واضحة جدًّا فقد سارع الرئيس الأمريكي الذي كان يميل لمعسكر المقاطعة واتصل بأمير قطر عارضا عليه الوساطة وقد رفض الأمير الخروج من الدولة ما لم يُرفَع الحصار عن الشعب، بعد ذلك كان لِزاما على الطرف الآخَر اللعب على ما تبقى من أوراق فاجتمع مسؤولون من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر وكتبوا قائمة من 59 شخصًا وصنَّفوا هذه القائمة في خانة الإرهاب، أدرك الجميع بعد نشر تلك القائمة أن العامل المشترك هو الانتماء لتيار الإسلام السياسي، وعلى رأسهم الشيخ العلَّامة الفقيه الدكتور يوسف القرضاوي -شفاه الله-!

منهج القرضاوي استقاه من منهج الوسطيَّة التي جاء بها الشرع الحنيف، يعرفه القاصي والداني، وآراؤُه ومواقفه في أصول الدين وفروعه وفي النوازل معروفةٌ لا يخبِّئها على أحد، فما الذي جعل الشيخَ إرهابيا في قائمة هؤلاء؟!
قبل أسابيع (مارس2017) وفي مؤتمرٍ جَمَعَ كثيرًا من الشيوخ والفقهاء زار القرضاوي السعودية والتقى المفتيَ العام للمملكة عبد العزيز آل الشيخ، والتقطت العدساتُ صورًا مشترَكةً للشيخين، فَرِح العالم الإسلامي بهذا الاجتماع وكانوا يأمَلون بداية الوحدة الكبرى بين الطوائف والفِرَق مما يرأب صدع الأمة الإسلامية في المشرق والمغرب، وانتشرت تلك الصور في مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة لا مثيل لها، كان الناس يتعطَّشون فعلًا لاتِّحادٍ حقيقيٍّ بين علماء المسلمين لأن ذلك سيؤدي لا محالة إلى تقارب كبير بين سياسات الأنظمة بما يخدُم مصلحة شعوبها ويوحِّد مواجَهَتها للعدو المشترك وتحرير الأراضي المحتلَّة ووقف المد الإيراني في الأراضي العربية وعودة الأمن إلى سوريا وليبيا واليمن وغيرها من مناطق النزاع في العالم الإسلامي.

“قائمة الإرهاب” ضَمَّت اسم الشيخ القرضاوي الذي كان قبل أسابيع يجالس مفتيَ المملكة ويُضاحكه ويبادله الأحاديث والفوائد، صُدِم المتابعون سواء من يؤيد المقاطَعة أو من يرفضها، وتساءلوا: هل كان الشيخ القرضاوي حينها إرهابيًّا أم لا؟ وما الذي فعله خلال الأيام الأخيرة حتى أصبح إرهابيا؟ هل أفتى بتفجيرات في المملكة؟ هل انضَمَّ لحزب الله اللبناني الذي يقتل السوريين كل يوم؟ هل ناصر الحوثيين الذين يحاصرون تعز؟ هل شجَّع الحرس الثوري الإيراني الذي يعيث في العراق وسوريا فسادًا؟ طبعًا كل ذلك لم يحدث ولا ما يماثله ولا أقلُّ منه، فمنهج القرضاوي استقاه من منهج الوسطيَّة التي جاء بها الشرع الحنيف، يعرفه القاصي والداني، وآراؤُه ومواقفه في أصول الدين وفروعه وفي النوازل معروفةٌ لا يخبِّئها على أحد، فما الذي جعل الشيخَ إرهابيا في قائمة هؤلاء؟!

أنا لستُ إخوانيًّا ولا أنتمي إلى أي فرقة بالأسماء القديمة ولا الحديثة، وأعتقد أن كل المدارس الإسلامية قد خدمت الأمة والحضارة خدمات جليلة، ولكني أقول: القرضاوي ليس إرهابيا، وحماس ليست إرهابية، وكل فقيهٍ أو مفكِّرٍ حارب الاستبداد ليس إرهابيا، وكل جماعة حاربت الاحتلال ليست إرهابية، وكل منظَّمة ساندت حركات التحرر ليست إرهابية، وكل حكومة دعمت الشعوب لنيل حُرِّيَتها ليس إرهابية، هكذا أقول وهكذا يقول المُنْصِفون في العالَم الحُرِّ.

Exit mobile version