الكفاءة الختامية في المدرسة الجزائرية /بقلم الأستاذ : زكرياء خالد

” الكفاءة الختامية المستهدفةُ ” مصطلح من مصطلحات بيداغوجيا المقاربة بالكفاءاتِ، وتُسمَّى، أيضا ، بالكفاءةِ النهائيَّة، ويُقصدُ بها ” الكفاءةُ المنتظرة في نهايةِ السنة “، أو ” هي مجموعُ الأهداف الإجرائية التي يُسعى، بشتى الطرق والوسائل، والإمكانات، إلى تحقيقها في نهاية السنة الدراسية، أوالطورِ التعليمي ،وهذه الأهداف وإن اختلفت، فإنها تسعى مجتمعة إلى تحقيق الهدفِ الأساس المبتغى من وراء بيداغوجيا المقاربة بالكفاءات، وهو تخريجُ متعلم كفء، قادر على توظيف ما تعلمه في حل المشاكل التي تعترضه في الواقع؛ بمعنى أن هذه البيداغوجيا تهدف إلى المصالحة بينِ المتعلم وواقعهِ، وتكوينه من مختلف الجوانب ( المعرفية، النفسية، الاجتماعية، الثقافية، … ) حتى يكون فردا فعَّالا في مجتمعه، يسهمُ في بناء المجتمع، المحلي والإنساني .
وإذا كانتِ المدرسةُ الجزائريةُ تُدرس وفق بيداغوجيا المقاربة بالكفاءاتِ، فهل نجحت في تحقيقِ هذه الكفاءةِ الختاميةِ المستهدفةِ ؟
إنَّ الكفاءة الختامية تتحقق في مدارسنا الجزائرية، تحققا معاكسا للأهداف المرجوةِ، الموضوعة من قبلِ واضعي المناهجِ التربويَّةِ، والواقع أصدق أنباء من أي كان .
فالكفاءة النهائيةُ في مدارسنا الجزائرية ليست هي تكوينُ فرد من مختلف الجوانب، قادر بكفاءته على بناء وطنه، وخدمة الإنسانية قاطبة، وإنما هي :
1. تمزيقُ الكراريسِ، والكتبِ المدرسيَّة، دون مراعاة لتلك المكتوبةِ باللغة العربية لغة القرآن الكريم ، أو المتضمنة آيات قرآنية كريمةِ، وأحاديث نبوية شريفة .
2. تخريب المؤسسات التربوية .
3. ممارسةُ العنف، بشتى أنواعهِ على الأساتذة .
4. محاولة الغش بشتى الطرق، ولو في مادةِ العلوم الإسلاميَّة .
5. الجري وراء الأساتذة؛ من أجلِ تضخيم النقطةِ، للنجاحِ، دون حياء، وبذل لأدنى مجهود خلال العام الدراسي .
6. مدارس عمومية مهجورة، أشبه بالأطلالِ، بسببِ إقبالِ أغلب المتعلمين على الدروس الخصوصية، ولو كانت بأثمان باهضة .
7. ارتيادُ أغلب المتعلمين المدارس بملابس صيفية كاشفة لمفاتن الجسم، علاوة على تسريحات الشعر الغريبة التي لا تعبر عن هندام التلميذ المحترم، المتبع تعاليم الدين الإسلامي الحنيفِ .
8. ختم السنة الدراسية بالهتافات، والزغاريد التي لا تعكس صورة المتعلم القدوة، وهذا للتعبير عن التحرر من سجن المدرسة .
بعد إمعان النظر في هذه الوقائع، نطرحُ التساؤلات الآتية :
– إذا كانتِ المدرسة الجزائرية تسعى إلى تحطيمِ الجدار الفاصل بين المدرسةِ والمجتمع، من خلال مراعاة خصوصية البيئة الاجتماعية في تخطيط المناهجِ، لتخريج فرد كفء قادر على بناء مجتمعه، فلماذا مازال يعتبرُ التلميذُ المدرسة ” سجنا ” يقيدُ حريته، ويقتل إبداعه ؟
– إذا كانتِ هذه البيداغوجيا الجديدة قد أضافت إلى الأهداف المعرفية، الأهداف السلوكيَّة ، أوالإنجازية، أوالإجرائية التي تقوم على دفعِ المتعلم إلى تمثل ما يتعلمهُ في شكل سلوك واقعي نافع لغيرهِ، فلماذا نجدُ أغلب المتعلمين يتصرفون بسلوكاتِ غريبة، لا تَمت بصلة إلى طالب العلم الذي أجاد السلف الصالحِ في رسم صورته على هدي تعاليمِ الدين الإسلامي الحنيف ؟
– أليستِ المدرسة مجرد مجتمع مصغر يعكس لنا، بدقة، المجتمع الكبير ؟ أليس المتعلم يعكسُ لنا طريقة عيشه في مختلف الأوساط الاجتماعية؛ كالأسرةِ، والشارعِ، والملعب، ومقاهي الأنترنات ، … ؟
– أليستِ البرغماتيةُ قد صارت سمة الفرد الجزائريِّ الذي صار يتبع خطوات المصلحةِ الشخصية ، في مجتمع استهلاكي مادي، يفتقر إلى القيمِ العليا، والثقافة الراقية ؟
بعد هذه التساؤلات الحارقةِ، نصل إلى القول : لقد طبقنا بيداغوجيا المقاربة بالكفاءات في المدرسة الجزائرية شكلا لا معنى، قالبا لا وعيا؛ ذلك أننا استئصلنا جذور هذه البيداغوجيا من تربة بيئة غربية ، مغايرة لتربة البيئة العربية؛ من حيثُ الدينِ، والإمكاناتِ، فهذه البيداغوجيا الجديدة وُلدت من رحمِ مجتمع غربي يفهمُ العلمانية فهما شائها، فحواهُ أنَّ أساس العلمانية هو ذلك الفرد الماديُّ، البراغماتي ، المتحرر من أغلالِ الشرائعِ، وقيودِ القيمِ، المُقدِّم لمصالحهِ الشخصيةِ على كلّ شيء، ضف إلى هذا ، فإنَّ هذه البيدغوجيا وليدةُ مجتمع متقدم بوسائله التعليمية المتطورةِ، وخاصة الوسائل التكنولوجية التي تسهل عملية تحقيق أهداف هذه البيداغوجيا الجديدة، على خلافِ الدول العربية الإسلامية التي مازالت تعاني من نقص حاد في المرافق التربوية، نتج عنه الاكتظاظ، علاوة على تقليدية الوسائل التعليمية في ظل النقص الحادِ في الوسائل التعليمية الحديثة، وهذه الأسباب مجتمعة قد أدت إلى تكريسِ الطريقة التقليدية التي تقوم على التلقينِ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ أسس بيداغوجيا المقاربة بالكفاءات قد مازلت إلى يومنا هذا مجرد أفكار تتداول على ألسنة رجال التربية في الملتقيات، والندوات، والكتابات ، … دون أن تُطبق في المدارس الجزائرية، ولا أدل على ذلك أنَّ المدرسة الجزائرية لم تستطع تحطيم الجدار الذي يفصلها عن باقي الأوساط الاجتماعية؛ كالأسرة – خاصة -، والمسجد، … فهناك من المربين مازالوا حبيسي ذهنية حشو الأدمغةِ، والإملاءِ، … والأخطرُ في الأمر أنَّ منهم منْ يهددُ المتعلم بالنقطةِ، والأمر سيَّان مع باقي أفراد المجتمع والأسرةِ التي تزرع في أذهان المتعلمين فكرة سلبية فحواها أنَّ التعلم مفتاح المنصب الراقي الذي يعود على المتعلمِ بالربح الوفيرِ، دونَ أنْ ترشدهُ إلى أنبل الطرق لتحقيقِ الغاية المثلى من وراء التعلم التي تتحدد في إكمالِ بناء مشروع الذات بلبناتِ الرؤى الإسلامية اللامتناهية، من أجلِ أداء مهمة ” عمارة الأرض ” ، بإتقان، إرضاء للرحمنِ .
أليس من الآباء من يشتري لابنه الوسائل التكنولوجية التي تساعده على الغش ؟ أليس من الأباءِ من يحاول بكل الطرق أن يحضر لابنه أسئلة الامتحان ؟ أليس من الآباء من يُلح على الأساتذة، من أجلِ تضخيم النقاط لابنه، للنجاح ؟ أليس من الأساتذة من يقدم حلول الامتحان الجاهزة لابنه الذي يدرسُ عنده في الفصل ؟ أليس من الأساتذة من يتوسط لابنه الذي يدرسُ عند زملاءه الأساتذة ؟
ضف إلى كل هذهِ العواملِ السلبية، فإنَّ واضعو المناهج التربوية مولعون بتقليدِ المناهج الغربية التغريبية، دون مثاقفة تحول الأنظار نحو تراثنا العربي الإسلامي الثريّ بتعاليمِ القرآن الكريم وقصصه التربوية، وبطرق العرب المسلمين القيمة في التربية والتعليم، وعلى رأسهم ” الأنبياءُ أشرفُ المعلمين “، دون أنْ ننسى حكاياتِ طلبةِ العلم العرب المسلمين الأسطوريةِ في طريقة إدراك العلم، ودُرر أقوالهم الفريدةِ في رسمِ الطرقِ القويمةِ، المؤديةِ إلى سدرةِ العلم .